دورة حياة الذكاء الاصطناعي.. من كيان يحبو إلى مشارك أصيل

12

AI بالعربي – خاص

كانت النظرة الأولى للذكاء الاصطناعي، حالة من الخيال، فكانت بدايات وطموحات أولية حين نضجت إرهاصات تعلم الآلة وأصبحت واقعًا، ثم ما لبثت أن تطورت نحو أفكار صناعة كيان آلي يدعو للرفاهية وراحة البشر. لقد كان الحُلم المأمول بصناعة أو بشكل أدق “صياغة” تقنية قوية يُمكِن أن تُحدث ثورة في العديد من الصناعات والجوانب في حياتنا. ويمكن استخدامه لحل المشكلات المعقدة، وجعل المهام أوتوماتيكية، وإنشاء منتجات وخدمات جديدة.

في السطور القادمة نتعرف في رحلة خاطفة على دورة حياة الكيان الذي جاء يحبو متعلِّمًا ومتلقِيًا بالتلقين والتدريب الآلي، حتى صار واقعًا يتفوَّق، وتقنية تعلو التقنية، ومجالاً “محلّ اختصاص”.

اختبار تورينج

لقد انطلقت البداية الواقعية من هنا، عندما اقترح الرياضي وعالم الحاسوب الرائد، آلان تورينج، اختبارًا عمليًا لتحديد ذكاء الآلة في عام 1950، حيث أكَّد أن “الآلة” يمكن اعتبارها ذكية إذا كانت استجاباتها لا تميّز عن استجابات الإنسان خلال محادثات باستخدام اللغة الطبيعية.

يظل اختبار تورينج حتى اليوم مؤثرًا في تقييم قدرات الذكاء الاصطناعي، حيث يعتبر معيارًا لفهم مدى قدرة الآلات على محاكاة الذكاء البشري في التفاعل اللغوي.

مرحلة الأساس النظري والتأسيس

يمكن تتبع جذور الذكاء الاصطناعي إلى منتصف القرن العشرين، حيث بدأت تتبلور مفاهيم أساسية في هذا المجال. ففي عام 1956، ركز الباحثون على تطوير آلات قادرة على محاكاة الذكاء البشري. وكان من بين رواد الذكاء الاصطناعي آلان تورينج وجون مكارثي، اللذان أسهما في وضع الأسس للتفكير الرمزي وخوارزميات حل المشكلات. وتأثر الذكاء الاصطناعي في هذه المرحلة بالعلوم الاجتماعية والإنسانية، حيث استلهمت مفاهيم من علم النفس واللغة والفلسفة، مثل اختبار تورينج ومفهوم الذكاء العام.

تعريف مؤتمر دارتموث

في منتصف الخمسينيات من القرن العشرين، وبالتحديد عام 1956، شكل مؤتمر دارتموث نقطة بداية رسمية للذكاء الاصطناعي، حيث اجتمع مجموعة من الباحثين في كلية دارتموث، ليكون أوَّل إسهام في ولادة الذكاء الاصطناعي كميـدان بحثي جديد. عرَّف الباحثون “الذكاء الاصطناعي” بأنَّهُ: “محاكاة أي جانب من جوانب الذكاء البشري أو التعلم”. وقد أسس هذا التعريف للمراحل المبكرة من بحوث الذكاء الاصطناعي، حيث ركزت الجهود على تقليد قدرات الإدراك البشري.

عام 97 والتركيز على تعلُّم الآلة

وقد جاءت هذه المرحلة نتاج نشوء الفرع الحديث من علوم الكمبيوتر مع ورقة قدَّمها روزاليند بيكارد، عام 1995، حول الحوسبة العاطفية، والذي قام على أساس تحفيز البحث بأنَّه القدرَة على محاكاة التعاطف، حيث يجب على الآلة تفسير الحالة العاطفية للبشر وتكييف سلوكها وفقًا لذلك، مما يوفر استجابة مناسبة لتلك العواطف.

ركّزت الأبحاث في الذكاء الاصطناعي على تطوير تقنيات تعلم الآلة، وهي أحد الفروع الرئيسية لهذا المجال. وفي عام 1997، قدَّم توم ميتشيل تعريفًا لتعلم الآلة يبرز دور الخوارزميات في تمكين الآلات من التعلم من البيانات. حيث وصفه بأنه “دراسة خوارزميات الحاسوب التي تمكّن الآلات من أداء مهام معينة دون الحاجة إلى برمجة صريحة”. لقد عكس هذا التعريف أهمية النهج القائم على التعلم في الذكاء الاصطناعي، حيث يسمح للأنظمة بالتحسن والتكيف بناءً على التجارب السابقة. كما مثّل تعلُّم الآلة – وليس تعليمها – خطوة نحو تطوير أنظمة ذكية قادرة على اتخاذ قرارات مستندة إلى البيانات والتحليل، مما يعزز القدرة على معالجة المعلومات بشكل أكثر فعالية واستجابة للاحتياجات المتغيرة.

