الذكاء الاصطناعي.. ثورة أم تهديد؟

الذكاء الاصطناعي.. ثورة أم تهديد؟

أ. د. محمد أحمد بصنوي

يُعدُّ الذَّكاءُ الاصطناعيُّ، أداةً ثوريَّةً ستُحدِثُ تحوُّلًا هائلًا في كافَّةِ المجالاتِ، خاصَّةً الصناعةَ، فخلالِ السنواتِ القليلةِ المقبلةِ سيتغيَّرُ القطاعُ الصناعيُّ بشكلٍ جذريٍّ، وستحلُّ الربوتاتُ مكانَ البشرِ في الكثيرِ من فرصِ العملِ الخاصَّةِ بالقطاعِ الصناعيِّ، وقدْ يصلُ الأمرُ إلى الاستغناءِ بصورةٍ كاملةٍ عَن الإنسانِ في هذهِ المصانعِ.

مَا ذُكرَ سابقًا ليسَ دربًا مِن دروبِ الخيالِ، ولكنَّهُ باتَ أقربَ إلى الحقيقةِ، ففكرةُ تخيُّلِ وجودِ مصنعٍ بدونِ عمَّالٍ، ويعملُ 24 ساعةً، 7 أيَّامٍ في الأسبوعِ، أصبحَ أمرًا واقعيًّا بالفعلِ، فشركةُ «شاومي» الصينيَّةُ قامتْ ببناءِ مصنعٍ فِي بكين، يعملُ بشكلٍ آليٍّ بالكاملِ، وينتجُ 60 هاتفًا فِي الدقيقةِ بدونِ أيِّ تدخُّلٍ بشريٍّ، (لكاملِ المصنعِ)، باستخدامِ أحدثِ تقنياتِ الذَّكاءِ الاصطناعيِّ، ويقعُ المصنعُ علَى مساحةٍ تصلُ لـ81 ألفَ مترٍ مربعٍ، بقدرةِ إنتاجٍ تصلُ لـ10 ملايين هاتفٍ ذكيٍّ سنويًّا، بتكلفةٍ تُقدَّرُ بـ330 مليونَ دولارٍ، وهذَا المصنعُ يُعدُّ الجيلَ الثّانِي مِن مصانعِ «شاومي» الذكيَّةِ، وهُو أكبرُ 10 مرَّاتٍ مِن أوَّلِ مصنعٍ افتُتحَ لـ»شاومي»، وخطُّ الإنتاجِ فِي هذَا المصنعِ يقومُ بكلِّ شيءٍ مِن تجميعِ اللوحاتِ الإلكترونيَّةِ، إلى التجميعِ النهائيِّ، والتعبئةِ، وحتَّى الشَّحنِ، ومعدَّل التَّطويرِ الذَّاتيِّ فِي هذَا المصنعِ تُقدَّر بـ97% لمعدَّاتِ اختبارِ المكوِّناتِ والتعبئةِ، وتصلُ لـ100% لبرامجِ المصنعِ.

هذَا التطويرُ المذهلُ يُظِهرُ لنَا المستقبلَ، حيثُ ستتمكَّنُ المصانعُ من تطويرِ نفسِهَا بكفاءةٍ عاليةٍ، دونَ الحاجةِ لمعاملَ أو البشرِ، فهلْ نحنُ مستعدُّونَ لهذَا المستقبلِ؟!

ومَا يؤكِّدُ أنَّنا نقتربُ من عصرِ الذَّكاءِ الصناعيِّ، وقربِ الوصولِ إلى مرحلةِ الاستغناءِ عن البشرِ في الوظائفِ، هُو مسحٌ أجرتُهُ شركةُ (IBM) عامَ 2023، توصَّلَ إلى أنَّ 42% من الشركاتِ بدأتْ تدمجُ الذكاءَ الاصطناعيَّ فِي كافَّةِ العمليَّاتِ الإنتاجيَّةِ، و40% مِن الشركاتِ الأُخْرَى تفكِّرُ في تبنِّي أدواتِ الذكاءِ الاصطناعيِّ، خاصَّةً معَ ظهورِ روبوتاتِ الدردشةِ والمساعدِينَ الرقميِّينَ التِي تمكِّنُ الشَّركاتِ مِن المحادثاتِ البسيطةِ معَ العملاءِ، والإجابةِ عَن الاستفساراتِ الأساسيَّةِ مِن الموظَّفِينَ.

وهناك العديد من الأمثلة التي تظهر التوسع الكبير في استخدم تقنيات الذكاء الصناعي؛ بسبب دوره في زيادة الإنتاج، فكل صاحب عمل ينظر إلى مصلحته أولا، فشركة «فورد» بدأت تستخدم روبوتات تعمل بالذكاء الاصطناعي لتجميع محركات السيارات؛ مما أدى إلى زيادة الإنتاج بنسبة 10٪، وخفض التكاليف بنسبة 15٪.

وفِي مدينةِ سان فرانسيسكو الأمريكيَّةِ أنزلتْ أسطولًا مِن سيَّاراتِ الأُجرةِ إلى الشَّوارعِ فِي خدمةِ النَّاسِ (بلَا سائقٍ)، وبدونِ أيَّ تدخُّلٍ بشريٍّ.

