الذكاء الاصطناعي.. نموذج طاقة الرياح للقضاء على الانبعاثات الكربون

47

روب بودني

كشفت الأزمة الروسية الأوكرانية عن أشد التحديات التي يفرضها الاعتماد على الوقود الأحفوري على المستوى العالمي.

لقد أثر تقلب أسعار الطاقة والوقود القياسية المرتفعة على الاقتصادات العالمية والمستهلكين، بينما تزايدت معدلات انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية إلى مستوى قياسي، مما عرَّض أهداف اتفاقية باريس للخطر. إذ يقوم عدد متزايد من البلدان والمناطق والمنظمات الفردية بجعل الحياد الكربوني أولوية قصوى من خلال اتخاذ إجراءات حاسمة وعاجلة لتسريع نشر مصادر الطاقة المتجددة لتخفيف الآلام الاقتصادية وخفض التكاليف.

ففي إطار التحول نحو القضاء التام على الانبعاثات، تبدو طاقة الرياح هي اللاعب المهيمن في عملية صنع القرار المتجدد حاليًا. ففي الولايات المتحدة، تفوقت الرياح على الفحم في عام 2019 من حيث كمية الطاقة، والتي تعد حاليًا أكبر مصدر للطاقة المتجددة. فقد كان قطاع طاقة الرياح البحرية العالمية عامًا بارزًا لعمليات النشر في عام 2021، حيث تم تكليف 17398 ميجاوات للمشاريع الجديدة، مما دفع القدرة العالمية المركبة في الخارج إلى تجاوز 50 جيجاوات. ووفقًا لتقرير مؤسسة “جلوبال ويند” Global Wind ، فقد كان عام 2022 عامًا قويًا آخر لمنشآت طاقة الرياح، حيث تم تركيب 94 جيجاوات حول العالم. وللبقاء على المسار الصحيح نحو “صفر انبعاثات”، سوف تحتاج المنشآت إلى إضافة 180 جيجاوات سنويًا بشكل فعال على الفور للحفاظ على تغير المناخ عند أقل من 2 درجة مئوية، و289 جيجاوات في بداية عام 2030 للوفاء بالتزامات 2050. كما يتعين تقليل ضغوط الربح مع تلبية معايير أعلى من الموثوقية والأداء.

ومع تزايد التركيبات، تزداد التحديات التشغيلية والتجارية مثل السلامة ورفاهية العمال، واستمرارية التشغيل، والحفاظ على كفاءة التكلفة. ويعتبر تشغيل وصيانة مزارع الرياح أمرًا معقدًا ومتفاقمًا بسبب الظروف البيئية المتغيرة، وخاصة في المناطق البحرية. ورغم أن أنشطة التشغيل والصيانة أكثر كفاءة، فإنها تغطي ما يزيد على 30% من التكاليف الإجمالية بسبب مشكلات عدم إمكانية الوصول، والتآكل من مياه البحر والظروف الجوية القاسية.

ومن الواضح أن توربينات الرياح الباهظة الثمن والمعقدة قد أصبحت تمثل النموذج الأصلي لإنترنت الأشياء الصناعي في العمل. إذ تلعب المستشعرات والشاشات والمشغلات أدوارًا كبيرة في الحفاظ على تشغيل التوربينات من خلال توليد أحجام من بيانات التشغيل الحالية والتاريخية مثل: سرعة الدوار، وزاوية الانحراف، ودرجات حرارة المكونات، وتيارات المحرك، وبيانات الاهتزاز. أمَّا أنواع البيانات الأخرى التي تم التقاطها، فهي إجمالي الإنتاج، ومنحنيات الطاقة، ومقاييس التوافر، والإنذارات والتحذيرات، وبيانات الأعطال، والظروف الجوية الخارجية. كما يمكن أن تؤدي البيانات غير المُتَضَمَّنة أو الخارجة عن النطاق أو التالفة إلى تحديات ومخاطر لا تعد ولا تحصى. وتعد عملية التحول الرقمي بمثابة مغير لقواعد اللعبة لتوليد طاقة الرياح، لكن يجب تحليل الكمية الهائلة من البيانات التي يتم إنشاؤها لضمان أداء التوربينات بأقصى كفاءة وبدون مشكلة. فقد بدأت التوربينات الذكية في الوصول إلى السوق بمئات من أجهزة الاستشعار المدمجة التي يمكنها نقل مئات الـ(جيجابايت) من البيانات بشكل مستمر يوميًا. وحتى مع وجود بنك من المحللين، فإن الحجم الهائل للبيانات والتفسيرات المتباينة يمكن أن يدفع الفريق كله إلى تحليل الوضع، حيث يتم تجميدها في حالة من التردد.

