الذكاء الاصطناعي في الصناعات.. وعد كبير يشوبه بعض المحاذير
AI بالعربي – متابعات
بحسب أنواع زبدة الفول السوداني، ينتقل الذكاء الاصطناعي بسرعة من السلاسة إلى القرمشة.
كانت أغلبية الاستخدامات البارزة للتكنولوجيا إلى يومنا هذا في مجالات ممارسة ألعاب الفيديو والتعرف على الصور وتوليد اللغة، وهو ما يمكننا جميعا إدراكه. برمجية ألفا جو، التي طورتها “جوجل ديب مايند”، تتفوق على أقوى اللاعبين في لعبة جو القديمة. شبكات الخصومة التوليدية تنشئ مقاطع فيديو باستخدام تكنولوجيا التزييف العميق تستبدل وجه بيرت رينولدز بوجه شون كونري في أحد أفلام جيمس بوند. يمكن لنموذج جي بي تي-3 الذي طورته شركة أوبن أيه آي كتابة قصيدة أصيلة مألوفة جدا بأسلوب إميلي ديكنسون.
لكن استخدام الذكاء الاصطناعي أصبح منتشرا في كثير من المجالات المحددة، وغير المرئية والمنتجة عبر الصناعة وفي العلوم الطبيعية. ربما يكون التعريف الأكثر دقة للذكاء الاصطناعي في معظم الحالات هو أنه التعلم الآلي، إلا أنه أصبح أداة تكنولوجية قوية تستخدم في تحسين محركات البحث، وتسريع اكتشاف الأدوية، وابتكار مواد جديدة، وتحسين توقعات الطقس وتعميق فهمنا للرياضيات، وعلم الأحياء، والكيمياء والفيزياء. انتشار الذكاء الاصطناعي في كل زوايا الاقتصاد والمجتمع تقريبا سيؤثر فينا جميعا بشكل جوهري.
يشير تقرير جديد صادر عن جامعة ستانفورد إلى أن دخول الذكاء الاصطناعي، الذي كان يعد فيما مضى تكنولوجيا خيالية، في الصناعات أصبح متاحا بشكل أكبر، وأداؤه أفضل واستخدامه شائع. في 2021، زاد الاستثمار الخاص العالمي في الذكاء الاصطناعي أكثر من الضعف ليصل إلى 93.5 مليار دولار مقارنة بالعام السابق، وفقا لأحدث مؤشر للذكاء الاصطناعي من جامعة ستانفورد. منذ 2015، زاد عدد براءات الاختراع التي تستخدم الذكاء الاصطناعي 30 ضعفا. على الرغم من ارتفاع أسعار السلع، والأغذية والطاقة، إلا أن متوسط سعر الذراع الآلية انخفض 46.2 في المائة على مدى الخمسة أعوام الماضية.
من أكثر الاستخدامات الواعدة للذكاء الاصطناعي هو تسريع البحث في مجالات أخرى، الأمر الذي يدفع بعجلة الابتكار. طبقت شركة جوجل أوبن مايند، التي تستخدم الشبكات العصبية لتطوير برمجية ألفا جو، تكنولوجيات تعلم آلي مشابهة للنمذجة الرياضية، وطي البروتين، وعلم المواد والفيزياء النووية. أحدث تطبيق لها كان المساعدة على التحكم في البلازما شديدة الحرارة داخل مفاعلات الاندماج، التي قد توفر يوما ما مصدرا للطاقة الخضراء الرخيصة.
يقول بوشميت كوهلي، رئيس قسم الأبحاث في “ديب مايند”، “يعد التعلم الآلي بالتأكيد مسرعا كبيرا للبحث ويمكننا من فعل أشياء لم يكن بمقدورنا فعلها من قبل”. مثلا، تستشهد “ديب مايند” بقاعدة البيانات ألفا فولد الخاصة ببنية البروتين التي تم الوصول إليها من قبل أكثر من 350 ألف مستخدم في أكثر من 190 دولة.
