تحدي العصر.. إبقاء الآلات فائقة الذكاء تحت السيطرة

25

جون ثورنهيل 

كان آي جيه جود عالم الرياضيات البريطاني أول من تكهن بما سيحدث، عندما تتفوق أجهزة الحاسوب على البشر. كتب “في أحد الأيام سنبني آلة فائقة الذكاء يمكنها بنفسها تصميم آلة أكثر ذكاء، وهو أمر سيؤدي إلى تفجر في الذكاء (…) وبالتالي ستصبح أول آلة فائقة الذكاء هي آخر اختراع يحتاج الإنسان إلى صنعه على الإطلاق، شرط أن تكون الآلة طوع أيدينا بما يكفي لتخبرنا كيف نبقيها تحت السيطرة”.

تكهنات جود كانت تبدو خيالية حين ظهرت في عام 1964، لكنها لا تبدو خيالية اليوم. التطورات الأخيرة في الذكاء الاصطناعي أبهرت ملايين، أبرزها نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي القوية مثل جي بي تي- 4 من شركة أوبن أيه آي، وبارد من جوجل. ربما لا نزال على بعد بعض الاختراقات المفاهيمية عن إنشاء آلات جود فائقة الذكاء، كما أخبرني مؤسس إحدى الشركات الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي. لكن لم يعد من “الجنون المطلق” الاعتقاد أننا قد نتوصل لما يطلق عليه الذكاء العام الاصطناعي بحلول عام 2030.

الشركات التي تطور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تسلط الضوء على قدرته على زيادة الإنتاجية الاقتصادية، وتعزيز الإبداع البشري، وفتح مجالات جديدة ومثيرة للبحث العلمي. لكنها تعترف أيضا بوجود عيوب خطيرة في نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي. سوندار بيتشاي الرئيس التنفيذي لشركة جوجل، قال لقناة “سي بي إس نيوز”، “الجانب السلبي، هو أن البشرية في مرحلة ما، ستفقد السيطرة على التكنولوجيا التي تطورها”.

وقع أكثر من 27 ألف شخص، بينهم عديد من الباحثين البارزين في مجال الذكاء الاصطناعي، رسالة مفتوحة من “معهد فيوتشر أوف لايف” يدعون فيها إلى إيقاف تطوير النماذج الرائدة لمدة ستة أشهر. ذهب آخرون إلى أبعد من ذلك بالدعوة إلى إيقاف جميع الأبحاث المتعلقة بالذكاء الاصطناعي العام. بحسب إليزر يودكوفسكي، رئيس البحث في معهد أبحاث ذكاء الآلة، “إذا لم يتغير شيء، فستكون نتيجة بناء ذكاء اصطناعي ذكي فوق طاقة البشر على الأرجح هي أن كل شخص على وجه الأرض سيموت، حرفيا”. كتب في مجلة “تايم” أن “علينا مراقبة استخدام رقائق الحاسوب المتقدمة المستخدمة في الذكاء الاصطناعي بصرامة، وحتى التفكير في توجيه ضربات جوية ضد مراكز البيانات المارقة التي تنتهك الحظر المفروض عليها”.

لكن الإسهاب في مثل هذا الحديث يثير استياء بعض الباحثين الآخرين، الذين يجادلون بأن الذكاء الاصطناعي العام قد يبقى خيالا إلى الأبد، وأن مناقشة ذلك لا تؤدي إلا إلى حجب أضرار التكنولوجيا الحالية. منذ أعوام يحذر باحثون، من أمثال تيمنت جيبرو ومارجريت ميتشيل وأنجلينا ماكميلان ميجور وإميلي بيندر، من أن نماذج التعلم الآلي القوية تنطوي على خطر زيادة تركيز قوة الشركات، ما يؤدي إلى تفاقم عدم المساواة المجتمعية وتلويث المعلومات العامة. ويرون أن من الخطر أن نلهي أنفسنا بـ”المدينة الفاضلة التي تقوم على الذكاء الاصطناعي”. كتبوا ردا على رسالة معهد فيوتشر أوف لايف “بدلا من ذلك، يجب أن نركز على الممارسات الاستغلالية الواقعية والحاضرة جدا للشركات التي تدعي أنها تبنيها (النماذج)”.

لا يسع المرء سوى الإشفاق على صانعي السياسة الذي يحاولون الاستجابة لهذه المخاوف المتضاربة. كيف ينبغي لهم ترتيب أولوياتهم التنظيمية؟ الإجابة باختصار هي أنهم بحاجة إلى أخذ مخاوف كلتا الجماعتين على محمل الجد، والتفريق بين المخاطر الفورية والمخاطر بعيدة الأجل.

من المؤكد أنه من غير المفيد، كما يلاحظ جون تاسيولاس، مدير معهد أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في جامعة أكسفورد، أن الجمهور الذي ينادي بأمان الذكاء الاصطناعي والجمهور الذي يدعو إلى أخلاقيات الذكاء الاصطناعي يبدوان كما يقول “متورطين في حرب ضروس”. لكنه يشير إلى أنهما يتجادلان في الغالب حول أشياء مختلفة. يميل جمهور الأمان إلى رؤية مصدر المشكلة على أنه التكنولوجيا ذاتها، ويطالب بحل تكنولوجي. بينما يجادل جمهور الأخلاقيات بضرورة النظر إلى الذكاء الاصطناعي في سياق اجتماعي واقتصادي أوسع بكثير.

فيما يتعلق بالتحديات المباشرة، يجب على كل جهة تنظيمية النظر في الكيفية التي يؤثر بها الذكاء الاصطناعي في مجالها، وفرض قوانين حقوق الإنسان، والخصوصية، والبيانات، والمنافسة الحالية والنظر في كيفية تحديثها. أما فيما يتعلق بالتحديات على المدى الطويل، فيجب أن نناقش مناهج أكثر راديكالية.

في مقال نشر أخيرا، حث المستثمر إيان هوجارث المشرعين على استجواب قادة مختبرات أبحاث الذكاء الاصطناعي تحت القسم، حول المخاطر المتعلقة بالسلامة. دعا كذلك إلى إنشاء وكالة دولية تعاونية، على غرار مختبر سيرن لفيزياء الجسيمات، لبحث الذكاء الاصطناعي العام. سيؤدي ذلك إلى إحباط الديناميكيات الخطيرة لسباق القطاع الخاص لتطوير هذه التكنولوجيا.

هذه فكرة ذكية، حتى لو كان من الصعب تخيل كيف يمكن إنشاء مثل هذه الوكالة الدولية بسرعة. من الجنون الاعتقاد أن الشركات الخاصة التي يحركها الربح وحدها ستحمي مصالح المجتمع عند السعي وراء قدرة الذكاء الاصطناعي العام، مهما كانت بعيدة. إن إبقاء الآلات طيعة بما يكفي ليتمكن البشر من السيطرة عليها، كما كان يأمل جود، سيكون تحدي الحوكمة في عصرنا.

المصدر: الاقتصادية

اترك رد

Your email address will not be published.