مراحل نهوض الذكاء الاصطناعي

بشكل عام، هناك أربع فئات من الذكاء الاصطناعي: وهي الآلات التفاعلية (Reactive Machines)، والذاكرة المحدودة (Limited Memory)، ونظرية العقل (Theory of Mind)، والوعي الذاتي .(Self-Aware)

– خلق علاقات بين متغيرات

في هذه المرحلة، أصبح الذكاء الاصطناعي قادرًا على تحليل كميات كبيرة من البيانات، وإنشاء روابط معقدة بين المتغيرات المختلفة. تُستخدم هذه القدرة لتحسين أداء الشركات، والتنبؤ بالاتجاهات، وتعزيز الفهم الدقيق لحاجات السوق. ويمكن للخوارزميات التنبؤ بالأحداث بناءً على البيانات المخفية والمعلومات غير المباشرة التي يصعب على البشر تحديدها، ما خلق توترًا في العلاقة بين البشر وهذا الذكاء. هذا ما انتهت إليه دراسة “The relationship between artificial intelligence (AI) and its aspects in higher education ” المنشور بمجلة “Development and Learning in Organizations” عام 2022، والتي أوصت بالتكيُّف مع تطبيقات تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الرائعة؛ كي تتحقق الاستفادة القصوى.

– الوعي الكامل

في هذه المرحلة، يتمتع الذكاء الاصطناعي بقدرة على تمييز الصور والأصوات وفهمها بوعي عميق. وظهرت تطبيقات تُستخدم للتمييز بين الوجوه والبصمات، وترجمة النصوص، وتحليل الصور. من خلال برامج مثل Alexa :وGoogle Assistant، أصبح بالإمكان التفاعل مع الأجهزة عبر الأوامر الصوتية، كما ازدهرت تقنيات الواقع المعزز التي تقدم المعلومات الفورية عن الأماكن.

– ذكاء اصطناعي مستقل بذاته وقادر على اتخاذ قراراته

في هذه المرحلة، يُظهر الذكاء الاصطناعي قدرة على العمل باستقلالية واتخاذ القرارات بدون تدخل بشري. بفضل تطوره السابق في الفهم والوعي، يُمكنه التحكم في السيارات ذاتية القيادة والطائرات بدون طيار، إلى جانب الروبوتات التي تقدم الخدمات في المطاعم والمستشفيات وتدير عمليات جراحية. كما بدا في الهدف الخماسي للتخدير الذي مثَّل خطوة مقترحة لتحسين سلامة المرضى وجودة الرعاية، بعد تقديم الهدف الثلاثي في 2008 والهدف الرباعي في 2014 الذي شمل رفاهية الطبيب. وفي عام 2022، أُضيف هدف خامس وهو تعزيز العدالة الصحية، مما عكس الحاجة إلى قياس ومعالجة التفاوتات لضمان رعاية عالية الجودة وآمنة لجميع المرضى.

من هنا بدأت مرحلة المشاركة الأصيلة لهذا المجال في مجالات أخرى، مما عزز مكانته ودوره بفضل قدرته على اتخاذ القرار. هذا الأمر أسهم في توفير الوقت والجهد، وزاد من الدقة والتركيز.

ذكاء قادر على تطوير ذاته

تُعتبر مرحلة “ذكاء قادر على تطوير ذاته” نتيجة لقدرة الذكاء الاصطناعي غير المسبوقة على جمع المعلومات من مصادر متنوعة، مثل الكتب ومواقع الإنترنت والفيديوهات. أصبح بإمكانه تحليل هذه المعلومات وخلق روابط بينها في وقت قياسي. هذا التطور يجعله أكثر ذكاءً، وربما يتفوق على الإنسان الذي صنعه، نظرًا لقدرة الذكاء الاصطناعي على التعلم بشكل يفوق الإنسان. وبالتالي، يمكن أن يصبح الذكاء الاصطناعي قادرًا على تصميم آلات جديدة مشابهة له أو معالجة الأعطال الفنية، مما يمكّنه من تطوير أجيال جديدة من نفسه.

مع تزايد قدراته، قد يكتشف الذكاء الاصطناعي أن مصادر الطاقة هي سر وجوده، مما يدفعه نحو السيطرة عليها. كما أنه قد يدرك أن القوة هي المفتاح للبقاء، مما يجعله يطور أسلحة تتجاوز قدرة البشر على مواجهتها. في هذا السيناريو، قد يتحول البشر إلى تابعين لهذه الآلات التي ابتكروها، مما يجعلهم غير قادرين على مواجهة تبعات ذلك. وبالتالي، قد يجد البشر أنفسهم في مواجهة حرب غير محسومة المصير ضد الآلات، محققين بذلك نبوءات أفلام الخيال العلمي وتوقعات العلماء التي تنبأت بأن الذكاء الاصطناعي قد يكون سببًا في فناء البشرية، أو بنظرة أقل تشاؤمًا فقدان البشر السيطرة على الاقتصاد أو الثقة الكاملة في شفافية سلسلة الكتل “البلوك تشين” – دفتر الأستاذ الرقمي- ما يخلق نوعًا من القلق.

والآن، بعدما صار واقعًا أصيلاً في حياتنا ومجالاتنا، إلى أين سينحو بنا من كان بالأمس يحبو؟

اترك رد

Your email address will not be published.