الذكاء الاصطناعي مطلوب للعدالة بتهمة “التزييف العميق”

37

AI بالعربي – متابعات
هناك فجوة في التشريع آخذة في الاتساع بين دول بدأت بمواكبة التطور السريع للذكاء الاصطناعي وتستثمره إلى أقصى الحدود، وتحاول وضع ضوابط مرنة له، وأخرى ما زالت على الهامش وتعاني إرباكاً حيال التعاطي معه.

ومن أجل فهم كيفية تعاطي القانون والمحاكم والدول مع “التزييف العميق” والذكاء الاصطناعي لا بد من الناحية المنهجية تعريف هذه المصطلحات. من تقنيات الذكاء الاصطناعي تعديل رقمي على وجه شخص أو جسده لجعله شبيهاً بشخص آخر، أو حتى استبدال صوته بصوت آخر، ويؤدي إلى إنتاج فيديوهات وصور مزيفة, وفقا لما نشرته انديبينديت عربية.

وقد تحول إلى أداة ووسيلة لنشر المعلومات الكاذبة والمضللة بسرعة فائقة، واتسعت استخداماته لتزييف فيديوهات لكبار الشخصيات السياسية، ودخل لاعباً في الانتخابات الرئاسية في أعرق الديمقراطيات كالولايات المتحدة الأميركية.

ازدهر التزييف العميق في معرض نمو الذكاء الاصطناعي، الذي تعرفه “موسوعة بريتانيكا” بقدرة حاسوب رقمي أو حاسوب يحرك روبوتاً على القيام بمهام مماثلة لذكاء الكائنات الحية. ويطلق المصطلح على مشروع تطوير النظم للقيام بالعمليات العقلية التي يتصف بها البشر مثل القدرة على التفكير وإدراك المعنى والتعميم والتعلم استناداً إلى تجارب الماضي.

يتضح أن هناك صلة بين ازدياد كفاءة الحاسوب الذي بدأت عمليات تطويره في 1940، للقيام بمهام معقدة، وظهور أشكال مختلفة من التعديل والتزييف، وصولاً إلى سيادة الذكاء الاصطناعي الذي سيحدث تغييرات عميقة خلال السنوات، لا بل الأشهر القليلة المقبلة.

تحدي العدالة
يطرح التزييف العميق إشكاليات كبيرة في معرض العملية القضائية، التي تقطع مراحل متعددة من مرحلة الرصد والملاحقة، وصولاً إلى التحقيقات والمحاكمات، والعقوبات التي يمكن أن تأخذ شكل الاعتقال أو العقوبات البديلة في الدول المتقدمة على غرار الحرية المراقبة. في هذا السياق يمكن الحديث عن تجارب رائدة من قبل بعض الدول، فعلى المستوى الأول الذي يرتبط بالمراقبة ورصد الجرائم والمخالفات.

فقد دخل “الشرطي الروبوت” حيز العمل في عديد من البلدان المتقدمة، بدءاً بدبي في الإمارات العربية المتحدة، وصولاً إلى سنغافورة والولايات المتحدة الأميركية. ويعمل الروبوت على تتبع حركة السير والمارة وتحرير مخالفات وتحويلها إلى الجهات المتخصصة والأفراد لإنزال العقوبة على المخالف. على مستوى آخر دخلت الروبوتات مرحلة الحروب و”مواجهة جماعات الأشرار” من خلال الروبوت المقاتل.

ولكن الإشكالية الكبرى ترتبط بأثر التزييف العميق في عمل المحاكم، وقرار التبرئة أو الإدانة، إذ يظهر السؤال حول كيفية تعاطي المحاكم معها، ما الموقف من فيديو أو تسجيل صوتي يتضمن اعترافاً أو دليلاً على ارتكاب جريمة من عدمه؟ وتزداد الصعوبة مع ظهور بعض التجارب التي تؤكد صعوبة اكتشاف التزييف في بعض الحالات، حين عرضت 100 صورة مزيفة على برامج اكتشاف التزييف العميق، وقد فشلت في كشف تلك المشوهة والمتلاعب فيها.
يدرك القضاء اللبناني الصعوبة التي تفرضها التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي. ويكشف مرجع قضائي جزائي كيفية التعاطي مع الأدلة والتسجيلات، منطلقاً من عدم وجود قانون لبناني يتعلق بعمل الذكاء الاصطناعي، ولكن هنا “يعود القاضي إلى المبادئ العامة لقواعد الإثبات والإجراءات الجزائية”.

ويؤكد أن “القاضي اللبناني لا يعتبر التسجيلات ذات قوة إثبات مطلقة، وإنما يضعها ضمن سلة من الأدلة المختلفة لتكوين قناعته حيال الجريمة”. ويكشف “يلجأ القضاة في عرض التسجيلات الصوتية والمصورة الدقيقة إما إلى شعبة المعلومات، ومكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية، ويحصل ذلك أثناء التحقيقات الأولية التي تقوم بها الضابطة العدلية بإشراف النيابة العامة التي تعطي إشارة توسع بالتحقيق، أو قاضي التحقيق بموجب استنابة، بسبب امتلاكها تجهيزات تقنية متطورة غير موجودة لدى القضاء”.

