بين الحرية والهيمنة.. هل تُلغى قوانين الملكية الفكرية في عصر الذكاء الاصطناعي؟

بين الحرية والهيمنة.. هل تُلغى قوانين الملكية الفكرية في عصر الذكاء الاصطناعي؟

AI بالعربي – خاص 

عندما نشر جاك دورسي، مؤسس “تويتر”، تغريدة مقتضبة قال فيها: “احذفوا كل قوانين الملكية الفكرية”، ورد عليه إيلون ماسك مؤيدًا، لم تكن المسألة مجرد مزحة بين رمزين من رموز وادي السيليكون، بل تجلت خلف تلك الكلمات الموجزة معركة فكرية حقيقية حول مستقبل المعرفة والابتكار.

الردود التي تلت تلك التغريدة كشفت انقسامًا عميقًا: هل نفتح المجال لعالم تشاركي مفتوح المصدر؟ أم نتمسك بحماية الإبداع الفردي عبر تشريعات راسخة؟ وهل الهدف هو تمكين البشرية أم تسليع الإبداع لصالح شركات التكنولوجيا الكبرى؟

الموهبة إنسانية.. والربح للشركات

تعتمد نماذج الذكاء الاصطناعي الحديثة على كميات هائلة من البيانات التي أنتجها البشر: مقالات، روايات، موسيقى، صور، وفيديوهات. كل هذا يُستخدم في عمليات تدريب النماذج دون إذن مباشر في كثير من الحالات، ما يطرح سؤالًا حرجًا: هل من العدل أن يُبنى المستقبل الرقمي على أعمال سابقة لم يُعوض أصحابها؟

بحسب دراسة نشرتها جاعة كرونيل بعنوان “تدريب الذكاء الاصطناعي التوليدي وقانون حقوق النشر” عام 2025، أشارت إلى أن استخدام المحتوى المحمي بحقوق النشر في تدريب النماذج قد يشكل انتهاكًا قانونيًا، حيث أن التدريب يختلف جوهريًا عن الاستثناءات القانونية مثل “الاستخدام العادل” في الولايات المتحدة أو “التنقيب عن النصوص والبيانات” في أوروبا.

من جانبها، صحيفة نيويورك تايمز رفعت دعوى قضائية ضد شركة “OpenAI” و”مايكروسوفت” لاستخدام محتواها دون ترخيص. كما تواجه شركة “Meta” أيضًا دعاوى مماثلة من كتّاب يتهمونها بقرصنة ملايين الكتب في عمليات التدريب، وهو ما وصفه البعض بـ”التعدين الرقمي المجاني” على حساب حقوق المبدعين .

وادي السيليكون.. حرية بلا حدود أم غطاء للاستغلال؟

في ثقافة وادي السيليكون، هناك قناعة شائعة أن التشريعات تعيق الابتكار. أمثال دورسي وماسك يرون أن التحرر من القيود القانونية سيُسرّع التقدم، لكنّ هذه “الحرية” قد تتحول إلى سلاح هيمنة في يد الشركات الكبرى.
فبدون قوانين واضحة، قد تُستخدم بيانات الفنانين والمبرمجين والمصممين كمادة خام، بينما يغيب أي ضمان لتعويضهم. ما يحدث الآن يُشبه سيناريو إزالة الحد الأدنى للأجور في الاقتصاد الرقمي: من سيحمي الفقراء وأصحاب المشاريع الصغيرة من التحول إلى مجرد “بيانات تدريب” مجانية؟

تشريعات متضاربة.. من يكتب قانون المستقبل؟

تحاول دول العالم اللحاق بالتطور التكنولوجي، لكن ردود أفعالها مختلفة. المملكة المتحدة تدرس تقنين حرية استخدام البيانات ما لم يعترض أصحابها صراحة . بينما يتجه الاتحاد الأوروبي لحماية الملكية الفكرية وتقييد استخدام المحتوى الإبداعي في تدريب النماذج .
هذا التباين يخلق واقعًا عالميًا ، يُهدد بجعل قواعد اللعب مختلفة بين الأسواق. والأسوأ أن الغموض التشريعي قد يُستخدم كذريعة لمزيد من الاستغلال.

رغم ما تفيد به المنظمة العالمية للملكية الفكرية‏ التابعة للأم المتخدة “WIPO”، يتزايد إسهام الذكاء الاصطناعي في إحداث تطورات مهمة في مجالي التكنولوجيا والأعمال التجارية. واستعماله في طائفة واسعة من الصناعات ويؤثر على كل جانب من جوانب الإبداع تقريباً. إلَّا أنَّ القلق يتزاد على هذا الجانب ويبقى السؤل التالي:

من يملك المستقبل؟

معركة الملكية الفكرية في عصر الذكاء الاصطناعي ليست مجرد مسألة قانونية، بل هي قضية ثقافية وأخلاقية. إنها صراع بين من يرى في التقنية وسيلة لتحرير البشرية، ومن يستخدمها لتوسيع النفوذ والربح بلا مساءلة.

فإذا كنا نرغب في مستقبل يكرّم الإبداع ويحترم الموهبة، فعلينا ألا نسمح بمحو حقوق المبدعين تحت لافتة “الابتكار”. إن حذف قوانين الملكية الفكرية لا يعني فقط إلغاء عقود، بل قد يُفضي إلى إلغاء جوهر الإنسان كمُبدع وصاحب حق.

اترك رد

Your email address will not be published.