وشركةُ «جنرال إلكتريك» تستخدمُ الذكاءَ الاصطناعيَّ لتحليلِ بياناتِ محرِّكاتِ الطائراتِ للتنبؤِ بحدوثِ الأعطالِ قبلَ وقوعِهَا؛ ممَّا ساعدَ علَى منعِ تأخيراتِ الرحلاتِ الجويَّةِ، وخفضِ تكاليفِ الصيانةِ، وشركةُ «بِيريللي» تستخدمُ أيضًا نظمَ الذكاءِ الاصطناعيِّ لمراقبةِ جودةِ الإنتاجِ فِي مصانعِ الإطاراتِ؛ ممَّا أدَّى إلى خفضِ نسبةِ المنتجاتِ المعيبةِ بنسبةِ 50٪. وتستخدمُ شركةُ «أمازون» الذكاءَ الاصطناعيَّ لتقديمِ توصياتٍ للمنتجاتِ للعملاءِ، بناءً علَى سلوكيَّاتِهِم الشرائيَّةِ؛ ممَّا أدَّى إلى زيادةِ مبيعاتِهَا بنسبةِ 30%.

يبدُو المستقبلُ مخيفًا، فالربوتُ سيحلُّ محلَّ البشرِ، مَا يعنِي أنَّ البطالةَ ستزدادُ بصورةٍ كبيرةٍ فِي كافَّةِ المجالاتِ، فلماذَا يستعينُ مالكُ المصنعِ بالبشرِ الذِي فِي حاجةِ إلى فترةِ راحةٍ، وإلى إجازاتٍ أسبوعيَّةٍ وسنويَّةٍ، ليسَ هذَا فقطْ، بلْ لا يستطيعُ العملَ سِوَى عدَّةِ ساعاتٍ، ولذلكَ مِن المتوقَّعِ أنْ يتمَّ تعطيلُ 44% مِن الوظائفِ بينَ عامَي 2024 و2028، والنِّساءُ أكثرُ عُرضةً لفقدانِ وظائفهنَّ؛ بسببِ استخدامِ الذكاءِ الاصطناعيِّ، ويرجعُ سببُ ذلكَ إلى وجودِ فجوةٍ كبيرةٍ فِي مهاراتِ الذكاءِ الاصطناعيِّ بينَ الرِّجالِ والنِّساءِ.

وأخيرًا وليسَ آخرًا، فهناكَ الكثيرُ مِن التحدِّياتِ التِي ستواجهنَا خلالَ السنواتِ القليلةِ المقبلةِ؛ بسببِ مخاطرِ الذكاءِ الصناعيِّ، ولذلكَ فإنَّ هناكَ ضرروةً لوضعِ إستراتيجيَّةٍ للتعاملِ معَ مخاطرِ الذكاءِ الصناعيِّ فِي كافَّةِ المجالاتِ، والتوسعِ فِي إنشاءِ كليَّاتِ الحاسباتِ، بدلًا مِن الكليَّاتِ النظريَّةِ التِي تُخرِّجُ سنويًّا جيوشًا مِن العاطلِينَ، مِن أجلِ تكوينِ أجيالٍ قادرةٍ علَى تلبيةِ احتياجِ السوقِ مِن فرصِ العملِ الجديدةِ، خاصَّةً فِي مجالِ البرمجةِ، والأمنِ السيبرانيِّ، وغيرِهَا مِن الوظائفِ الجديدةِ التِي ستحلُّ محلَّ الوظائفِ القديمةِ.

Related Posts

الرياض تحتضن “المنتدى السعودي للثورة الصناعية الرابعة” بمشاركة عالمية واسعة

AI بالعربي – متابعات تستضيف العاصمة الرياض أعمال المنتدى السعودي الثالث للثورة الصناعية الرابعة 2025، الذي ينظمه مركز الثورة الصناعية الرابعة في السعودية بالشراكة مع المنتدى الاقتصادي العالمي، ومدينة الملك…

دراسة أوروبية تكشف: “Gemini” من جوجل الأكثر تضليلًا بين نماذج الذكاء الاصطناعي

AI بالعربي – متابعات كشفت دراسة حديثة أجراها اتحاد البث الأوروبي (EBU) بالتعاون مع هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) أن 45% من إجابات برامج الذكاء الاصطناعي الكبرى تضمنت معلومات كاذبة أو…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات

الذكاء الاصطناعي في الحياة المعاصرة.. ثورة علمية بين الأمل والمخاطر

  • أكتوبر 12, 2025
  • 185 views
الذكاء الاصطناعي في الحياة المعاصرة.. ثورة علمية بين الأمل والمخاطر

حول نظرية القانون المشتغل بالكود “الرمز” Code-driven law

  • أكتوبر 1, 2025
  • 274 views
حول نظرية القانون المشتغل بالكود “الرمز” Code-driven law

الإعلام.. و”حُثالة الذكاء الاصطناعي”

  • سبتمبر 29, 2025
  • 284 views
الإعلام.. و”حُثالة الذكاء الاصطناعي”

تطبيقات الذكاء الاصطناعي.. وتساؤلات البشر

  • سبتمبر 26, 2025
  • 225 views
تطبيقات الذكاء الاصطناعي.. وتساؤلات البشر

كيف يغيّر الذكاء الاصطناعي «العمليات الأمنية»؟

  • سبتمبر 24, 2025
  • 252 views
كيف يغيّر الذكاء الاصطناعي «العمليات الأمنية»؟

الذكاء الاصطناعي في قاعة التشريفات: ضيف لا مضيف

  • سبتمبر 18, 2025
  • 187 views
الذكاء الاصطناعي في قاعة التشريفات: ضيف لا مضيف