الذين يؤمنون بقدرة الذكاء الاصطناعي الفائقة، ينطلقون من نظرية فلسفية للعقل تسمى الذكاء الاصطناعي القوي تفترض النظرية أن قدرات الإنسان العقلية مثل الحاسوب مكونة من شقين: البرنامج والعتاد، فالعقل يمثل البرنامج والمخ أو الدماغ يمثل العتاد طبقا لهذا المفهوم، يصبح أي حاسوب إذا توفرت فيه القدرات المناسبة شبيها بعقل الإنسان تماما.

من منطلق نظرية الذكاء الاصطناعي القوي يرى المتحمسون لهذه الفكرة أن قدرات الذكاء الاصطناعي يمكن أن تبلغ قدرات الإنسان وتتفوق عليه. ففي رسالة مفتوحة نشرت الأسبوع الماضي حذر قرابة ألفي خبير من التقدم المتسارع لتطبيقات الذكاء الاصطناعي خصوصا مع بروز تطبيقات الذكاء التوليدي مثل تطبيق الدردشة ChatGPT.

لا يهم إن كان الجهاز مكونا من الخردة وأسطوانات الأكل المعلب، كما يقول الفيلسوف جون سيرل منتقدًا، فإن النظرية تفترض أن وجود البرنامج والعتاد كافٍ لوجود عقل كامل بالمشاعر والوعي والذكاء الذي يملكه الإنسان. العقل حسب هذه النظرية هو نتاج المدخلات والمخرجات وهي فرع من النظرية الفلسفية العقلية المعروفة بالوظائفية.

يرى مناصرو هذه النظرية مثلا، أن بالإمكان تحميل عقل الإنسان بكل ما يملكه من مشاعر وذكريات وإدراكات إلى حاسوب له الهيكل المناسب ليؤدي الأداء نفسه. يتجاهل أصحاب هذه النظرية الجانب البيولوجي للعقل، فلا يرون له تأثيرًا بل يدعي بعضهم مثل هيربت سايمون صاحب نظرية العقلانية المحدودة، أن حاسبات الذكاء الاصطناعي القوي موجودة فعلًا، مدعيًا أنها تفكر كما نفكر تماما.

يعلق جون سيرل على كلام هيربت سايمون ساخرًا: لطالما كان الفلاسفة يشعرون بالقلق لقرون من إمكانية وجود آلات تفكر مثلنا ويا للدهشة ها نحن نكتشف اليوم أنها موجودة في معامل جامعة كارنيجي ميلون. وكما نرى الحماس اليوم للذكاء الاصطناعي في أعلى مستوياته، فقد مر بمراحل مشابهة سابقا ارتفعت فيها التوقعات لمؤشرات ذكاء دعت للتفاؤل والدهشة.

الذكاء الاصطناعي الذي نشهده اليوم ليس ذكاء وليس اصطناعيًا في الوقت نفسه. وعلى الأرجح أن الأمر لن يتغير كثيرًا على المدى الطويل، فلن يتحقق الذكاء بمعناه الكامل كما يؤمن بذلك أصحاب نظرية الذكاء القوي، فهو ذكاء معزز بالذكاء الإنساني في نهاية الأمر. وقد صاغ جون سيرل تجربته الفكرية الشهيرة الغرفة الصينية لدحض النظرية. تؤدي نتيجة التجربة الفكرية إلى أن وجود عقل من النوع التي تصفه النظرية غير ممكن.

وإن كانت التجربة الفكرية هاجمت القدرة الحاسوبية فقط، حيث لم تتعرض لمسألة الوعي، فقد كانت كافية لإيضاح قصورها. على الرغم من وضوح الفكرة التي عبرت عنها التجربة، إلا أن عددا من باحثي الذكاء الاصطناعي، ردا على تجربة سيرل، يرون أن أداء التطبيقات بغض النظر عن فحواه أو منهجيته هو المحك. فلا يهم إن كانت قدرة الحاسب تماثل الإنسان أم لا، ما يهم هو التقدم الذي تحرزه تطبيقاته.

المصدر: الرياض