دراسة جدوى الذكاء الاصطناعي لطاقة الرياح

تمتلك الرياح القدرة على أن تكون الحارس على تحول الطاقة، لكن الاقتصادات المعقدة يمكن أن تهدد موقعها. فقد أسهم السوق التنافسي مشغلي المزارع في دعم الضغط على الموردين لخفض التكاليف. إذ تؤدي زيادة أسعار الصلب، واضطرابات سلسلة التوريد، وارتفاع أسعار الفائدة وعوامل اقتصادية أخرى، إلى زيادة مرونة التكلفة. إن الأسعار آخذة في الارتفاع، والهوامش ضعيفة على جانبي مزرعة الرياح. إذ يجب زيادة سعر الكهرباء من مزارع الرياح لتسهيل الاستثمارات الجارية المطلوبة لتحقيق الأهداف المناخية. وبدون ضغوط بيئية، ربَّما يستجيب مشغلو مزارع الرياح لمثل هذه التحديات عن طريق خفض النفقات أو كبح عمليات النشر. إذ لا تعد هذه الاستراتيجيات مجدية لتوليد فوائد اقتصادية طويلة الأجل أو تحقيق أهداف صافي الصفر. كذلك تتطلب طاقة الرياح تقنيات إضافية للحفاظ على موقعها على قاعدة الطاقة البديلة. ويمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي استخراج وإدارة وتفسير تدفقات كبيرة من البيانات الأولية التي يتم تحويلها إلى رؤى تنبؤية وتعليمية لمعالجة مجموعة من التحديات التي تعاني منها صناعة طاقة الرياح في الوقت الفعلي. ويمكن لتطوير القدرة التنبؤية الخاصة بالذكاء الاصطناعي تحسين التخطيط والتنبؤ بأداء الأصول لمنع الفشل، ووقت التعطل، وتحديد الأصول ضعيفة الأداء، وضمان المتابعة الفعالة. ويتم تحسين الربحية من خلال زيادة إنتاج الطاقة، وخفض تكاليف الصيانة، وزيادة السلامة، وزيادة الكفاءة التشغيلية. كما يمكن لمنصة إدارة الأصول المدعومة بالذكاء الاصطناعي والمصممة للطاقة المتجددة أن تدمج البيانات من جميع أنواع الأصول كأنظمة الطقس وتسعير السوق، لمراقبة أداء الأصول في الوقت الفعلي ومقاييس الإنتاج؛ وهو ما يساعد على إنشاء تحليلات المساعدة الذاتية، وتصور مقاييس الأداء الرئيسية ونماذج الذكاء الاصطناعي بحيث يمكن اتخاذ الإجراءات المناسبة لتحسين إنتاج الطاقة. ويمكن تخصيص التصورات باستخدام بيانات الأصول والمقاييس المحسوبة، وتخصيص التقارير الدورية وأتمتتها لتلبية متطلبات أصحاب المصلحة الأساسية.

