قيادة الاستراتيجية الرقمية.. دليلك نحو إعادة تصور عملك

AI بالعربي – متابعات

يمكن للشركات تجاوز العقبات التقليدية واغتنام الفرص الرقمية لتعزيز النمو والابتكار، من خلال استراتيجيات عملية، لكن لا بد من دليل لذلك؛ من أجل اتضاح الرؤية. هذا ما يقدمه كتاب يعل كخارطة طريق لإعادة تصور الأعمال في العصر الرقمي.

في عالم الأعمال الرقمي المتغير بسرعة، تجد العديد من الشركات صعوبة في مواكبة التحول الرقمي، حتى مع أفضل نواياها واستراتيجياتها. يستعرض “سونيل غوبتا Sunil Gupta”، الأستاذ في جامعة هارفارد، في كتابه “Driving Digital Strategy: A Guide to Reimagining Your Business”، كيف يمكن للشركات تبني التحول الرقمي بفعالية، متجنبين الفخاخ الشائعة مثل إنشاء وحدات رقمية منعزلة، أو إجراء تجارب غير قابلة للتوسع، أو التركيز على التحسينات التشغيلية بدلًا من إعادة تعريف الاستراتيجية.

يقسم الكتاب إلى أربعة أقسام رئيسية، يضم كل منها ثلاثة فصول، ويتناول مواضيع جوهرية ودراسات حالة ملهمة، حول كيفية إعادة تصور الأعمال، إعادة تقييم سلسلة القيمة، إعادة التواصل مع العملاء، وإعادة بناء التنظيم الداخلي للشركة.

القسم الأول: إعادة تصور الأعمال

مع تسارع التحول الرقمي، لم تعد الشركات قادرة على الاعتماد على الأساليب التقليدية في تقديم القيمة للعملاء. يوضح سونيل غوبتا في هذا القسم أن نجاح الشركات الحديثة لا يعتمد فقط على المنتجات، بل على فهم أعمق لاحتياجات العملاء وبناء نماذج أعمال تتمحور حولهم. من خلال تحليل شركات رائدة مثل “أمازون ونتفليكس وأوبر”، يبرز الكتاب أهمية تحليل البيانات، تطوير البنية التحتية اللوجستية، وإنشاء أنظمة متكاملة من الخدمات لزيادة ولاء العملاء وتعزيز ميزة تنافسية طويلة الأمد.

كتاب “Driving Digital Strategy: A Guide to Reimagining Your Business” يستعرض في قسمه الأول كيف غيرت الشركات الكبرى نماذج أعمالها لتتماشى مع التوجهات الرقمية، مثل تحول الصحافة من نموذج الإعلانات إلى الاشتراكات المدفوعة “نيويورك تايمز”، واعتماد العلامات التجارية على تقديم الخدمات بدلاً من المنتجات التقليدية. كما يسلط الضوء على استراتيجيات التسعير الديناميكي وكيفية استخدام البيانات لتوقع سلوك العملاء وتعظيم الأرباح. هذه التغييرات توضح أن البقاء في السوق لم يعد مرتبطًا فقط بمنتج قوي، بل بنموذج عمل ذكي قادر على التطور والتكيف بسرعة.

يركز الكتاب أيضًا على أهمية بناء منصات رقمية مفتوحة تتيح للشركات التعاون مع أطراف خارجية، مما يسرّع النمو ويعزز الابتكار. يقدم أمثلة مثل شركة “Gelato” التي أحدثت ثورة في قطاع الطباعة، ونماذج مثل Google Nest وGE Predix التي توفر منصات صناعية تعتمد على البيانات والتحليلات المتقدمة. مع ذلك، يشير الكاتب إلى التحديات التي تواجه هذه المنصات، مثل التحكم في جودة المنتجات والخدمات، إدارة الحوكمة، والتوسع العالمي، مما يتطلب استراتيجية واضحة لضمان النجاح والاستدامة في بيئة الأعمال الرقمية.

