الذكاء الاصطناعي في القطاع الدبلوماسي
فهد العرجاني
من خلال ركوبنا لموجات الاهتمام المتزايد دوليا في أثر الذكاء الاصطناعي في الدراسات الأمنية والعلاقات الدولية، دخلت علينا موجة الاهتمام الكبير في دور الذكاء الاصطناعي على البيئة الدبلوماسية بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة خاصة بعد عام الجائحة، على الرغم من الشح الكبير في حجم الابتكارات والأبحاث في إدخال الذكاء الاصطناعي للقطاع الدبلوماسي، وعدم وضوح المفاهيم المبنية على التمييز بين الذكاء الاصطناعي كموضوع دبلوماسي، كأداة دبلوماسية، أو كمشكل لبيئة العمل الدبلوماسية.
يكون الذكاء الاصطناعي موضوعا للدبلوماسية من خلال صلته الوثيقة بأجندة سياسية واسعة يمتد فيها إلى الاقتصاد، والأعمال التجارية، والأمن وصولا إلى الديموقراطية وحقوق الإنسان والأخلاقيات، كما يكون الذكاء الاصطناعي أداة دبلوماسية عند حضوره داعما للعمل اليومي للدبلوماسيين وتأثيره على الإنتاجية والأداء، أيضا قد يكون مؤثرا على البيئة الذي يمارس فيها العمل الدبلوماسي بطريقة عصرية تصطحب معها تغير كبير في السياسات وأسس التنظيمات الدولية، ولكن يبقى السؤال كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد بفعالية أداء العمل الدبلوماسي؟
على سبيل المثال يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في تحسين جودة وفاعلية التواصل بين الحكومات ومخاطبة الجمهور الأجنبي من خلال خفض الحواجز اللغوية بين البلدان وتعزيز الرقابة الأمنية للبعثات الدبلوماسية في الخارج عبر التقنيات المدعومة بالخوارزميات من خلال التعرف على الصور وفرز البيانات، مراقبة الحشود في وقت الأزمات، حفظ السلام ومراقبة المساعدات المالية الدولية بحيث لا يساء استخدامها. فتتجسد الخدمات القنصلية المدعومة بالخوارزميات من خلال المعرفة التصريحية ـ معرفة ماذا- والمعرفة الإجرائية ـ معرفة كيف – لأتمتة العمل الروتيني ودعم الإدراك البشري وبرفع درجة الإدراك مع التقليل من الجهد الذي يبذل للوصول إلى نفس المستوى من الإدراك؛ فتقوم الخوارزميات بدور التنقيب عن البيانات وتنظيمها وإتاحتها للاستخدام القنصلي، والتي قد يصعب ربط العلاقة بينها في أي ظرف آخر، خاصة إذا كان الارتباط بمتغيرات كالموقع والتوقيت والملف التعريفي لصاحب الخدمة، بما يجعل القرارات والخدمات القنصلية قابلة للرقمنة.
أصبحت المنصات الذكية ضرورة لا غنى عنها في إدارة الأزمات الدبلوماسية في هذا العصر الرقمي، فأثرها كبير على السفارات ووزرات الخارجية في تسهيل اتخاذ القرارات ومتابعة الأحداث بشكل مباشر وتقنين التنبؤات بردود أفعال الجمهور ـ التحليلات الوصفية والتحليلات التنبؤية – في الوقت نفسه يستوجب على وزارت الخارجية بناء فرق عمل تغذى بالمواهب المتميزة في إدارة المعرفة وتغليف النظام الرقمي بجدار متين من الأمن السيبراني لحفظ خصوصية البيانات من الاختراق الخارجي تحت مظلة إدارة معرفية تميز أين يتم تبني الذكاء الاصطناعي وتطبيقه في العمل المؤسسي كما تميز أين تكمن المخاطر وفهم ما يترتب عليها في سياق منظومة العمل الدبلوماسي.