ويمكن تطوير التقارير على الفور باستخدام أي نماذج للبيانات بما في ذلك الإنتاج والإيرادات والتوافر، وبيانات الأعطال وتكاليف الصيانة والوقت، واستخدام الأجزاء، واكتشاف العيوب والتحليلات التنبؤية. أيضًا يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي المتقدم لمنع الأعطال وتقليل تكاليف الصيانة، واكتشاف الأصول ذات الأداء الضعيف أو المعطل تلقائيًا وإرسال تنبيهات لضمان الصيانة الفعالة في الوقت المناسب لإطالة عمر الأصول. إذ يقضي المحللون والفنيون وقتًا أقل في معالجة البيانات وإدارتها، والمزيد من الوقت في تنفيذ الحلول التي تزيد من وقت تشغيل المعدات وإنتاجيتها. لذا، يمكن لتقنية الذكاء الاصطناعي أن توفر رؤية بشأن احتياجات قطع الغيار المستقبلية، والتخطيط المتقدم لوسائل شرح الرافعة للمساعدة في تجنب التكاليف غير الضرورية، والاستخدام غير الفعال لوقت الموظفين، مما يقلل مخزون قطع الغيار، لأن أوقات الاستجابة للإصلاح تعني المزيد من التوليد والإيرادات. إذ تخلق الإجراءات المتكررة باستمرار التي يسهلها الذكاء الاصطناعي تأثيرًا مركبًا لتحقيق العوائد الكبيرة التي تحتاجها صناعة طاقة الرياح.

لقد تم تصميم معدات التراكيب لتستمر لمدة 20 عامًا على الأقل، ومع ذلك فإن نسبة صغيرة فقط تبقى على قيد الحياة لفترة طويلة في هذا المجال. إذ تفشل التراكيب قبل الأوان لمجموعة متنوعة من الأسباب بما في ذلك تدهور مادة التشحيم، أو المناولة غير الصحيحة، أو التركيب، أو التلوث. فالمهلة والتكلفة المتكبدة لاستبدال المحامل عالية جدًا، وغالبًا ما تتضمن نشر رافعة. كما أنه عادةً ما يتم فحص محامل الانحدار يدويًا كل ستة إلى 12 شهرًا أثناء الصيانة الدورية، مما يجعل الاكتشاف المبكر للمشكلات أمرًا صعبًا ومكلفًا. إذ يبدأ التشخيص بتحليل عينات من شحم المحامل، مما يوفر القليل من التبصر بناءً على كمية وحجم جزيئات التآكل في الشحوم. بالتالي، يتعين فصل التوربين في وضع عدم الاتصال لفحصه حتى يتمكن الفنيون من دخول المحور لسحب العينات. فأفضل حالة هي توقع الفشل مقدمًا، لأن الذكاء الاصطناعي يستخدم البيانات من المستشعرات الموجودة على التوربين لاكتشاف مشكلات تحمل العمل عن بُعد.

