الهوية الرقمية العربية في زمن الذكاء الاصطناعي

AI بالعربي – متابعات

منذ انطلاقة الثورة الرقمية، ظلّت الحوكمة الرقمية تمثّل الدرع الواقي أمام الانفلات التقني، ومع صعود الذكاء الاصطناعي كقوة عابرة للحدود، تزداد الحاجة في المنطقة العربية إلى وضع أطر إقليمية تراعي خصوصياتها الثقافية والاجتماعية.

في هذا الإطار، تحدّثت الدكتورة فيولا مخزوم، أستاذة جامعية وباحثة في تكنولوجيا التربية والتعليم، مديرة المركز الديمقراطي العربي في لبنان، ورئيسة تحرير مجلة مؤشر للدراسات الاستطلاعية، مؤكدة أن العالم العربي أمام فرصة تاريخية لبناء هوية رقمية أصيلة في زمن الذكاء الاصطناعي.

حوكمة إقليمية تراعي الخصوصية العربية

ترى الدكتورة مخزوم أن استيراد النماذج الغربية أو الآسيوية لن يحقق التوازن المطلوب، مشددة على أن الأطر الإقليمية يجب أن تحقق هدفين رئيسيين: حماية الهوية الثقافية والقيم المجتمعية من الذوبان، وتوحيد المعايير والسياسات على مستوى العالم العربي لتعزيز القدرة التنافسية وتقليص الفجوة الرقمية. كما تؤكد أن الحوكمة المشتركة تمنح المنطقة وزناً تفاوضياً أكبر أمام شركات التكنولوجيا العالمية، وهو ما يعزز مفهوم السيادة الرقمية الجماعية.

الاستفادة من التجارب الدولية دون نسخ أعمى

تشير مخزوم إلى أن التجارب الدولية يمكن أن تكون مصدر إلهام، لكن من الضروري تكييفها مع الواقع العربي. فالنموذج الأوروبي قائم على التشريعات الصارمة، بينما تركّز الولايات المتحدة على الابتكار، في حين جعلت الصين الذكاء الاصطناعي جزءاً من استراتيجياتها التنموية. المطلوب عربياً – بحسب مخزوم – هو مقاربة متوازنة تضع قوانين مرنة تشجع ريادة الأعمال، مع خطوط حمراء تمنع الاستخدامات الضارة.

الهوية الثقافية واللغوية في قلب الذكاء الاصطناعي

تؤكد الدكتورة مخزوم أن حماية الهوية الثقافية واللغوية يجب أن تكون في صميم مسار الذكاء الاصطناعي عربياً. ويتحقق ذلك عبر إثراء المحتوى الرقمي العربي، وضمان وفرة البيانات التي تعكس الواقع المحلي، وإشراك خبراء الاجتماع والفلسفة إلى جانب المبرمجين، إضافة إلى دعم الشركات الناشئة والمراكز البحثية. وتشدد كذلك على ضرورة إصدار تشريعات واضحة تُلزم الشركات العالمية باحترام الخصوصية الثقافية واللغوية.

التحديات أمام المنطقة العربية

من أبرز العقبات التي تواجه الدول العربية – بحسب مخزوم – الفجوة التشريعية، ضعف البنية التحتية الرقمية، نقص الكفاءات البشرية، وغياب التنسيق الإقليمي. وترى أن تجاوز هذه التحديات يتطلب تشريعات مرنة، واستثمارات ضخمة في البنية التحتية، وبناء قدرات بشرية متخصصة، إلى جانب تعزيز منصات التعاون العربي وضمان أعلى درجات الشفافية والأمن السيبراني.

الذكاء الاصطناعي كرافعة للتنمية المستدامة

تخلص الدكتورة فيولا مخزوم إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يشكّل رافعة حقيقية للتنمية المستدامة إذا ما وُضع ضمن إطار حوكمة إقليمية متينة تعكس الخصوصيات العربية. فالمعادلة تقوم على التوازن بين تشجيع الابتكار وضمان الاستخدام الأخلاقي، بما يحول التحديات إلى فرص، ويمكّن المنطقة من أن تكون فاعلاً رئيسياً في صياغة مستقبلها الرقمي.