هل يصبح الذكاء الاصطناعي “عقيدة” البشر المقبلة؟

29

AI بالعربي – متابعات 

يوماً تلو الآخر تأخذ تطورات قضية الذكاء الاصطناعي، مساحة أوسع في النقاشات المجتمعية، ذلك أن الأمر لم يعد قاصراً على تقاطع وتشارع تلك الذكاءات مع الحياة اليومية والحاجة إلى تكنولوجيات تيسر من حياة الإنسان بل أضحت قريبة إلى حد كبير، من دائرة الأخلاقيات وأصولها ثم الأديان وجذورها.

تبدو النقاشات الدائرة والحائرة في هذا السياق، وكأنها تعود بنا إلى القرون الوسطى، والجدل الصارخ الذي احتل مساحة واسعة من التاريخ، بين العلم والدين وحالة الرفض التي سادت لقرون، قبل أن تجري المقادير بمصالحات تاريخية بين الجانبين، مع ظهور عصور التنوير.

من جديد تطفو على السطح أزمة المواجهة بين التكنولوجيا والأيديولوجيا، بل أكثر من ذلك تظهر فراغات واسعة بين التكنولوجيا بمساراتها ومساقاتها المتطورة يوماً تلو الآخر بسرعة غير متوقعة ولا مسبوقة، والمعطيات الدوغمائية، التي تعد بمثابة الثوابت التي لا يمكن الاقتراب منها، من منطلق أنها مطلقات لا تقبل فلسفة المواءمات، ولا ترتضي قسمة الغرماء.

هل هو زمن صراع العلم متمثلاً في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي من جهة، مع الأيديولوجيات والدوغمائيات من جانب آخر؟

حكماً لا يمكننا عبر هذه السطور القليلة الإلمام الشامل والكامل بكل أبعاد الإشكال الجديد، غير أنها محاولة على الأقل نبغي من ورائها الاقتراب من المشهد قدر المستطاع، وتفكيك بعض من لوغاريتماته إن استطعنا إلى ذلك سبيلاً.

عن العلم والدين… التكنولوجيا والأيديولوجيا

ظهرت إشكالية المواجهة بين العلم والدين في أوروبا القرون الوسطى، بنوع خاص، وعند عديد من القطاعات المجتمعية، جراء رفض الجديد من الأفكار، كما حدث مع الفيزيائي والفيلسوف الإيطالي غاليليو غاليلي، الذي نشر نظرية مركزية الشمس، التي جاء بها كوبرنيكوس ودافع عنها بقوة على أسس فيزيائية.

لزم الكثير من الوقت، قرابة 400 عام لكي تتصالح أوروبا مع ذاتها، وتجد طريقاً للتفريق بين المطلق والنسبي، أي بين ما هو قابل للتفسير بطريقة علمية، وما هو كائن في السماوات العلى، ولا رقيب عليه سوى الضمير الإنساني والعقل البشري، ومن تفاعل العقل مع الحقائق الإيمانية، عرفت الإنسانية العلوم الفقهية أو اللاهوتية، التي لا ينبغي أن تكون متصارعة بالضرورة مع العلوم التي تتطور يوماً تلو الآخر، وبخاصة مع اكتشاف الإنسان لمزيد من الحقائق الكونية.

هل اليوم شبيه بالأمس، والصراع هذه المرة ما بين التكنولوجيا والأيديولوجيا، قبل القفز، على مرحلة مغايرة من المواجهة والمجابهة، التي نتوقع لها أن تكون صدامية بشكل أسوأ مما جرى في القرون الوسطى، بين التكنولوجيا والمذاهب الدينية، توحيدية كانت أو وضعية؟

الحقيقة المؤكدة أن عصر الأيديولوجيا قد ولى وانتهى، وهذا ما قرره عالم الاجتماع الأميركي دانيال بيل صاحب كتاب “نهاية الأيديولوجيا” و”قدوم عصر ما بعد الصناعة” وفرانسيس فوكاياما صاحب كتاب “نهاية التاريخ” و”جان فرانسوا ليوتار” مؤلف كتاب “وضع ما بعد الحداثة”.

