ترك الذكاء الاصطناعي طليقا في المجال المالي خطر عظيم
في العقود الأخيرة ظهرت مجموعة من الطقوس المميزة في المجال المالي حول الظاهرة المعروفة باسم “لغة الاحتياطي الفيدرالي” الفضفاضة. كلما أدلى مصرفي مركزي بتعليق، يندفع الاقتصاديون (والصحافيون) لتحليله، بينما يضع المتداولون رهانات استثمارية.
لكن إذا كان الاقتصاديون في الاحتياطي الفيدرالي في ريتشموند (فيرجينيا) على صواب، فقد يتغير هذا الطقس قريبا. لقد طلبوا أخيرا من أداة الذكاء الاصطناعي التوليدي “شات جي بي تي” تحليل بيانات الاحتياطي الفيدرالي، وخلصوا إلى أنها “تظهر أداء قويا في تصنيف جمل لغة الاحتياطي الفيدرالي، خاصة عند ضبطها بدقة”. علاوة على ذلك “أداء نماذج جي بي تي يفوق أداء طرق التصنيف الشائعة الأخرى”، بما في ذلك ما يسمى أدوات “تحليل المشاعر” التي يستخدمها الآن عديد من المتداولين (التي تعالج ردود فعل وسائل الإعلام للتنبؤ بالأسواق).
نعم، لقد قرأت ذلك بشكل صحيح: قد تكون الروبوتات الآن أفضل في فك شفرات عقل جاي باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، من الأنظمة الأخرى المتاحة، وفقا لبعض الموظفين البشريين في البنك المركزي.
هل هذا شيء جيد؟ إذا كنت أحد صناديق التحوط التي تبحث عن ميزة تنافسية، فقد تقول “نعم”. كذلك إذا كنت مديرا ماليا تأمل في تنظيم موظفيك. تشدد ورقة ريتشموند على أنه لا ينبغي استخدام “شات جي بي تي” حاليا إلا تحت إشراف بشري، لأنه على الرغم من كونه يستطيع الإجابة بشكل صحيح على 87 في المائة من الأسئلة في “اختبار موحد للمعرفة الاقتصادية”، يظل “غير معصوم عن الخطأ ولا يزال من الممكن أن يخطئ في تصنيف الجمل، أو يفشل في التقاط الفروق الدقيقة التي قد يلتقطها مقيِم بشري لديه خبرة في المجال”.
يتردد صدى هذه الرسالة في سيل من الأوراق الأخرى الخاصة بالذكاء الاصطناعي المالي، التي تحلل مهام تراوح من انتقاء الأسهم إلى تدريس الاقتصاد. على الرغم من أنها تشير إلى أن “شات جي بي تي” يمكن أن يكون له إمكانات “كمساعد”، استشهادا بورقة ريتشموند، إلا أنها تؤكد أيضا أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي يمكن أن يؤدي في بعض الأحيان إلى الإخفاق، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن مجموعة بياناته محدودة وغير متوازنة.
مع ذلك، يمكن أن يتغير كل هذا، مع تحسن شات “جي بي تي”. لذا –ليس من المستغرب– أن يحذر جزء من هذا البحث الجديد أيضا من أن وظائف بعض الاقتصاديين قد تتعرض للتهديد قريبا. هذا يسعد بالطبع مخفضي التكاليف (وإن لم يكن أولئك الاقتصاديون البشريين الفعليين).
لكن إذا كنت ترغب في الحصول على منظور آخر حول الآثار المترتبة على ذلك، يجدر النظر في ورقة تنبؤية عن الذكاء الاصطناعي شارك في كتابتها ليلي بيلي وجاري جينسلر، رئيس هيئة الأوراق المالية والبورصات، في 2020، عندما كان أكاديميا في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
لم تتسبب الورقة البحثية في إثارة ضجة كبيرة في ذلك الوقت، لكنها مذهلة، لأنها تجادل بأن الذكاء الاصطناعي التوليدي يمكن أن يقدم فوائد مذهلة للمجال المالي، لكنه يوجد أيضا ثلاثة مخاطر كبيرة للاستقرار.
