هل الذكاء الاصطناعي يعمل على خدمة الإنسان أم استغلاله؟
AI بالعربي – متابعات
وسط تسارع التطورات التكنولوجية ودخول الذكاء الاصطناعي في جميع جوانب الحياة، يبرز كتابان حديثان لاستكشاف هذا التحول: “Feeding the Machine” تغذية الآلة، الذي يتناول الاستغلال البشري الذي يقف خلف بريق التكنولوجيا، و”Co-Intelligence” الذكاء التعاوني، الذي يقدم خارطة طريق لكيفية تعاون الإنسان والآلة لتحسين الإنتاجية والإبداع. الكتابان يمثلان قطبي النقاش حول الذكاء الاصطناعي: استغلاله للبشر أم تمكينهم؟
“تغذية الآلة”.. الجانب المظلم للذكاء الاصطناعي
يجادل مؤلفو الكتاب بأن الذكاء الاصطناعي يعتمد بشكل كبير على جيش من العمال غير المرئيين الذين يُتركون في الظل. في حين ينظر الكثيرون إلى الذكاء الاصطناعي على أنه ثمرة إبداع برمجيات معقدة وعقول مبرمجين، يسلط الكتاب الضوء على الأدوار التي يلعبها عمال مثل مفسري البيانات ومشرفي المحتوى، الذين يعملون غالبًا في ظروف غير إنسانية وأجور متدنية.
أنيتا النموذج الحي
تُبرز القصة الواقعية لـ”أنيتا”، وهي شابة أوغندية حاصلة على شهادة جامعية. أنيتا تقضي يومها في غرفة مظلمة لتصنيف لقطات فيديو لسائقي السيارات، وتحديد علامات إرهاقهم مثل الأكتاف المتراخية أو العيون المغمضة. تحصل على 1.20 دولار فقط في الساعة مقابل هذا العمل المرهق. الكتاب يلفت الانتباه إلى أن قصتها ليست استثناء، بل تمثل شريحة واسعة من العمال في الدول النامية، الذين يشكلون أساس صناعة الذكاء الاصطناعي.
تشبيه الصناعة بالاستعمار
يذهب المؤلفون إلى حد تشبيه صناعة الذكاء الاصطناعي بالاستعمار الحديث. تمامًا كما استغل الاستعمار الموارد الطبيعية والبشرية، يزعم الكتاب أن الذكاء الاصطناعي يعتمد على العمالة الرخيصة في الدول الفقيرة لتحقيق مكاسب مالية ضخمة للشركات التقنية الكبرى.
الانتقادات
رغم التقييم النقدي الدقيق للكتاب، هناك مبالغة واضحة في بعض الأجزاء، مثل الدعوة إلى “تفكيك الآلة” وبناء نموذج جديد بالكامل. هذه الرؤية المتطرفة تتجاهل الإمكانات الهائلة للذكاء الاصطناعي في تحسين خدمات حيوية مثل الرعاية الصحية والطاقة واللوجستيات.
“الذكاء التعاوني”.. الشراكة بين الإنسان والآلة
رؤية إيجابية للذكاء الاصطناعي
في مقابل النظرة القاتمة التي يعرضها “تغذية الآلة”، يقدم “الذكاء التعاوني” نهجًا عمليًا وملهمًا لكيفية استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين حياة البشر. يدعو الكتاب إلى التفكير في الذكاء الاصطناعي كأداة تعزز القدرات البشرية، لا كبديل عنها.
“الحدود المتعرجة” بين الإنسان والآلة
يقدم الكتاب مفهوم “الحدود المتعرجة”، وهو المنطقة التي تتداخل فيها قدرات الإنسان مع قدرات الذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي كتابة نص شعري جميل لكنه قد يفشل في الالتزام بالقيود العددية، مثل إنشاء قصيدة مكونة من 50 كلمة فقط بدقة. هذا التداخل يخلق فرصًا للتعاون بين الإنسان والآلة بدلاً من التنافس.
قواعد استخدام الذكاء الاصطناعي
يحدد الكتاب أربع قواعد أساسية للتعامل مع الذكاء الاصطناعي:
1- دعوة الذكاء الاصطناعي دائمًا إلى الطاولة: أي استخدامه في كل المهام الممكنة.
2- كن الإنسان في الحلقة: استثمر في الذكاء الاصطناعي كمساعد يعزز إنتاجيتك، بدلًا من أن يكون بديلًا لك.
3- حفّز الذكاء الاصطناعي عبر إضفاء شخصية له: من المثير أن الذكاء الاصطناعي يقدم أداءً أفضل إذا طُلب منه تبني شخصية محددة، مثل “خبير استراتيجي” أو “مستشار أعمال”.
4- افترض دائمًا أن هذا هو أسوأ ذكاء اصطناعي ستستخدمه: ركّز على تطوير أساليبك لأن التقنية ستتحسن بمرور الوقت.
إبداع الذكاء الاصطناعي وإنتاجيته
يكشف الكتاب عن دراسات تؤكد أن الذكاء الاصطناعي يعزز الإبداع أكثر من معظم البشر. كما يساعد في تسريع إنجاز المهام وتحسين جودتها، مع التركيز على الفائدة التي يجنيها المستخدمون العاديون أكثر من النخب المهنية.
مقارنة بين الرؤيتين
الأخلاقيات
بينما يشدد “تغذية الآلة” على التحديات الأخلاقية والظروف الصعبة التي يواجهها العمال في صناعة الذكاء الاصطناعي، يركز “الذكاء التعاوني” على إيجاد طرق عملية للتعايش مع التكنولوجيا وتوظيفها لتحسين حياتنا.
الإنتاجية والإبداع
يتناول “تغذية الآلة” تأثير الذكاء الاصطناعي على فرص العمل وتحويل الإنسان إلى ترس صغير في آلة ضخمة. في المقابل، يرى “الذكاء التعاوني” في هذه التقنية أداة للإبداع، قادرة على فتح آفاق جديدة للفكر والابتكار.
منظور المستقبل
رغم الاختلاف الجوهري بين الكتابين، يتفق كلاهما على أن مستقبل الذكاء الاصطناعي يتطلب منا تعلم كيفية استخدامه بحكمة ووعي، سواء كان ذلك من خلال فهم تحدياته الأخلاقية أو استغلال إمكاناته لتعزيز الإنتاجية.
مستقبل الذكاء الاصطناعي.. الحرفيون أم التلاميذ؟
يبقى السؤال الأكبر: هل سيظل البشر هم الحرفيون الرئيسيون الذين يتحكمون في الذكاء الاصطناعي؟ أم سيتحولون إلى تلاميذ يخضعون لإملاءات هذه التقنية؟
بينما يقدم “تغذية الآلة” تحذيرًا صارخًا من الانغماس في هذا العالم دون إدراك تبعاته، يدعو “الذكاء التعاوني” إلى بناء علاقة شراكة متوازنة مع الآلة. في نهاية المطاف، الإجابة على هذا السؤال ليست مسؤولية الذكاء الاصطناعي بل مسؤولية الإنسان نفسه.
قرار اليوم يصنع مستقبل الغد
مع التوسع السريع للذكاء الاصطناعي، يظل التحدي الأكبر هو تحقيق التوازن بين استغلال إمكانياته والحد من تأثيراته السلبية. هل نحن على استعداد لمواجهة هذا التحدي؟ الجواب ليس في الكتابين فحسب، بل في كيفية استجابتنا نحن كأفراد ومجتمعات لهذه الحقبة الجديدة من التاريخ.