الصراع من أجل السيادة في مجال الذكاء الاصطناعي يبدو كمعركة من القرن الماضي

35

AI بالعربي – “متابعات”

يبدو من الصعب وضع الذكاء الاصطناعي داخل إطار التنافس بين الدول والأمم وبعضها، الذي عفا عليه الزمن، نظرا لأنه ليس موردا نادرا ولا تقنية يتوجب الدفاع عنها باستماتة مثل الأسلحة النووية، ولذلك يبدو أن الصراع من أجل السيادة في ذلك المجال يبدو كمعركة من القرن الماضي.

ومن الناحية النظرية هو بلا حدود بفضل الأبحاث المتاحة بوفرة في هذا المجال، كما المواد الخام الفعلية اللازمة لتطويره مثل السليكون رخيصة ومتوافرة، وفي نهاية المطاف، تتمثل العقبة الرئيسة الوحيدة أمام انتشاره في قدرة البشر على التعلم.
غير أن لغة الخطابة التي ترتكز على التنافس، الذي عادة ما ينشأ في هذا المجال بين الولايات المتحدة والصين، تتسم بالقوة، ويتم التعبير عنها بعبارات تكتسي بالأهمية البالغة، وفقا لـ”الألمانية”.

ويقول إيريك شميت رئيس لجنة الأمن القومي الأميركية لشؤون الذكاء الاصطناعي، الذي كان مديرا تنفيذيا في شركة جوجل لخدمات الإنترنت في تقريره النهائي الذي قدمه للكونجرس الأميركي في وقت سابق هذا العام، “لا بد أن ننتصر في التنافس في مجال الذكاء الاصطناعي الذي يعزز التنافس الاستراتيجي مع الصين”.

ويشير الكاتب الألماني ليونيد بيرشيدسكي في تقرير نشرته وكالة “بلومبيرج” للأنباء، إلى أن حجم سوق الذكاء الاصطناعي في الصين بلغ حسب التقديرات 71 مليار رينمينبي (10.8 مليار دولار حسب سعر الصرف الحالي) في عام 2020، وأن عدد الشركات الصينية المتخصصة في هذا القطاع يبلغ نحو 800 شركة، في حين أن استثمارات الكيانات الصينية في شركات تكنولوجيا المعلومات الأميركية خلال عام 2020 لم تتجاوز 1.9 مليار دولار، بما يمثل 2.4 في المائة من إجمالي استثماراتها.
كما أن نسبة الاستثمارات الصينية في شركات تكنولوجيا المعلومات في أوروبا، كندا، أستراليا، نيوزيلندا، وبريطانيا لم تتجاوز مطلقا 3 في المائة، حسب تقارير مركز الأمن والتكنولوجيات الناشئة التابع لجامعة جورج تاون الأميركية.

علاوة على ذلك، أشارت التقارير أيضا إلى عدم وجود استثمارات صينية في مجال تكنولوجيا المعلومات في كثير من دول العالم، ولا تعبر هذه الأرقام بأي حال من الأحوال عن ضعف الموارد الصينية في مجال تكنولوجيا المعلومات بقدر ما تشير إلى أن الصين تفضل توجيه استثماراتها في هذا المجال إلى الشركات المحلية، بحيث يبدو كما لو كان هناك جدار خفي من السليكون يفصل بين الولايات المتحدة والصين.

ووفق مؤشر “سي إس رانكينجز” المتخصص في تصنيف الجامعات حسب عدد الأبحاث العلمية في مجال علوم الكمبيوتر، تأتي جامعة تسينجوا في بكين في صدارة الجامعات التي نشرت أبحاثا في مجال الذكاء الاصطناعي خلال الفترة ما بين 2015 و2021، فيما جاءت جامعة كارنيجي ميلون الأميركية في المركز الثاني، وإن كانت الاقتباسات من الأبحاث الأميركية بشكل عام جاءت أعلى 40 في المائة، من المتوسط العالمي، وجاءت الأبحاث الأوروبية أعلى 10 في المائة، وعلى العكس جاءت الاقتباسات من الأبحاث الصينية أقل 20 في المائة، من المتوسط العالمي.