أحدها هو الغموض. أدوات الذكاء الاصطناعي غامضة تماما بالنسبة للجميع، باستثناء منشئيها. وعلى الرغم من أن تصحيح ذلك قد يكون ممكنا، من الناحية النظرية، من خلال مطالبة منشئي الذكاء الاصطناعي ومستخدميه بنشر إرشاداتهم الداخلية بطريقة موحدة (كما اقترح النجم التكنولوجي، تيم أورايلي)، يبدو من غير المرجح أن يحدث هذا قريبا.
سيكافح عديد من المستثمرين (والمنظمين) لفهم مثل هذه البيانات، حتى لو ظهرت بالفعل. بالتالي هناك خطر متزايد من أن “النتائج غير القابلة للتفسير قد تؤدي إلى انخفاض في قدرة المطورين والمسؤولين التنفيذيين في مجالس الإدارات والمنظمين على توقع نقاط ضعف النماذج (في التمويل)”، كما كتب المؤلفون.
المشكلة الثانية هي خطر التركيز. مهما كان من يفوز في المعارك الحالية بين مايكروسوفت وجوجل (أو فيسبوك وأمازون) للحصول على حصة سوقية في الذكاء الاصطناعي التوليدي، فمن المحتمل أن يهيمن اثنان فقط، جنبا إلى جنب مع منافس (أو اثنين) في الصين. سيتم بعد ذلك بناء عديد من الخدمات على قاعدة الذكاء الاصطناعي تلك. لكن القواسم المشتركة لأي قاعدة قد توجد “زيادة في الثقافات الأحادية في النظام المالي بسبب قيام الوكلاء بتحسين استخدام المقاييس نفسها”، كما لاحظت الورقة.
هذا يعني أنه إذا ظهر خطأ في تلك القاعدة، فإنه يمكن أن ينتشر إلى النظام بأكمله. حتى دون هذا الخطر، تميل الثقافة الأحادية إلى إنشاء سلوك رقمي متشابه، أو أجهزة حاسب آلي تعمل كبعضها بعضا. سيؤدي هذا بدوره إلى زيادة مخاطر التقلبات الدورية (أو تقلبات السوق التي تعزز نفسها بنفسها)، كما أشار مارك كارني، المحافظ السابق لبنك إنجلترا.
“ماذا لو واجه نموذج الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي يستمع إلى لغة الاحتياطي الفيدرالي عقبة (وأصاب جميع برامج السوق)؟”، كما أخبرني جينسلر. “أو إذا كانت سوق الرهن العقاري كله يعتمد على الطبقة الأساسية نفسها وحدث خطأ ما؟”.
تدور المشكلة الثالثة حول “الفجوات التنظيمية”: كناية عن حقيقة أن المنظمين الماليين يبدون غير مؤهلين لفهم الذكاء الاصطناعي، أو حتى معرفة من يجب أن يراقبه. في الواقع، كان هناك قليل من الجدل العام حول هذه القضايا بشكل ملحوظ منذ 2020 – على الرغم من أن جينسلر يقول إن المخاطر الثلاثة التي حددها أصبحت الآن أكثر خطورة، وليس أقل، مع انتشار الذكاء الاصطناعي التوليدي، ما يوجد “مخاطر استقرار مالي حقيقية”.
لن يمنع هذا الخبراء الماليين من التسرع في تبني “شات جي بي تي” في محاولتهم تحليل لغة الاحتياطي الفيدرالي، أو اختيار الأسهم أو أي شيء آخر. لكن ينبغي أن يمنح المستثمرين والمنظمين وقفة للتفكير.
قدم انهيار بنك سيليكون فالي درسا مرعبا حول كيف يمكن للابتكار التكنولوجي أن يغير التمويل بشكل غير متوقع، في هذه الحالة عن طريق تكثيف السلوك الرقمي المتشابه. مع ذلك، من المحتمل أن تكون هذه لمحة صغيرة عما يمكن أن يحدث في المستقبل، يجب أن يستيقظ المنظمون ـ كذلك المستثمرون.
المصدر: الاقتصادية