القسم الثاني: إعادة تقييم سلسلة القيمة

في عالم الابتكار السريع، لم يعد البحث والتطوير مقتصرًا على الفرق الداخلية في الشركات، بل أصبح الابتكار المفتوح أداة قوية لحل المشكلات وتقديم حلول أكثر كفاءة. يوضح الكتاب كيف تمكنت ناسا من تحقيق نتائج مذهلة من خلال طرح تحدياتها للجمهور، حيث تفوقت الحلول الخارجية على تلك التي طورتها فرقها الداخلية. هذا الاتجاه يعكس أهمية الاستفادة من العقول الجماعية والمنصات المفتوحة لتعزيز الإبداع وتحقيق قفزات نوعية في تطوير المنتجات والخدمات.

أدى التحول الرقمي إلى ثورة في التصنيع والإنتاج، حيث أصبحت الأتمتة، الاتصال بين الأجهزة، والصيانة التنبؤية مكونات أساسية في الصناعة الحديثة أو “Industry 4.0” يناقش الكتاب كيف ساعدت هذه التقنيات شركات مثل سامسونج على تحسين جودة منتجاتها بعد أزمة انفجار بطاريات Note 7، وكيف ساهمت الطباعة ثلاثية الأبعاد والواقع الافتراضي والمعزز في تحسين كفاءة الإنتاج والصيانة في كبرى المصانع. هذه التقنيات لم تعد مجرد تحسينات تشغيلية، بل أصبحت جزءًا أساسيًا من الاستراتيجية التنافسية للشركات في العصر الرقمي.

يستعرض الكتاب أيضًا استراتيجية القنوات المتكاملة “Omnichannel”، التي تتيح للشركات تحقيق التكامل بين قنوات البيع التقليدية والرقمية دون حدوث تعارض. يوضح أمثلة مثل نجاح أمازون وديزني في تعزيز وجودهما الرقمي مع الحفاظ على تجربة العملاء الفريدة في المتاجر الفعلية، وكيف استخدمت مؤسسة مثل “Red Roof Inn” الإعلانات الذكية لاستهداف المسافرين الذين أُلغيت رحلاتهم، مما زاد من حجوزاتها بشكل كبير. كما يناقش الكتاب التحديات التي تواجه العلامات التجارية الفاخرة عند دخولها السوق الرقمية، مثل حماية هويتها وصورتها الفريدة وسط التنافس الشديد في التجارة الإلكترونية.

القسم الثالث: إعادة التواصل مع العملاء

في بيئة الأعمال المتغيرة، لم يعد النجاح يعتمد فقط على جذب عدد كبير من العملاء، بل على استقطاب العملاء المناسبين ذوي القيمة العالية. يطرح سونيل غوبتا مفهوم “قاعدة 200-20″، التي توضح أن أفضل 20% من العملاء يمكنهم تحقيق 200% من الأرباح، في حين أن بعض العملاء قد يتسببون في خسائر أكثر من العائدات التي يجلبونها. لذا، يوصي الكاتب بتركيز الشركات على استراتيجيات استقطاب العملاء بناءً على الإنفاق المتوقع وقيمة العميل على المدى الطويل، بدلاً من الانشغال بزيادة أعداد العملاء فقط.

في القسم الثالث من الكتاب، بدلًا من الاعتماد على الإعلانات التقليدية التي أصبحت أقل فاعلية، يناقش الكتاب كيف يمكن للشركات إشراك العملاء بطرق أكثر تفاعلية وجاذبية. يقدم غوبتا أمثلة على أساليب تسويقية غير تقليدية، مثل تجربة تيسكو في كوريا الجنوبية التي حولت محطات المترو إلى متاجر افتراضية، مما مكّن العملاء من التسوق أثناء انتظار القطار. كما يبرز استخدام Unilever لمنصة ترفيهية للوصول إلى العملاء في المناطق الريفية في الهند. إضافة إلى ذلك، يستعرض مفهوم التسويق القائم على اللحظات (Micro-moments)، حيث تعتمد الشركات على تحليل البيانات في الوقت الفعلي للتفاعل مع العملاء في اللحظة المناسبة، مما يزيد من احتمالية اتخاذ قرارات الشراء.