وتتنافس الصين بقوة مع الولايات المتحدة في مجال تكنولوجيا المعلومات، وتتفوق على الاتحاد الأوروبي في هذا المجال، رغم أن عدد الشركات الصينية التي حصلت على تمويل نقدي يتجاوز مليون دولار أو أكثر يبلغ 398 شركة مقابل 890 شركة في الاتحاد الأوروبي و2130 شركة في الولايات المتحدة.

والمال بلا شك يستطيع شراء أفضل العقول، لكن قد تكون هناك أسباب تجعل الباحث الصيني أو الألماني أو الفرنسي أو السنغافوري لا يريد أن يعيش في وادي السليكون أو يعمل لمصلحة شركة أميركية كبرى.

وتشير تقارير مركز الأمن والتكنولوجيات الناشئة التابع لجامعة جورج تاون إلى أن عدد العاملين أصحاب المهارات في مجال الذكاء الاصطناعي في ألمانيا يمثل 0.7 في المائة، من قاعدة مستخدمي برنامج لينكد إن، فيما يزيد عددهم في الولايات المتحدة على خمسة ملايين شخص، بما يمثل 2.9 في المائة من قاعدة مستخدمي برنامج لينكد إن، لكن جدير بالذكر أن عدد مستخدمي هذا التطبيق في ألمانيا لا يزيد على 13 في المائة، من إجمالي تعداد الشعب، ونحو 53 في المائة، من إجمالي الشعب الأميركي.

ومن المجالات الأخرى لقياس التنافس في مجال الذكاء الاصطناعي بين الدول حجم إنتاج المكونات الصلبة في مجال تكنولوجيا المعلومات، الذي يعد مؤشرا واضحا على القوة في هذا المجال. فالولايات المتحدة تتصدر دول العالم في مجال تصميم الرقائق الإلكترونية، بحيث تستطيع ببساطة أن تمنع وصول الأجهزة التكنولوجية المتقدمة إلى الشركات الصينية، لكن هذه الميزة يمكن أن تتبدد بسهولة في فضاء الذكاء الاصطناعي، بالنظر إلى وجود دول أخرى مثل اليابان كانت تمثل 8 في المائة، من حجم الأداء على مستوى العالم في هذا القطاع، لكن حجم أدائها ارتفع إلى نحو 24 في المائة، في عام 2020.
ويعبر هذا التغيير السريع عن صعوبة استمرار الاحتفاظ بهامش التفوق في هذا المجال، وإذا كان من الصعب الاحتفاظ بهذه الميزة، فما جدوى التنافس بين الدول بدلا من محاولة حل مشكلات العالم الحقيقي بواسطة الذكاء الاصطناعي.

وتعد مسألة التنافس بين الدول والأمم في مجال الذكاء الاصطناعي وسيلة قوية في يد رجال السياسة للترويج لأهمية الاستثمار الحكومي في هذا المجال واستصدار تشريعات مؤيدة لهذه الصناعة. فالتهديد الصيني للريادة الأميركية في مجال تكنولوجيا المعلومات يتصدر تفكير مؤسسة السياسة في أميركا وفي دول أخرى صناعية كبرى مثل ألمانيا وفرنسا لا تريد أن تتأخر كثيرا في السباق بين الشركات الناشئة في الولايات المتحدة والصين. لكن في الحقيقة، فإن الذكاء الاصطناعي، مثل أي تكنولوجيا أخرى تعتمد على قوة العقل والمعرفة بدلا من الموارد التي يصعب الحصول عليها، سيخدم الأنظمة الديمقراطية والأوتوقراطية على حد سواء، وكذلك سيساعد سلاسل التجارة والجيوش والبنوك وشبكات التواصل الاجتماعي في أوروبا وكذلك في أمريكا وآسيا، فهو جزء من تقدم العالم وليس شيئا ما تستطيع أي دولة أن تستأثر به وتستخدمه لتحقيق السيادة. كما أن فكرة التفوق على الآخر في هذا المجال تبدو سخيفة إلى حد ما، ومن الأجدر برجال السياسة التركيز على الكيفية التي يمكن أن يساعد بها الذكاء الاصطناعي في تحقيق أهداف تكنولوجية أو اجتماعية معينة بدلا من القلق بشأن المكاسب الجيوسياسية التي يمكن أن تحققها هذه التقنية.

Artificial Intelligence: How realistic is the claim that AI will change our  lives?

اترك رد

Your email address will not be published.