قمة عالمية تناقش كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي
AI بالعربي – متابعات
مع استقبال الروبوتات لآلاف المشاركين من جميع القطاعات حول العالم في جنيف، افتتحت الخميس القمة العالمية للذكاء الاصطناعي من أجل الصالح العام، وذلك لمناقشة الآمال والمخاوف بشأن تطوير الذكاء الاصطناعي.
وقالت الأمم المتحدة، في بيان، نشرته عبر موقعها الإلكتروني إن المنتدى السنوي الذي ينظمه الاتحاد الدولي للاتصالات يعد المكان الذي يلتقي فيه البشر بالذكاء الاصطناعي.
وأكد المنظمون أن القمة العالمية، التي استمرت ليومين في جنيف، تظهر الطرق التي يمكن بها تحسين حياة الناس أو حتى تغييرها تماما من خلال هذه التكنولوجيا.
إلا أن مسؤولة كبيرة وخبراء في الأمم المتحدة يرون أن البشرية في سباق مع الزمن لتعلّم كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي من أجل المصلحة العامة وتجنّب المخاطر الكبيرة التي يحملها.
وفي افتتاح القمة، أكدت دورين بوغدان مارتن، الأمينة العامة للاتحاد الدولي للاتصالات، على الإمكانات الهائلة، “سواء للخير أو للشر” للذكاء الاصطناعي، مشيرة إلى ضرورة حوكمة أنظمة الذكاء الاصطناعي وجعلها شاملة وآمنة.
وأضافت بوغدان مارتن “لقد تركنا المارد يخرج من القمقم.. نحن في سباق مع الزمن”، متابعة “إن التطورات الأخيرة في مجال الذكاء الاصطناعي هي ببساطة استثنائية”.
وقال توماس لامانوسكاس، نائب الأمين العام للاتحاد الدولي للاتصالات التابع للأمم المتحدة الذي نظم الحدث، “أحيانا نظن أن الذكاء الاصطناعي شيء كبير”، لافتا “في الوقت نفسه، يمكن دمج الذكاء الاصطناعي في العديد من الأمور في الحياة اليومية… سواء في مجال التنبؤ بالفيضانات، أو إدارة الكوارث، أو أنظمة الإنذار المبكر، أو الزراعة، أو الصحة. (يمكن استخدامه) في جميع المجالات”.
ومثلت القمة فرصة لعرض التكنولوجيا المتقدمة، حيث تضمنت المعروضات أطرافا صناعية يمكنها التعرف على سلوك المستخدم والتكيف مع نشاط العضلات، وكذلك أجهزة تساعد المكفوفين على تجنب العقبات في الشارع، وقططا وكلابا آلية تعمل كمرافقين، بالإضافة إلى الأجهزة التي تمثل العمود الفقري للنظام البيئي العالمي للذكاء الاصطناعي.
وفي إطار استعراض الاستخدامات واسعة النطاق لهذه التكنولوجيا على هامش القمة، نزل فريقان من الروبوتات على ملعب اصطناعي لكرة القدم من صنع مجموعة من طلاب جامعة إي.تي.إتش في زيورخ. وكان الفريقان يركلان الكرة ويمررانها ويتتبعانها بناء على مدخلات من أجهزة استشعار.
وأفاد يان نيكو زايتش، المشرف العلمي على المشروع، “يتيح المشروع لطلابنا الجامعيين وطلاب الدراسات العليا فرصة تكوين خبرة على منصة آلية كاملة”، مضيفا “إنها منصة لاختبار الخوارزميات التي يمكن استخدامها في العالم الحقيقي لاحقا”.
ويدرك الآلاف من الحاضرين في القمة التي احتضنها مركز من أكبر مراكز المؤتمرات في جنيف، أنّ التقدم في الذكاء الاصطناعي التوليدي بدأ يسرّع الجهود المبذولة لحل بعض المشاكل العالمية الطارئة مثل التغير المناخي والجوع والإعانة الاجتماعية.
وقالت بوغدان مارتن في رسالة بالبريد الإلكتروني تلقتها وكالة فرانس برس قبل انطلاق القمة “أعتقد أننا أمام فرصة لا تتكرر سوى مرة واحدة في كل جيل، لوضع الذكاء الاصطناعي في خدمة كل شخص على هذا الكوكب”.