إن الخوارزميات الصحية التي تعمل على منصة الذكاء الاصطناعي والتي تعمل على نظام الحوسبة السحابية بالذكاء الاصطناعي على مدار 24 ساعة في اليوم، لا تتطلب أي مدخلات من المحللين. إذ تُستخدم الخوارزميات في الإشارات الحالية للتوربينات، لذلك لا يلزم وجود أجهزة إضافية. بل يتم إرسال البيانات باستمرار إلى النظام الأساسي، مما يعني أن النظام لا يقطع اتصاله بالإنترنت ولا يتعين على أي شخص تسلق التوربين فعليًا. فعندما يتنبأ النموذج بإمكانية فشل مثل هذه الحركات، تقوم تقنية الذكاء الاصطناعي تلقائيًا بإخطار الفنيين بمعالجة المشكلة. ويتم توقع الفشل بدقة تزيد على 90% تصل إلى ستة أشهر مقدمًا. ويُمنَح أصحاب المشروع مهلة مرضية لطلبهم واستبدالهم. إن ذلك يقلل من وقت تعطل التوربينات ويمنع وسائل الشرح المتعددة للرافعة التي يمكن أن توفر للمشغلين أكثر من 150 ألف دولار لكل زيارة للموقع عند إصلاح حوامل التركيات المتعددة. إذ ترتبط مصفوفة تحويل التوربينات الناقصة بشكل مباشر بإنتاج الطاقة المفقودة، كما يتعرض التوربين لأحمال متزايدة. فعادةً ما يتم تحديد اختلال محاذاة الانعراج باستخدام قياس كشف الضوء والمدى أو الطرق الفيزيائية المطبقة على البيانات التوربينية. وبينما يمكن أن تكون كلتا الطريقتين فعالتين، فإن لهما عيوبًا كبيرة مقارنةً بالذكاء الاصطناعي. كما تعتبر أنظمة “ليدار” LiDAR مكلفة وتتطلب الأساليب القائمة على بيانات فيزيائية على مدى فترة ممتدة (عادةً سنة واحدة) عند وجود تغير في الانحراف. ويمكن أن يكون الحل القائم على التعلم الآلي بمثابة امتداد للطريقة القائمة على الفيزياء باستخدام شهرين فقط من البيانات التاريخية لتدريب نموذج التعلم الآلي على اكتشاف الانحراف بمقدار 5 درجات أو أكثر بدقة 96%. ويتم إخطار المحلل تلقائيًا بحجم واتجاه الانحراف (موجب أو سلبي) بحيث يمكن تصحيح المشكلة بسرعة، وإعادة التوربين إلى حالة التشغيل المثلى. إذ تعمل منصة الحوسبة السحابية للذكاء الاصطناعي على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع دون الحاجة إلى مدخلات من المحللين. ولا توجد مخاطر تتعلق بالسلامة أو تكاليف إضافية يتم تكبدها من تسلق الأبراج حتى يمكن الاحتفاظ بالتوربينات وهي تعمل بأعلى أداء. وفي حالة واحدة محددة، يمكن أن يقوم المشغل بتحديث إزاحة انحراف التوربين عن بعدٍ بما يؤدي إلى ما يصل إلى 2% من الإنتاج السنوي الإضافي للطاقة، أي زيادة في الإيرادات السنوية للمشروع قدرها 45000 دولار.

خاتمة

إن طاقة الرياح هي مصدر ناضج للطاقة وذلك من الناحية التكنولوجية، ولها فوائد بيئية واقتصادية لا يمكن إغفالها. فلديها كل المعايير اللازمة للحفاظ على دورها الرائد في التحول العالمي للطاقة. ويتم تحقيق تأثيرات كبيرة من أحجام التوربينات الأكبر في البر والبحر. إذ تؤدي الزيادات في قُطر المحرك وارتفاع محوره إلى تحسينات هائلة في الكهرباء المولدة بواسطة الرياح وتحريك الإبرة الخاصة به في أسعار الطاقة الإجمالية على نطاق واسع. ووفقًا لمسح أجراه مختبر “لورانس بيركلي” الوطني لخبراء طاقة الرياح البارزين في العالم، سوف تكون التطورات التكنولوجية عاملاً حاسمًا في المساعدة في خفض تكلفة الطاقة من 17% إلى 35% بحلول عام ،2035 ومن 37% إلى 49% بحلول عام 2050. إن الذكاء الاصطناعي هو العنصر الأساسي وأهم التقنيات التي يمكن لمشغل الرياح نشرها. بالتالي، فإنها على استعداد لتقديم أداء كامل الميزات على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، مما يوفر كل ما يحتاجه المشغلون لضمان استمرار العمليات المربحة.

وبينما يتسابق العالم للتخلص من قرنٍ (مئة عام) من إنتاج الطاقة التي تعمل بالوقود الأحفوري، فإن الشركات التي تتبنى تقنيات الذكاء الاصطناعي اليوم سوف تكون مستعدة بشكل كافٍ لتحسين كفاءتها التشغيلية في الوقت نفسه وزيادة الربحية مع لعب دور مركزي في تطور عالم مستدام جديد. وبالتالي ستكون الموجة ملموسة في جميع أنحاء الاقتصاد العالمي.

المصدر مركز سمت للدراسات
اترك رد

Your email address will not be published.