الذكاء الاصطناعي .. والشراكة مع ذكاء الإنسان

38

AI بالعربي – متابعات

يبدو أن توجهات التقدم العلمي والتقني، في بيئة التنافس التي يشهدها هذا العصر، ومع بروز تقنيات الذكاء الاصطناعي، تقول لنا إن ذكاءنا الإنساني لم يعد كافيا للنجاح في الحياة المهنية، وربما في الحياة الاجتماعية أيضا. وعلينا، بناء على ذلك، العمل ليس فقط على تفعيل ذكائنا الإنساني وتعزيزه، بل على الاستعانة أيضا بمعطيات تقنيات الذكاء الاصطناعي المتجددة التي تأخذ طريقها إلى الانتشار على نطاق يزداد اتساعا مع مرور الزمن.

يطرح هذا المقال موضوع دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز ذكاء الإنسان عبر توفير وسائل ذكية متجددة قابلة للتعلم والتطور المستمر، ومن ثم الشراكة معه في معالجة مختلف مجالات الحياة. وتأتي أهمية هذا الموضوع من أنه يسعى إلى الاستفادة من مزايا الذكاءين، الإنساني والاصطناعي، في التطور والإنجاز، والإبداع والابتكار، في شتى المجالات. ويحتاج إيضاح هذا الأمر، وما يحمله إلينا في المستقبل، إلى التعريف بعدد من المفاهيم التأسيسية المطروحة في التالي.

ولعلنا نبدأ بالتعريف العام المتداول للذكاء الاصطناعي. يقول التعريف إن هذا الذكاء يتمثل في قدرة الحاسوب، أو قدرة الروبوت الحاسوبي، على تنفيذ مهمات ترتبط أساسا بقدرات الإنسان فقط. ومن أمثلة هذه المهمات استكشاف متطلبات المهمات، والاستفادة من الخبرات السابقة، ومعالجة ذلك من أجل استنباط معطيات جديدة، إضافة إلى الترجمة بين اللغات، وتقديم أسباب لحالات مختلفة، وإعطاء مقترحات لقرارات مطلوبة، أو توجيه الروبوتات نحو تنفيذ أعمال محددة، وغير ذلك من مهمات ذكية.

وكي يكون الذكاء الاصطناعي قادرا على تنفيذ هذه المهمات الذكية، لا بد أن يكون قادرا على التعلم أيضا، وعلى استخدام ما يتعلمه. ويبرز هنا تعبير تعلم الآلة. وينطلق معنى هذا التعبير من تمتع وسائل الذكاء الاصطناعي بوجود برامج أو خوارزميات حاسوبية قادرة على التعلم من خلال تلقيها بيانات، والقيام بمعالجة هذه البيانات، واستخلاص معان افتراضية منها، ثم التحقق من صحة هذه المعاني عبر تلقي مزيد من البيانات، والوصول من خلال ذلك إلى التعلم المنشود، الذي يتكرر مؤديا إلى تراكم المعرفة، وزيادة الخبرة في التعامل مع ما تحمله البيانات من معلومات.

ويبرز، في إطار تعلم الآلة، تعبير التعلم العميق الذي يمثل فرعا خاصا من فروع تعلم الآلة. فبينما هناك أساليب مختلفة لفروع تعلم الآلة، يختص فرع التعلم العميق بالأسلوب القائم على استخدام الشبكة الحاسوبية العصبية، ذات مستويات العمل المختلفة، التي تسعى إلى محاكاة شبكة الإنسان البيولوجية العصبية في استيعاب المعلومات والتعامل معها.

ولعل من المفيد هنا أن نقارن بين خصائص ذكاء الإنسان من جهة، وخصائص ذكاء الآلة من جهة أخرى، كي ندرك فوائد الشراكة بين الذكاءين. يتميز الذكاء الإنساني بصفتي الخيال والإبداع، إلى جانب دوافع الشغف والطموح إلى التميز. وقد كان هذا الذكاء وراء ابتكار الذكاء الاصطناعي. ويتميز الذكاء الإنساني أيضا بارتباطه بالمشاعر الإنسانية والقيم، والإدراك الأخلاقي، والإحساس بمشاعر الآخرين، والتوجه نحو حياة اجتماعية تعاونية سليمة ترضي الجميع.