لكنها أبدت الخميس أسفها لأن خدمة الإنترنت، في عصر الذكاء الاصطناعي والفرص التي لا يمكن تصورها، لا تزال غير متاحة لثلث البشرية “المستبعد عن ثورة الذكاء الاصطناعي من دون أن يتمكن من التعبير عن نفسه”، مشددة على أن هذه الفجوة الرقمية والتكنولوجية “لم تعد مقبولة”.
وأشارت إلى أن 2.6 مليار شخص على مستوى العالم لا يزالون محرومين من الوصول إلى الإنترنت. وحثت على العمل الجماعي لسد هذه الفجوة الرقمية الحرجة، قائلة إن الوصول العادل إلى تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي أمر ضروري لتحقيق التقدم الشامل.
وترى أن ذلك مهم في المرحلة الراهنة تحديدا لأنّ “2024 هو أكبر عام انتخابي في التاريخ”، إذ ستُنظم انتخابات في عشرات البلدان بينها الولايات المتحدة.
وأضافت “مع ظهور حملات التضليل المتقدّمة من نوع التزييف العميق، يُعدّ 2024 أيضا العام الأكثر إثارة للجدل”، محذرة من أن “سوء استخدام الذكاء الاصطناعي لا يهدد النظام الديمقراطي فحسب، بل يعرض الصحة الذهنية للشباب للخطر ويهدد الأمن السيبراني”.
وتتجه أنظار العالم إلى عام 2024 بوصفه عاما انتخابيا بامتياز، حيث من المنتظر أن يتوجه أكثر من نصف سكان العالم إلى صناديق الاقتراع، وهو أكبر عدد من الناخبين في التاريخ. وأمام هذا الزخم الكبير، يبدو العالم قلقا من تحديات خطرة تتعلق بتضليل الناخبين وتأجيج الاستقطاب السياسي عبر إنتاج المحتوى المزيف وتداوله، والذي أصبح أكثر تطورا وأقل كلفة بفعل تطبيقات الذكاء الاصطناعي القادرة على استنساخ صوت مرشح، أو إنتاج فيديوهات وروايات كاذبة.
وفي خطاب ألقته في حدث آخر تمحور على إدارة الذكاء الاصطناعي، مؤخرا، أشارت الأمينة العامة للاتحاد الدولي للاتصالات، إلى أن “قوة الذكاء الاصطناعي تتركز في أيادي عدد قليل جدا من الجهات”.
وقالت إن “التموضع في هذا النوع من المواقف خطر وغير أخلاقي إلى حدّ ما بالنسبة إلى البشرية”.
وأبدى خبراء آخرون كانوا حاضرين في القمة موافقتهم على حديث بوغدان مارتن، حيث قال تريستان هاريس، وهو عالم متخصص بأخلاقيات التكنولوجيا وشارك في تأسيس مركز “سنتر فور هيومن تكنولودجي”، “علينا أن نفهم إلى أين نتّجه”.
وأشار إلى الدروس المستقاة من وسائل التواصل الاجتماعي التي تم تقديمها في البداية كوسيلة لربط الناس ومساحة تعبير لكل فرد، ولكنّها تسببت في الوقت نفسه بإدمان، وساهمت في انتشار المعلومات المضللة، والمضايقة عبر الإنترنت، وعززت من المشاكل الذهنية لدى المراهقين.
ومع أن الذكاء الاصطناعي قد يفيد البشرية بطرق كثيرة، حذّر هاريس من أن الحوافز التي تدفع الشركات لنشر التكنولوجيا قد تزيد آثارها السلبية بشكل كبير، قائلا إن “الدافع الأساسي وراء أداء شركتي “أوبن إيه آي” وغوغل هو التسابق للهيمنة على السوق”، مضيفا “في عالم مماثل من أملهم جدا أن تواكب الحوكمة سرعة تقدم التكنولوجيا”.
وأقرّ مدير “أوبن إيه آي” مُبتكرة برنامج “تشات جي بي تي” الشهير، سام ألتمان، بأنّ هذا التقدم التكنولوجي قد يحمل مخاطر.
