الذكاء الاصطناعي

20

أ.د.هاني القحطاني

صرح الأمين العام للأمم المتحدة أنتونيو جوتيريش مطلع هذا الأسبوع بأن الذكاء الاصطناعي وصل إلى درجة خطيرة، ونادى بضرورة إنشاء منظمة للتحكم فيه مشابهة لمنظمة الحد من خطر انتشار الأسلحة النووية التي تشرف عليها الأمم المتحدة، قد لا يكون الأمين العام للأمم المتحدة ولا الكاتب ولا معظم القراء خبراء في مجال الذكاء الاصطناعي، غير أنه قد بدأ يلوح في الأفق شعور بأن البشرية على أعتاب مرحلة جديدة من التطور التقني، لا يعرف على وجه الدقة ما ستؤدي إليه في النهاية. يؤكد ذلك عدد كبير من خبراء التقنية والاجتماعيين والأكاديميين وقد بدؤوا يدقون ناقوس الخطر جراء ما بدى يلوح في الأفق، مما يمكن أن تصبح عليه حياة البشر إذا استمرت وتيرة الذكاء الاصطناعي في الانتشار من دون التنبه لمخاطرها.

بعيدا عن التعريف الدقيق للمصطلح وتاريخه بل وحتى تسميته (إذ كيف يكون الشيء ذكيا في ذاته وهو مصنوع سلفا من قبل صانعه الإنسان)، فإن أوجه استخدام التقنية ماثلة أمامنا وهي تحيط بنا في كل أوجه حياتنا إحاطة السوار بالمعصم. هذا الجانب وإن كان لا يندرج – على الأقل أكاديميا – تحت مسمى الذكاء الاصطناعي أمر إيجابي في الاستفادة من التقنية وتوظيفها لخدمة الانسان. إن إنكار منجزات التقنية تحت أي ذريعة كانت ينطوي على مكابرة لا يقرها العقل والمنطق.

غير أن الاعتماد شبه التام على التقنية في كل شاردة وواردة له جوانب سلبية في حياة البشر على مستويات عدة. فمن الناحية الاقتصادية فإن الاستغناء عن البشر في أداء مهام العمل، أيا كان نوعه سوف يحيل معظمهم إلى مجرد أرقام مليونية في طوابير لا تنتهي من البطالة، التي تعتبر الهاجس التنموي الأهم الذي يواجه أي حكومة. إن إحلال الآلة أيا كان نوعها ومسماها محل الإنسان يعني في المقام الأول الحط من مكان الإنسان بتفضيل الآلة عليه. العمل أيا كان نوعه وقيمته وطبيعته قيمة بشرية ارتبطت بالإنسان منذ القدم، ومتى ما تم الاستغناء عنها لصالح ما أصبح يعرف بالإنسان الآلي فقد الإنسان أحد أسباب تعلقه بالحياة. ويعلمنا التاريخ أن اضطراب الشأن الاقتصادي بسبب علاقات العمل ينذر بكوارث كبرى وقد عانت المجتمعات الصناعية في الغرب أكثر من غيرها جراء هذا الخلل في توزيع العمل.

من حيث الرضا عن الذات ومن نواح سيكولوجية ونفسية عدة فإن الاعتماد على التقنية يحيل المرء إلى مجرد مستخدم كسول عاجز ليس أكثر لمنتجات التقنية. كيف ستصبح الحياة الاجتماعية عندما تحل أجهزة الحاسوب محل معلمي المدارس، وعندما تخلو المباني والأجهزة الحكومية من موظفيها لصالح روبوتات آلية، وكيف يمكن للمهندسين باختلاف تخصصاتهم أن يبدعوا، كل على حدة، في تخصصاتهم. في الذكاء الاصطناعي سيفقد الفنان ارتباطه الروحي بلوحته الفنية، وسوف يشتاق التلاميذ للجانب الإنساني في علاقتهم بمعلميهم، وقس على ذلك. في مجتمع مأتمت صناعيا بالكامل تتكسر روابط العلاقات السوية بين البشر، ويتحولون كما هي حال الأجهزة التي يتعاملون معها إلى ما يشبه آلات تسير بالتحكم عن بعد تماما،كما اسشرف ذلك العديد من أفلام الخيال العلمي. في بيئة الذكاء الاصطناعي سيفقد الإنسان كيانه وشخصه ويختلط الحابل بالنابل. إن تمكين الآلة من البشر فيه انتكاسة للفطرة وردة عن مسيرة الحضارة التي بنتها البشرية عبر تاريخها الطويل.

تناقلت بعض وسائل التواصل خبرا طريفا، لكنه مليء بالعبر. إذ إن طائرة ذكية بدون طيار قتلت طيارها الاصطناعي هو الآخر لكونه أخطأ في تزويدها بمعلومة مما جعها تفسر المعلومة بطريقة خاطئة.الجميع هنا يطلق المصطلحات جزافا كالذكاء مثلا على أشياء لا يبدو أنها تتفق ومصطلحاتها تلك. ولعل في تناقض التسمية بحد ذاتها ما يؤكد على غياب الأصول الأخلاقية والفعلية لوجودها.

المصدر: اليوم

اترك رد

Your email address will not be published.