وننتقل إلى الذكاء الاصطناعي لنجده يتمتع بسرعة كبيرة في معالجة المعلومات، لا قبل للذكاء الإنساني بها، فضلا عن كمية المعلومات الهائلة التي يستطيع تخزينها، دون سهو أو توتر أو نسيان، إضافة إلى قدرته الشبكية، وتعامله مع عدة مصادر خارجية في وقت واحد. ونظرا لتميز كل من الذكاءين عن الذكاء الآخر بمزايا محددة، فإن الجمع بينهما يجمع المزايا، ويعطي قدرة أكبر على التعامل مع قضايا الحياة المختلفة.

في إطار التوجه نحو جمع الذكاءين، برز تعبير نماذج التأسيس في الذكاء الاصطناعي، وكذلك تعبير الذكاء الاصطناعي التوليدي المستند إلى هذه النماذج. انطلقت فكرة نماذج التأسيس من البحوث التي كانت تجرى على نماذج الذكاء الاصطناعي المعنية بالترجمة بين اللغات. فقد وصلت هذه البحوث، 2010، إلى نتيجة تقول إن التركيز على تحليل مزيد من النصوص، في إجراءات تعلم هذه النماذج، يعطي نتائج أفضل، في كشف المعاني والتعامل معها، من التركيز على جوانب القواعد اللغوية. بذلك استطاعت هذه النماذج، مع الزمن، التوصل إلى إدراك متزايد مرض لمعاني النصوص اللغوية التي يجري التعامل معها.

انطلاقا مما تقدم، بدأت نماذج التأسيس اللغوية الكبيرة بالظهور 2017 لتحمل قيمتين مهمتين. فقد تمثلت الأولى في قدرة هذه النماذج على التعلم المستمر وتطوير أدائها في العمل، مع تلقيها لمزيد من النصوص. وبرزت القيمة الثانية مستخرجة من الأولى، وتجلت في تمكين أصحاب النماذج من تعزيز قدراتها في المجالات المناسبة لهم ولاحتياجاتهم في العمل. وتجدر الإشارة إلى أن نماذج التأسيس ليست لغوية فقط، بل قد ترتبط بمجالات أخرى مثل الرؤية الحاسوبية، وتمييز الأصوات، والروبوتات، وغير ذلك من مجالات.

مع نماذج التأسيس، وقدراتها القابلة للتطوير المستمر، برز الذكاء الاصطناعي التوليدي. ويعرف هذا الذكاء على أنه ذاك الذي يمكن استخدامه في توليد محتوى جديد يمكن أن يتضمن كلمات، وأشكالا، وفيديو، وبرامج حاسوبية، وربما موسيقى أيضا. ويستطيع هذا الذكاء تصنيف المعلومات، وتلخيصها، بل تبسيطها أيضا. كما يمكن أن يقوم بالترجمة وعمليات ذكية أخرى. ويعطي البرنامج الشهير المعروف “بالمتحدث التوليدي المدرب مسبقا، تشات جي-بي-تي”، الذي تحدثنا عنه في هذه الصفحة في التاسع من فبراير 2023، مثالا توضيحيا على هذا الذكاء.

يتصف برنامج “تشات جي-بي-تي” بأنه يحمل صفات عامة، دون تركيز على مجال مهني بذاته، إلا أن تطوير ما يماثله في تخصصات مهنية مختلفة ممكن، بل قائم أيضا. ومن المتوقع أن نجد أمامنا في المستقبل القريب، برامج تأسيس وتوليد في الذكاء الاصطناعي، تغطي مختلف مجالات الحياة، وتتسم بالمرونة القابلة للتدريب والتطوير من قبل مستخدميها، لتزداد معرفة وخبرة وذكاء. ولتكون بذلك عونا لذكاء الإنسان، تساعده على التواصل المعلوماتي السريع والفاعل، وعلى معالجة المعلومات وتصنيفها واستخراج المفيد منها. ففي ذلك تعزيز لإمكاناته العمل، وتفعيل لقدراته على الإبداع والابتكار، واتخاذ القرارات على أسس سليمة.

المصدر: الاقتصادية 

اترك رد

Your email address will not be published.