وفي حديث عبر اتصال بالفيديو، قال للحاضرين إن “الأمن السيبراني” يمثل حاليا أكبر مسألة مقلقة في ما يتعلق بالآثار السلبية التي قد تنجم عن الذكاء الاصطناعي.
وتابع ألتمان أنه سيكون من الضروري ربما على المدى البعيد “تغيير العقد الاجتماعي نظرا إلى القوة المتوقّعة لهذه التكنولوجيا”، مشددا في الوقت نفسه على أن أنظمة الذكاء الاصطناعي تُعدّ من منظور التطور التاريخي للتكنولوجيات الجديدة، “آمنة وقوية عموما”.
وفي حين رحّب بالمناقشات التي تتمحور على القوانين التنظيمية الرامية إلى الحدّ من الآثار السلبية قصيرة الأمد للذكاء الاصطناعي، حذّر من “صعوبة” وضع قوانين تهدف إلى الحدّ من تقدّمه.
وسلّط مؤسس شركة “إكسبونانشل فيو”، عظيم أزهر، الضوء على الحاجة إلى استجابة مؤسسية أقوى بكثير “لضمان أن الذكاء الاصطناعي يمنح الناس قدرات خارقة بدل النظر إليه على أنه أداة لتحلّ محلهم”.
وأوضح روبرت أوب، كبير المسؤولين الرقميين في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، لأخبار الأمم المتحدة “عندما نقدم الدعم الانتخابي للبلدان خلال انتخاباتها، تكون لدينا منصة قائمة على الذكاء الاصطناعي تعمل كمنصة للكشف عن المعلومات المضللة وتحدد المحتوى المشبوه من أجل التحقق منه”.
ورحبت بوغدان مارتن بمسارعة الحكومات والجهات الفاعلة الأخرى “أخيرا لوضع تدابير حماية” وقوانين مرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي.
ودعت إلى مستقبل يخدم فيه الذكاء الاصطناعي أفضل مصالح البشرية، قائلة “دعونا نتذكر أن المستقبل لا يبدأ بالخوارزميات، بل بنا.. هنا، في أدمغتنا، جهاز الكمبيوتر الأكثر تعقيدًا وقوة وإبداعًا الذي عرفه العالم على الإطلاق”.
وكان الاتحاد الأوروبي أعلن، الأربعاء الماضي، عن إنشاء مكتب للذكاء الاصطناعي يُعنى بتنظيم هذه التكنولوجيا بموجب قانون جديد.
وأكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في كلمته التي قدمها في القمة العالمية للذكاء الاصطناعي من أجل الصالح العام من خلال رسالة فيديو، على الإمكانات التحويلية للذكاء الاصطناعي في تعزيز التنمية المستدامة في جميع أنحاء العالم.
وسلط غوتيريش الضوء على الطبيعة المزدوجة للذكاء الاصطناعي، مشددا على ضرورة إدارته بشكل شامل ومسؤول، معلنا أن “الذكاء الاصطناعي يغير عالمنا وحياتنا.. ويمكنه أن يحفز التنمية المستدامة”.
وتحدث بالتفصيل عن تطبيقات الذكاء الاصطناعي متعددة الأوجه، مشيرا إلى قدرته على إحداث ثورة في قطاعات مثل التعليم والرعاية الصحية والزراعة والإسكان وإدارة الكوارث.
واعتبر الأمين العام للأمم المتحدة أن “الذكاء الاصطناعي يمكن أن يغير قواعد اللعبة بالنسبة إلى أهداف التنمية المستدامة”، ومع ذلك، فقد حذر من أن تحقيق الإمكانات الكاملة للذكاء الاصطناعي يتطلب معالجة مخاطره، بما في ذلك التحيز من المعلومات المضللة والتهديدات الأمنية.
وقال “إننا في حاجة إلى تنسيق عالمي لبناء ذكاء اصطناعي آمن وشامل ومتاح للجميع”، مشيدا بالاتحاد الدولي للاتصالات لعمله المبكر بشأن معايير الذكاء الاصطناعي ولعقد للقمة”.