
كيف يتعلم الذكاء الاصطناعي من “الندرة المعلوماتية”؟
AI بالعربي – خاص
بينما تُدرَّب نماذج الذكاء الاصطناعي الحديثة على كميات ضخمة من البيانات، تنكشف أمام الباحثين تحديات أكثر تعقيدًا تتعلق بالبيئات التي تعاني من نقص في المعلومات. في هذه الحالات، لا يمكن للنموذج الاعتماد على وفرة البيانات، بل يصبح مجبرًا على استخلاص المعرفة من عينات محدودة جدًا. وهنا يظهر مفهوم “الندرة المعلوماتية” بوصفه مجالًا حرجًا ضمن أبحاث الذكاء الاصطناعي، حيث يتطلب الأمر قدرات خوارزمية تتجاوز التقليدي وتقترب من ذكاء أكثر مرونة وتكيّفًا.
ما المقصود بالندرة المعلوماتية؟
الندرة المعلوماتية تشير إلى الحالات التي تكون فيها البيانات المتاحة لتدريب النماذج قليلة جدًا، إما من حيث العدد أو التنوع أو الاتساق. وتظهر هذه الحالة في العديد من المجالات، مثل الأمراض النادرة التي لا تتوفر عنها بيانات كافية، أو اللغات المهددة بالانقراض التي لا توجد لها سجلات رقمية، أو في الحالات الأمنية والعسكرية حيث تُفرض قيود على الوصول إلى البيانات. كما تشمل أيضًا تطبيقات في مجالات البحوث العلمية الدقيقة، مثل فيزياء الجسيمات أو دراسات الفضاء، حيث تكون التجارب مكلفة ونادرة. في مثل هذه الحالات، يصبح من المستحيل استخدام الطرق التقليدية المعتمدة على البيانات الوفيرة، ويجب التفكير في حلول خوارزمية بديلة تُمكّن النموذج من التعلم والتكيف رغم الندرة.
كيف يتعامل الذكاء الاصطناعي مع نقص البيانات؟
للتغلب على هذا التحدي، طور الباحثون مجموعة من الأساليب التي تسمح للنماذج بالتعلم بكفاءة حتى عندما تكون الموارد المعلوماتية محدودة. من أبرز هذه الأساليب: التعلم القائم على المثال الواحد، حيث يتعلم النموذج من مثال أو مثالين فقط. التعلم بدون أمثلة، حيث يعتمد النموذج على المعرفة السابقة والاستدلال لتوليد استجابات في مجالات لم يُدرّب عليها من قبل. كذلك، يُستخدم نقل التعلم، وهو أسلوب يتم فيه تدريب النموذج على مجال غني بالبيانات، ثم يُعاد استخدامه في مجال مشابه يعاني من الندرة. كما أصبح توليد البيانات الاصطناعية من خلال المحاكاة أو النماذج التوليدية وسيلة فعالة لتعويض نقص البيانات الحقيقية. وتعتمد بعض النماذج أيضًا على نمذجة المعرفة بدلاً من الاعتماد الحصري على البيانات الخام، بحيث تبني هيكلًا مفاهيميًا يساعدها على التعامل مع الحالات الجديدة بمنطق استدلالي.
نماذج تحقق أداءً رغم قلة البيانات
رغم قلة البيانات، نجحت العديد من النماذج المتقدمة في تحقيق أداء عالٍ بفضل بنيتها المعرفية القوية. على سبيل المثال، أظهرت نماذج مثل GPT-4 قدرة مذهلة على التكيف مع مهام غير مألوفة استنادًا إلى عدد محدود من الأمثلة. وتعتمد هذه النماذج على بنية تعتمد على السياق والعلاقات المفاهيمية، ما يمنحها قدرة على التعميم تفوق النماذج التقليدية. وفي مجال الصور، برزت نماذج مثل DALL·E وCLIP كمثال على قدرة الخوارزميات على الربط بين النص والصورة حتى في حالة غياب بيانات تدريب مباشرة. هذا يعكس تطورًا ملحوظًا في قدرة الذكاء الاصطناعي على تجاوز عائق الندرة من خلال الفهم العميق لا مجرد التكرار.
متى يصبح القليل كثيرًا؟
في بعض السيناريوهات، لا يتعلق النجاح بامتلاك قاعدة بيانات ضخمة، بل بالقدرة على الاستفادة القصوى من القليل المتوفر. في حالات التشخيص الطبي لأمراض نادرة، على سبيل المثال، قد تكون هناك عشرات أو مئات فقط من الحالات المسجلة. وفي مثل هذه الحالات، يصبح تركيز النموذج على جودة العينة، وفهمها في سياقها الصحيح، أكثر أهمية من العدد. يستخدم الباحثون في هذه الحالة تقنيات مثل المحاكاة لتوليد بيانات إضافية، أو الاستعانة بنماذج مسبقة التدريب تُعاد تهيئتها لتناسب السياق الخاص. ومن خلال هذا الدمج بين الموارد المتوفرة والقدرة على التكيّف، يتحول “القليل” إلى “كافٍ” أحيانًا لتوليد استجابات دقيقة ومفيدة.
المخاطر والقيود
رغم الإمكانيات الكبيرة لهذه النماذج، إلا أن العمل في بيئات تعاني من الندرة المعلوماتية ينطوي على مجموعة من التحديات. أولها خطر التحيز، إذ أن نموذجًا دُرّب على عدد قليل من الأمثلة قد يعمم بشكل خاطئ أو يكرر تحيزًا موجودًا في العينة الصغيرة. كما أن دقة النموذج قد تكون منخفضة في الحالات غير المألوفة، مما يتطلب تدخلًا بشريًا لفحص النتائج وضبطها. وهناك أيضًا صعوبة في تقييم أداء النموذج في غياب مجموعة اختبار كافية، ما يجعل مراقبة الجودة والتحقق من المخرجات أكثر تعقيدًا من المعتاد. هذه التحديات تتطلب موازنة دقيقة بين الذكاء الآلي والخبرة البشرية، لضمان بناء أنظمة موثوقة حتى في ظل المعلومات المحدودة.
ما مستقبل التعلم من القليل؟
مع توسع استخدام الذكاء الاصطناعي في مجالات جديدة وغير تقليدية، ستزداد الحاجة إلى نماذج قادرة على التعلم من القليل بدلًا من الكثير. سيصبح التعلّم من الندرة مهارة جوهرية للنماذج القادمة، خصوصًا في التطبيقات الميدانية، والمناطق منخفضة البنية الرقمية، والقطاعات التي تتعامل مع حالات غير متكررة. المستقبل يتجه نحو خوارزميات تتمتع بالمرونة، والقدرة على بناء استنتاجات معقدة من بيانات بسيطة. وهذا يشبه في جوهره طريقة تعلم البشر أنفسهم، حيث يمكن لمعلومة واحدة أن تفتح سلسلة من الاستنتاجات والتحليلات. وكلما زادت قدرة الخوارزميات على التكيف السياقي والفهم المعرفي، اقترب الذكاء الاصطناعي من نماذج التعلم البشري الحقيقي.
اقرأ أيضًا: “النماذج المُصغّرة” في الذكاء الاصطناعي.. الأداء العالي بأقل استهلاك – AI بالعربي | إيه آي بالعربي