الذكاء الاصطناعي بين الحقيقة والوهم

43
مدحت العزب

ازدادت فى الآونة الأخيرة أخبار انتشار استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في الدول الصناعية المتقدمة، والبدء باستخدام نماذج روبوتات الإنسان الآلي بهذه التقنية في مجالات متعددة، مثل المصانع والمطاعم وغيرها من المجالات، بل تعدى الأمر إلى تنظيم مؤتمرات صحفية لنماذج من هذه الروبوتات وهي ترد على أسئلة الصحافة والإعلام، في إشارة وتأكيد إلى قدرة هذه الأجهزة على التفكير والرد، وتعدت الأخبار عن هذه التقنية إلى أنها تستطيع قراءة أفكار أو مشاعر الإنسان.

وهناك اتجاه إلى استخدام هذه التقنية فى إجراء العمليات الجراحية، ووصف الدواء والعلاج كالطبيب، وغيرها من المهن البشرية التي تحتاج إلى الفكر والإبداع. يرى المؤيدون لهذا الاتجاه أنَّ هذه التقنية ستوفر بدائل ذكيَّة للملايين من الأيدي العاملة البشرية، ممَّا يوفر رواتب هؤلاء، مع دقَّة وأداء على مستوى عال من الكفاءة والجودة، ممَّا يوفِّر الكثير من ميزانيات كبرى الشركات والمصانع، مع تحسين الأداء في كثير من المجالات الصناعية والمهنية بدخول هذه التقنية سوق العمل.

ويمكن التعليق على استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي بديلاً للإنسان في نقاط عدَّة، أولها أنَّ استخدام تكنولوجيا متقدمة مثل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، يعتبر بالتأكيد انتصاراً للتقدم العلمي والتكنولوجي، ويمكن أن يفيد البشر إن أحسنوا استخدامها وتطبيقها بما يفيد، وليس العكس. يمكن استخدام هذه التقنيَّة أيضاً في المجالات ذات الخطورة العالية على العمالة البشريَّة، مثل أعمال الحفر والتنقيب، واستكشاف أعماق البحار والمحيطات، والعمل في مصانع الأسلحة والمفرقعات، والمفاعلات النووية، وغيرها، حيث تعتبر بديلاً مثالياً للعمالة البشرية.

أمَّا فكرة استخدام هذه التقنية كبديل تام عن البشر، وتسريح ملايين الأيدي العاملة، فيمثل تهديداً اقتصادياً واجتماعياً خطيراً على المجتمع العالمي. فمن أساسيات علم الاقتصاد أنَّ المال له دورة، بمعنى أنَّ تسريح ملايين الأيدي العاملة سيؤدي إلى حرمان هؤلاء من مدخول كان يصب فى الاقتصاد العالمي فى صورة مشتريات لسع وخدمات، مما يؤدي بالتالي إلى انكماش حاد في الاقتصاد العالمي فى كثير من المجالات.

إن بطالة الملايين ستقود إلى الكثير من المشكلات الاجتماعية والأخلاقية والسلوكية والنفسية والقانونية، بما يعانيه هؤلاء من بطالة وفراغ واحتياج وانكسار نفسي أمام آلة احتلت مكانهم فى العمل. هناك مجالات إبداعية تستدعي تفكير ومهارة وفكر الانسان، مثل الجراحات الطبية، والعلاجات الدوائية، والهندسة، والفكر والفنون الجميلة وغيرها مما لا يستغنى فيه عن الإنسان بفكره وإبداعه، إذ مهما تقدمت التكنولوجيا لن تصل إلى إبداع الإنسان، لأنها ببساطة من صنعه.

الإدعاء أنَّ تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي قادرة بصورة ما أو فى وقت ما، على تصنيع أجهزة قادرة على قراءة أفكار أو مشاعر الإنسان ادعاء أراه كاذباً وزائفاً، وليس إلا شطحة من شطحات العلم الغربي، ولن يتفوق مصنوع من صنع الإنسان على صانعه الإنسان، لأن هذا الأخير، ببساطة، من خلق قادر حكيم كرمه بالعقل والخلق. على العالم الغربي المتقدم علمياً وتكنولوجياً أن يعمل على توجيه اهتماماته البحثية والصناعية إلى ما يفيد البشرية ولا يضرها، ولا ينافس الإنسان في مجال رزقه أو فكره، أو يؤدي إلى الكثير من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية، مما يدمر الإنسانية نفسها.

فالأجدر بالعلم أن يبحث عن علاج لمرضى الإعاقات الذهنية، وصعوبات التعلم والتوحد، بدلاً من الادعاء بتكنولوجيا تقرأ أفكار الإنسان، أو اكتشاف علاج ناجع للأورام والأمراض المعدية التى يذهب ضحيتها الملايين سنوياً. وسيظل الإنسان فى صورته وعقله أكرم مخلوقات الله، وسيظل لا يعلم الغيب والسر وما يخفى إلا الله.

المصدر: إيلاف

اترك رد

Your email address will not be published.