يطبق باحثون آخرون الذكاء الاصطناعي على الحوسبة الكمية، التي قد تؤدي يوما ما إلى قفزة أخرى في القدرات التكنولوجية. تستخدم “كوانترول أوكس”، وهي شركة أنجلو فنلندية ناشئة للذكاء الاصطناعي، تستخدم التعلم الآلي “لضبط” وحدات البت الكمية أو “كيوبتس”، لجعل أجهزة الحاسوب الكمية في مراحلها المبكرة أكثر استقرارا. يتوقع أندرو بريجز، الأستاذ الفخري للمواد النانوية في جامعة أكسفورد والمؤسس المشارك لشركة كوانترول أوه إكس، أن استخدام أنظمة التعلم الآلي في مختبرات الأبحاث في المستقبل سيكون موجودا في كل مكان مثل انتشار أجهزة الحاسوب اليوم. يقول، “لا يمكنني التفكير في أي من مجالات العلوم الطبيعية التي لا يمكن فيها تطبيق التعلم الآلي”.
مع ذلك، فإن أحد الجوانب المزعجة لهذا التحول في الذكاء الاصطناعي هو عدم التوازن المتزايد في المعرفة والقوة بين القطاعين العام والخاص. في بعض المجالات، تتم تغذية أبحاث القطاع الخاص في المجتمع العلمي، كما هي الحال مع قاعدة بيانات ألفا فولد. لكن الشركات الخاصة، وليس الجامعات، هي التي أصبحت على نحو متزايد تضم مراكز لأبحاث الذكاء الاصطناعي الرائدة وتحصد جميع المكاسب تقريبا.
في الأعوام الأخيرة، كانت شركات التكنولوجيا تستقطب خبراء جامعيين في الذكاء الاصطناعي، إن لم يكن الأقسام الجامعية كلها. وجدت دراسة أجرتها جامعة ستانفورد أن القطاع الخاص في أمريكا الشمالية وظف العام الماضي 60 في المائة من طلاب الدكتوراه الجدد في الذكاء الاصطناعي في حين لزم 24 في المائة منهم الأوساط الأكاديمية. قبل عقد من الزمان، كانت نسبة الحصص بين القطاعين متساوية تقريبا. يقول جاك كلارك، المؤلف المشارك لتقرير “ستانفورد”، “تهيمن الصناعة على نسبة أعلى بكثير من أبحاث الذكاء الاصطناعي الريادية”. يشير إلى أنه من الطبيعي أن تعطي تلك الشركات الأولوية للعائد المالي المحدود على حساب المنفعة المجتمعية الأوسع.
الوعد هو أن دخول الذكاء الاصطناعي في الصناعات سيعمل على تحفيز موجة جديدة من الابتكار ونمو الإنتاجية. لكن ما يدعو إلى القلق هو أنه سيؤدي إلى تنمية غير متوازنة تفتقر بسببها الجامعات والمجتمع المدني والحكومات للمعرفة اللازمة من أجل مواكبة أحدث الاختراقات العلمية. هذا هو السبب الرئيس وراء حاجتنا إلى الاحتفاظ بالخبرات داخل الأوساط الأكاديمية والقطاع العام وتطوير بنية تحتية مشتركة، مثل السحب البحثية الوطنية “التي تزود الباحثين الأكاديميين وغير الهادفين منهم إلى الربح بقوة الحوسبة اللازمة ومجموعات البيانات الحكومية لأهداف التعليم والأبحاث”، التي ستوسع الوصول إلى الذكاء الاصطناعي. قوة الشركات غير الخاضعة للرقابة والتدقيق، سواء في الطاقة، أو التمويل أو التكنولوجيا، ليست فكرة جيدة على الإطلاق.
* الكاتب مؤسس “سيفتد”، موقع للشركات الأوروبية الناشئة مدعوم من “فاينانشال تايمز”.