القاضي الروبوت
بدأت بعض الدول المتقدمة المراحل التجريبية لنظام “القاضي الروبوت”، وعلى وجه التحديد في الصين وكندا وإستونيا وماليزيا، فقد بدأت إستونيا بتطبيق “القاضي الروبوت” الذي يقيم القضايا الصغيرة من خلال تطبيقات معززة بالذكاء الاصطناعي في القضايا التي تقل قيمتها عن سبعة آلاف يورو، فيما أنشأت كندا “الروبوت الوسيط”، فيما اعتمدت الصين نظام قضاة الذكاء الاصطناعي الذي انطلق في عام 2019، حين أنشأت “مركز التقاضي عبر الإنترنت التابع لمحكمة الإنترنت الصينية”، وهو نظام يستخدم برمجيات الذكاء الاصطناعي للمساعدة في اتخاذ القرارات في الإجراءات القانونية الروتينية. وكذلك في ماليزيا التي بدأت في عام 2022 استخدام تطبيقات لنظام التقاضي باستخدام الذكاء الاصطناعي في بعض ولاياتها.

يبقى هذا النظام بعيد المنال في لبنان على غرار كثير من بلدان العالم الثالث، التي لم تنتقل بعد إلى حقبة الحكومة الإلكترونية.

الذكاء الاصطناعي وزمن الإشكاليات الكبرى
دخل العالم حقبة جديدة من عمليات الضبط في عصر التحولات الناجمة عن استخدام الذكاء الاصطناعي. ولا تتوقف الأخطار عند المستوى الفردي، وإنما تتجاوزها إلى الأخطار المجتمعية الشاملة. يؤكد الأستاذ جامعي غسان مراد أن “العالم أصبح في حقبة الممارسة الجماعية للرقابة في ظل وجود أكثر من مليار كاميرا فيديو أو حتى مليارين حول العالم”. ناهيك بازدياد استخدام “تطبيقات التعرف إلى الوجوه في معرض ملاحقة المشتبه فيهم وتحديداً خلال التظاهرات لمقارنة صور الأشخاص”.

يتطرق مراد إلى عمليات مسح صور الأشخاص وبيعها من دون إذن المستخدمين لأجهزة الاستخبارات، في فضيحة دعوى ولاية إيلينوي ضد “فيسبوك” وإلزام الشركة دفع 650 مليون دولار أميركي لأنها خزنت معطيات عن أشخاص من الولاية للتعرف إلى الوجوه، إذ مسحت 1.6 مليون صورة لمستخدم ضمن الولاية من دون معرفتهم.

كما يشير مراد إلى قرصنة شركات الذكاء الاصطناعي مليارات الصور، إذ تمتلك على سبيل المثال شركة “كلارفيو آي أي” أكبر بنك صور يقدر بـ30 مليار صورة من دون إذن صاحبها، وتطمح لامتلاك 100 مليار صورة قريباً.

يحذر غسان مراد من هذا التوجه، فهذه التقنية مفيدة للتعرف إلى المجرمين والجواسيس، إلا أنها وسيلة للمراقبة الدائمة لكل بني البشر، وتسهم في الحد من حريتهم.

بصمة الوجه والحد من التجاوزات
يتحدث غسان مراد عن بصمة الوجه والصوت، مشيراً إلى “أنها ذات خصائص لا تضاهى، وهي تستخدم بصورة متزايدة للمصادقة على الولوج إلى الحسابات والأماكن الخاصة بالأفراد”. قادت التجاوزات في مجال الذكاء الاصطناعي البرلمان الأوروبي إلى التحرك، لإقرار قانون في 14 يونيو (حزيران) للحد من الأخطار المرتبطة بالذكاء الاصطناعي.

إذ يصنف القانون تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى أربعة مستويات من جهة الخطورة، والحد من أنظمة “التصنيف الاجتماعي” والتمييز العنصري، وحظر التطبيقات التي تسهم في استغلال الأشخاص المستضعفين عبر الذكاء الاصطناعي، وحظر استخدام التطبيقات التي تسمح بالتلاعب بالوعي والسلوكيات، والتي قد تؤدي إلى الأذى، إضافة إلى حظر أدوات الشرطة التنبئية التي تحلل البيانات للتنبؤ بمن سيرتكب الجرائم من خلال توسيع الحظر المفروض على التعرف إلى الوجه عن بعد، وتحديد الهوية “البيومترية” في الأماكن العامة.

يشير مراد إلى “مواجهة التطبيقات الأكثر خطورة، مثل توظيف التكنولوجيا التي تستهدف الأطفال، وعلى هذه التطبيقات أن تتمتع بشفافية عالية واستخدام بيانات دقيقة. وستؤدي الانتهاكات لدى الشركات المخالفة إلى غرامات تصل إلى 30 مليون يورو أو ستة في المئة من إيراداتها السنوية في جميع أنحاء العالم”.

يعتقد مراد أن القانون الأوروبي يفرض مجموعة ضوابط، ولكن العبرة في التطبيق في ظل وجود أنظمة التعرف “البيومترية” في كل مكان في أوروبا والتي تستخدم بحجة المشكلات الأمنية.

اترك رد

Your email address will not be published.