وكالة الذكاء الاصطناعي الجامعية
محمد الأحمدي
منذ أن ظهرت الرغبة في اكتشاف مَلَكة الذكاء الإنساني، ومحاكاة هذه القدرة البشرية وتحويلها إلى نظام ترميزي يسمى بذكاء الآلة، وهذا الإنسان يلهم العلماء من بني جلدته لاكتشاف أسرار الإعجاز التكويني التي استودعها الله فيه.
وسبق ذلك، فكرة تحويل الجمادات إلى كائنات تفاعلية ذكية تتحدى القدرة العقلية البشرية. واستطاعت هذه الأفكار أن تلعب الشطرنج على الجهة المقابلة للإنسان، وتتفوق عليه من خلال خوارزميات قراءة السلوك. فهذه القدرة في التعلم، والتفكير المنطقي، والتحليل والربط، والاستنتاج، والتواصل، واتخاذ القرار مكنت للذكاء الاصطناعي أن يصبح شريكا مع الإنسان فيها. لكن يبقى بأنه ليس بديلا للإنسان بقدر ما هو رافع لكفاءته وتزويده بطرية جديدة للتفكير واتخاذ القرار.
لم يكن اكتشاف الآلة الحاسبة، وإثبات قدرتها على حل المشاكل الرياضية بطريقة آلية إلا بداية ميكنة الذكاء الإنساني. وهذا الاكتشاف من الأسباب التي مكنت عالم الرياضيات البريطاني ألن تورينج من فك شيفرات اتصالات الجنود الألمان في الحرب العالمية الثانية لدرجة جعلت البريطانيين يعتقدون بأن دوره ساهم في تقليل مدة الحرب إلى عامين نتيجة اعتراض 3000 رسالة مشفرة، بتقنية بسيطة قبل ثورة الذكاء الاصطناعي الحديثة في أجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة.
اليوم الذكاء الاصطناعي أصبح شريك العقل البشري، ولذا من الضروري عقد شراكة بين الجامعات والذكاء الاصطناعي في إدارة محتوياتها، وتنظيم خدماتها الأكاديمية، وتعليمه قواعد الاستنتاج بناء على المعلومات، لترتقي بجودة المخرجات التعليمية، واتخاذ القرارات المناسبة بناء على معلومة دقيقة، وحل المشاكل المتراكمة والمتكررة، وتحديث منظومة القياس والتقويم، وترشيد الموارد، ورفع الجودة الشاملة.
بالإضافة إلى تفعيل صلتها بمحيطها، وترابطها ارتباطا مباشرا بالتطورات العالمية، والتقارب مع سوق العمل، والثورات العلمية المتزايدة حتى لا تبقى ذات يوم ذكرى في معرض تراث القرن الحادي والعشرين. والأهم من ذلك، تطوير قيادات بشرية تتعامل مع تقنيات المستقبل.
الذكاء الاصطناعي لم يعد أمرا معجزا كم كان في الستينات، بل حقيقة واقعية تقدم الخدمة الملموسة والدقيقة لمختلف القطاعات الصناعية والزراعية والأمنية والخدمية. وهذا لا يمنع المؤسسة الأكاديمية من استغلال جوانب القوة فيه في خدمة أهدافها المتعددة. على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي ليس العصا السحرية للإبداع فهو نتيجة التفكير الإنساني، ولكنه السحر في تسهيل كثير من المهام المعقدة أو المكررة التي تكلف الإنسان الطاقة البشرية العالية، وتصرف تفكيره وجهده عن الإبداع المنشود.
يقدم إحلال الذكاء الاصطناعي في كثير من المهام المتعلقة بالجامعة خدمات أفضل لعضو هيئة التدريس، وللطالب، وللزائر، ولصاحب القرار. ويحقق الجودة والدقة في الاحتفاظ بسجلات العمل، وتقديم التقارير التفصيلية، وتصنيف الفئات المستهدفة، ومعرفة الأزمنة التي يفضلون الحصول على الخدمة فيها، والتنبؤ بانخفاض المؤشرات التعليمية للطلاب، ومؤشرات الجمود الأكاديمي لعضو هيئة التدريس، وتوجيه التعليم. والأهم من مميزات الذكاء الاصطناعي أنه يقدم لصاحب القرار المعلومة الدقيقة بطريقة موضوعية وسريعة تجعله يتخذ القرار السريع والمناسب لإدارة المؤسسة الأكاديمية بكفاءة.
لقد حققت الأتمتة كثيرا من تسهيل الخدمات، على سبيل المثال: البطاقة الجامعية على بساطتها أصبحت سجلا أكاديميا كاملا لمنتسب الجامعة في الخدمات المخصصة لها. فبمجرد زيارة المنتسب لأي مقر في الجامعة فإنها تسجل زيارته، وتحفظ سجل قراءاته للكتب من المكتبة الجامعية. وبهذا الإجراء البسيط لم يصبح منسوب الجامعة بحاجة لأمين المكتبة، أو حارس المبنى، أو تسجيل حضور وانصراف. فهي عملية روتينية تقوم بها التقنية تلقائيا من خلال البطاقة الذكية، وهذا أدنى تفعيل للتقنية في خدمة الجامعة.
أما إذا فعلت بيانات البطاقة بخدمة الذكاء الاصطناعي فسيصبح التنبؤ بالخدمات المحتاجة للفرد بين يديه دون تفكير منه، ويخدمها في توجيه أحدث العلوم والأبحاث للمنسوبين بمجرد التنبؤ بميولهم العلمي. وهذا يحسن الجودة، ويرفع الأداء، ويحفظ الموارد.
وفي ظل قرار استقلال الجامعات، وتنوع مصادر الدخل، والتنافسية العالمية، فإن الجامعة لا تستغني عن الذكاء الاصطناعي بأي حال من الأحوال، في عالم يسير نحو ذكاء الآلة من الشارع إلى عنان السماء. وآمل ألا يتحول العالم خارج أسوارها للرقمنة وتبقى على حالها الحالي.
وأقترح أن تسعى الجامعات لتشكيل وكالة خاصة بالذكاء الاصطناعي تجمع تحت مظلتها عمادة القبول والتسجيل، وأعضاء هيئة التدريس والموظفين، والتطوير والجودة، وشؤون المكتبات.