كيفية قياس وتحسين الإنفاق التسويقي

أحد أكبر التحديات التي تواجه الشركات في العصر الرقمي هو قياس العائد الفعلي للاستثمار في التسويق. يوضح غوبتا كيف أن بعض المؤشرات الرقمية، مثل عدد الإعجابات على فيسبوك، لا تعكس بالضرورة قرارات الشراء الفعلية. لذا، يوصي باستخدام اختبارات A/B والتجارب العشوائية لقياس فعالية الحملات التسويقية بدقة. كما يناقش أمثلة من “eBay” و“Facebook Lift” حول تأثير الإعلانات عبر القنوات المختلفة، مشيرًا إلى أهمية تبني نهج يعتمد على البيانات لتحسين الإنفاق التسويقي وتعزيز العائد على الاستثمار.

إعادة بناء التنظيم الداخلي لمواكبة التحول الرقمي

لم يعد التحول الرقمي مجرد إضافة جديدة إلى نموذج الأعمال، بل أصبح ضرورة للبقاء في السوق. يناقش الكتاب كيف يمكن للشركات التقليدية تنفيذ التحول الرقمي بنجاح، مستعرضًا أمثلة مثل تحول نيويورك تايمز من الإعلانات إلى الاشتراكات المدفوعة، وكيف تمكنت Adobe من التحول إلى نموذج الاشتراكات رغم المقاومة الأولية من المستخدمين. كما يطرح الكاتب استراتيجيات مختلفة للتحول، متسائلًا ما إذا كان الأفضل تنفيذ التحول الرقمي بشكل تدريجي أم سريع، مع إبراز مزايا وتحديات كل نهج.

تنظيم الابتكار وإدارة المواهب في العصر الرقمي

في نهاية الكتاب لضمان نجاح التحول الرقمي، تحتاج الشركات إلى بنية تنظيمية تدعم الابتكار، يتم تسليط الضوء على على كيفية إنشاء وحدات ابتكار داخلية مثلما فعلت “Mastercard” و“Goldman Sachs” عبر إطلاق مشاريع رقمية مثل Marcus وSIMON. كما يناقش الكتاب كيف تغيرت متطلبات التوظيف في العصر الرقمي، حيث لم تعد الشهادات الجامعية العامل الأساسي لتقييم المهارات، بل أصبح تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي أدوات رئيسية في اختيار المواهب. بالإضافة إلى ذلك، يستعرض كيفية استخدام الشركات للتحليلات المتقدمة للتنبؤ بمعدلات دوران الموظفين، وتقليل فقدان الكفاءات، وتعزيز بيئة العمل الرقمية لضمان الاستدامة والتطور.

التحول الرقمي هو المستقبل.. لكنه يحتاج إلى استراتيجية متكاملة

يقدم كتاب “Driving Digital Strategy: A Guide to Reimagining Your Business” دليلًا عمليًا لفهم كيفية تنفيذ التحول الرقمي في الشركات، مع التركيز على الجوانب الاستراتيجية والتشغيلية والابتكارية. من خلال دراسات حالة قوية وتحليلات دقيقة، يوضح غوبتا أن النجاح الرقمي لا يتعلق فقط بالتكنولوجيا، بل بكيفية تكييف الأعمال والاستراتيجيات والمهارات لتحقيق ميزة تنافسية دائمة.

ختامًا، إذا كنت مسؤولًا تنفيذيًا، رائد أعمال، أو باحثًا عن فهم أعمق لكيفية قيادة التحول الرقمي، فهذا الكتاب هو دليلك الشامل لإعادة تصور عملك في العصر الرقمي.

اترك رد

Your email address will not be published.