الذكاء الاصطناعي وموت المؤلف.. من يملك النص الذي كتبه روبوت؟

0

الذكاء الاصطناعي وموت المؤلف.. من يملك النص الذي كتبه روبوت؟

AI بالعربي – خاص

في مشهد ثقافي يتغير بسرعة تحت ضغط التقنيات، يظهر سؤال وجودي جديد يهدد جوهر الإبداع: من هو المؤلف عندما يكون النص قد كُتب بواسطة روبوت؟ هذا السؤال يعيد إحياء النقاش القديم حول “موت المؤلف” لكن في ثوب عصري، حيث لا يتعلق الأمر بتراجع دور الكاتب أمام القارئ، بل بتلاشي المؤلف نفسه لصالح خوارزمية لا تحمل اسمًا ولا وجدانًا.

يعتمد الذكاء الاصطناعي التوليدي على تحليل كميات ضخمة من البيانات اللغوية والنصوص السابقة لإنتاج محتوى يبدو طبيعيًا، متماسكًا، وأحيانًا مبدعًا. غير أن هذه القدرة تضعنا أمام مأزق قانوني وفلسفي وأخلاقي في آن: من يملك هذا النص؟ هل هي الشركة المطورة؟ المستخدم الذي طلبه؟ أم أن النص نفسه بلا مؤلف أصلاً؟

القوانين الحالية في أغلب دول العالم لم تُعدّل بعد لتستوعب هذه الإشكالية. ففي الولايات المتحدة مثلًا، لا يمكن تسجيل حقوق ملكية فكرية لعمل أنتجه كليًا كيان غير بشري. أما في أوروبا، فالنقاش لا يزال محتدمًا حول ضرورة خلق تصنيف جديد يضمن حماية الأعمال الناتجة عن الذكاء الاصطناعي، دون أن يمنحها نفس الاعتراف القانوني الذي يُمنح للعمل البشري.

المعضلة تزداد تعقيدًا حين يُعاد استخدام هذه النصوص في الصحافة، التعليم، أو حتى في صناعة الكتب. فإذا نشر ناشر عملًا كُتب بواسطة ذكاء اصطناعي دون الإفصاح عن ذلك، فهل يُعد ذلك تضليلًا؟ وإذا عدّل الإنسان في النص جزئيًا، فهل يصبح هو المؤلف؟ أم مجرد محرر لتصورات آلة؟ إننا أمام منطقة رمادية تهدد بإعادة تعريف معنى الكتابة برمتها.

المفارقة أن هذه الإشكالية لا تنفصل عن تاريخ الثقافة الحديثة، فقد تنبأ رولان بارت بـ”موت المؤلف” قبل عقود، حين أكد أن سلطة المعنى لا تعود إلى نية الكاتب، بل إلى القارئ الذي يتفاعل مع النص. واليوم، مع دخول الذكاء الاصطناعي على الخط، يبدو أن المؤلف لم يمت فقط بوصفه مرجعًا، بل اختفى كوجود فعلي أيضًا.

لكن هذا الغياب لا يخلو من تبعات خطيرة، أبرزها اختفاء المسؤولية. فإذا كان النص غير موقع، وغير مرتبط بذات بشرية، فمن يُحاسَب على ما فيه من تحامل أو تضليل؟ ومن يتحمل أخطاء المعلومات أو تحريف الحقائق؟ الذكاء الاصطناعي لا يُقاضى، ولا يخجل، ولا يعتذر. وهو بذلك يُربك منظومة القيم التي تربط الإبداع بالضمير، والكتابة بالمسؤولية.

وفي ظل تسارع استخدام الذكاء الاصطناعي في تحرير الأخبار، كتابة القصص، أو حتى صياغة الكتب، يصبح من الضروري إعادة تعريف العلاقة بين المؤلف والنص، ليس فقط من منظور الحقوق، بل من منظور المعنى والقيمة والنية. فهل نعيش بداية عصر “النص بلا مؤلف”؟ وهل سيظل للكاتب البشري مكانٌ في منظومة إنتاج معرفي تقودها الخوارزميات؟

اقرأ أيضًا: الذكاء الاصطناعي والدعم النفسي.. حل رقمي أم خطر خفي؟

اترك رد

Your email address will not be published.