خطر الاحتلال الصناعي يخيم على ثورة الذكاء الاصطناعي
مادوميتا مورجيا
هناك تحول هائل يحدث الآن في الذكاء الاصطناعي – لكنه ليس التحول الذي قد يظنه البعض. في الوقت الذي هيمنت فيه أنظمة توليد اللغة المتقدمة وروبوتات المحادثة على عناوين الأخبار، رسخت شركات الذكاء الاصطناعي الخاصة قوتها بصمت. إن التطورات الأخيرة تعني أن حفنة من الأفراد والشركات يسيطرون الآن على كثير من الموارد والمعرفة في القطاع – وأن ذلك سيشكل في النهاية تأثيره في مستقبلنا الجماعي.
هذه الظاهرة، التي يشير إليها خبراء الذكاء الاصطناعي باسم “الاحتلال الصناعي”، تم تحديدها في ورقة بحثية نشرها باحثون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في مجلة “ساينس” في وقت سابق من هذا الشهر يدعون فيها صانعي السياسات إلى إيلاء اهتمام أكبر. بيانات البحث أصبحت مهمة بشكل متزايد. الذكاء الاصطناعي التوليدي – وهو التكنولوجيا التي يقوم عليها برنامج تشات جي بي تي وغيره – يتم تضمينه في البرامج التي يستخدمها مليارات الأشخاص، مثل “مايكروسوفت أوفيس” و”جوجل دوكس” و”جي ميل”. وعبر تقديمها، تغيرت أساليب الممارسة الخاصة بالشركات من مكاتب المحاماة إلى وسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية.
وجد بحث أجراه معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أن ما يقارب 70 في المائة من حاملي درجة الدكتوراه في الذكاء الاصطناعي ذهبوا إلى العمل في الشركات في 2020، مقارنة بـ21 في المائة في 2004. كما كانت هناك زيادة تقدر بثمانية أضعاف في تعيين أعضاء هيئة التدريس في شركات الذكاء الاصطناعي منذ 2006، وهي زيادة أسرع بكثير من إجمالي زيادة أعضاء هيئة التدريس في بحوث علوم الحاسوب. قال نور أحمد، مؤلف البحث الذي تم نشره في مجلة “ساينس”، “لقد تخلى كثير من الباحثين الذين تحدثنا إليهم عن مسارات بحثية معينة لأنهم شعروا بعدم قدرتهم على التنافس مع الصناعة – فهم ببساطة لا يمتلكون الموهبة الحاسوبية أو الهندسية”.
قال، على وجه الخصوص، إن الأكاديميين لم يتمكنوا من بناء نماذج لغوية كبيرة مثل جي بي تي-4، وهو نوع من برامج الذكاء الاصطناعي يولد نصا منطقيا ومفصلا من خلال التنبؤ بالكلمة التالية في الجملة بدقة عالية. تتطلب هذه التكنولوجيا كميات هائلة من البيانات وقوة حوسبة لا يمكن أن تصل إليها إلا شركات التكنولوجيا الكبيرة مثل جوجل ومايكروسوفت وأمازون. وقد وجد أحمد أن حصة الشركات في أكبر نماذج الذكاء الاصطناعي قد ارتفعت من 11 في المائة في 2010 إلى 96 في المائة في 2021.
إن عدم القدرة على الوصول يعني أن الباحثين لا يمكنهم استنساخ النماذج المبنية في مختبرات الشركات، وبالتالي لا يمكنهم فحصها أو مراجعتها بحثا عن الأضرار والتحيزات المحتملة بسهولة بالغة.
كما أظهرت بيانات البحث تباينا كبيرا بين الاستثمار العام والخاص في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. خصصت الوكالات الحكومية الأمريكية غير الدفاعية في 2021 مبلغ 1.5 مليار دولار للذكاء الاصطناعي. بينما خططت المفوضية الأوروبية لإنفاق مليار يورو. في الوقت نفسه، استثمر القطاع الخاص ما يزيد على 340 مليار دولار في الذكاء الاصطناعي في 2021.
قالت أليكس حنا، مديرة الأبحاث في معهد ديستريبيوتيد أيه أي ريسيرتش وعضوة سابقة في فريق الذكاء الاصطناعي الأخلاقي في جوجل، “هناك تركيز للثروة والاستثمار في مجموعة ضيقة جدا من التكنولوجيات”.
كما أشارت إلى بيانات الاستثمار من شركة بيتش بوك التي تظهر أن أغلبية الأموال المخصصة للذكاء الاصطناعي التوليدي في الأعوام الستة الماضية ذهبت إلى شركات ناشئة مثل أنثروبيك وإنفليكشن وكاراكتر دوت أيه أي وأديبت أيه آي، وجهود أكبر مثل شركة أوبين أيه أي التي تبني نماذجها الخاصة الكبيرة. في 2019، تحولت “أوبين أيه آي” من مؤسسة غير ربحية إلى مؤسسة ربحية باستثمار قدره مليار دولار من مايكروسوفت، مشيرة إلى الحاجة إلى “زيادة استثماراتنا بسرعة في الحوسبة والمواهب”.
إن عواقب هذا التحول له جوانب متعددة. هذا يعني أن البدائل العامة لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي للشركات، مثل النماذج ومجموعات البيانات، أصبحت نادرة بشكل متزايد. من المرجح أن تدفع الغايات التجارية بالتطبيقات الجديدة وليس المصلحة العامة عموما، كما أشار بعض من الباحثين. تتفق حنا مع ذلك، التي تمول أعمالها مؤسسات غير ربحية. تقول، “إذا كنت ترغب في العمل على مهمات متخصصة في الذكاء الاصطناعي مثل ضمان التنوع البيولوجي، أو علم المناخ أو الزراعة، فلا توجد رغبة كثيرة في ذلك”.
فيما قارنت ميريديث ويتاكر، رئيسة تطبيق سيجنال المشفر، هذا الوضع بهيمنة الجيش الأمريكي على البحث العلمي أثناء الحرب الباردة في ورقة بحثية مؤثرة في 2021. “هنا، في هذه القصص الحالكة، نواجه التكلفة الباهظة للاستيلاء – سواء كان عسكريا أو صناعيا. وأن انعكاساته الخطيرة على الحرية الأكاديمية قادرة على محاسبة السلطة”.
يتفق الباحثون وخبراء السياسة على التحليل، لكن ليس على الحلول – حيث يعتقد بعض مثل أحمد أنه يجب على الحكومات إنشاء مراكز بيانات أكاديمية فقط للسماح للباحثين بإجراء التجارب، لكن آخرين مثل ويتاكر يعتقدون أن ذلك من شأنه زيادة تركيز القوة بين من يمتلكون البنية التحتية، مثل الخدمات السحابية. لكنهم جميعا متفقون على الشيء الوحيد الذي لا يستطيع صانعو السياسة فعله ببساطة، غض الطرف.
المصدر: الاقتصادية