هنا التساؤل المثير وربما يكون الخطر أيضاً: هل العلم والتكنولوجيا سيشكلان معاً أيديولوجية القرن الـ21، التي ستتجاوز الشيوعية والرأسمالية، وكل المذاهب التنظيرية الاقتصادية والسياسية التي حفل بها القرن الـ20 ونصف القرن الـ19 الأخير؟

المؤكد أن هناك من تنبه لأهمية هذه القضية من فلاسفة ومفكرين قبل عقود طوال، وقد جاء في مقدمتهم الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر، وفلاسفة مدرسة فرانكفورت لا سيما يورغن هابرماس، أهم علماء الاجتماع والسياسة المعاصرين، عطفاً على عالم الاجتماع الفرنسي جاك إلول.

تقودنا السطور المتقدمة إلى الدخول في عمق هذه القراءة، والتساؤل: هل سيضحى الذكاء الاصطناعي، هو المكافئ الموضوعي للدوغمائيات والأيديولوجيات، دفعة واحدة في العقود القادمة، ما يمكن أن يؤثر على منظومة الأخلاق ومصفوفة الأديان التي عرفتها البشرية حتى الساعة؟

أزولاي… الذكاء الاصطناعي والإنسانية الجديدة

باتت حوارات وأحاديث الذكاء الاصطناعي وتجاذباته وتقاطعاته مع البشرية، في مقدمة اهتمامات المؤسسات الدولية.

لم تكن “يونيسكو” بعيدة عن سياقات النقاش حول علاقة الإنسان، بعالم الذكاء الاصطناعي، وقد وجدنا المديرة العامة لـ”يونيسكو”، أودري أزولاي تحاول وضع خطوط واضحة حول الحدود الإنسانية الجديدة، في عالم يموج بتلك الذكاءات غير الطبيعية.

تقطع أزولاي بأننا نقف عند فجر حقبة جديدة، تعمل الثورة التكنولوجية فيها على تغيير حياتنا بسرعة هائلة، مما يغير بشكل كبير من جميع جوانب الحياة بما في ذلك الأمن والبيئة والبحث والتعليم والصحة والثقافة والتجارة إلى جانب الاستخدام المتزايد التعقيد للبيانات الضخمة.

هل الذكاء الاصطناعي صانع الحدود الجديدة للإنسانية؟

يبدو أن مسؤولة الـ”يونيسكو” تقطع بذلك، وعندها أن الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى شكل جديد من الحضارة الإنسانية، غير أن الأمر موصول بمحددات بحسب قراءتها.

المبدأ التوجيهي الذي تدعمه أزولاي، هو ليس أن يصبح للذكاء الاصطناعي مستقلاً أو يحل محل الذكاء البشري، ولكن يجب علينا التأكد من تطويره من خلال نهج إنساني قائم على القيم وحقوق الإنسان.

تبدو رؤى أزولاي مثيرة للتفكير في قادم أيام الذكاء الاصطناعي، وتفتح الباب حول حتمية إقامة حوار عالمي حول أخلاقيات هذا الذكاء، وبخاصة ضمان أن يستخدم لصالح المجتمعات وتنميتها المستدامة، ناهيك بتنظيم تطوراته بحيث تتوافق مع الحقوق الأساسية التي تشكل الأفق الديمقراطي العالمي المحبوب والمرغوب.

تطرح الـ”يونيسكو” بشكل عام وعبر فعالياتها المختلفة في العقد الأخير، رؤى عالمية تساير القفزات الهائلة في عالم الذكاء الاصطناعي، ما يجعل من نهج “الانتقاء والاختيار”، في عالم الأخلاقيات أمراً واجب الوجود.

ولأن الأخلاق هي الوجه الأكثر تعبيراً عن الفكر الديني، يطفو على السطح الحديث الشائك حول الذكاء الاصطناعي، وهل سيكون محفزاً للدين أم مهدداً له، وما هو مستقبل الأديان، بل الممارسات الدينية في هذا العصر، لا سيما بعد أن باتت دور العبادة تذهب للإنسان، وما ينتظر الخلائق في زمن الميتافيرس، يكاد يشابه الأساطير التي تم التحدث في شأنها في أوروبا القرون الوسطى، فيما باتت اليوم محققة وتعد شأناً اعتيادياً؟

الذكاء الاصطناعي وتهديد مستقبل الدين

حين ظهرت أجهزة التلفاز في الولايات المتحدة الأميركية، استطاعت أن تنقل شعائر العبادة صباح كل يوم أحد، من مكان مختلف، عبر أرجاء البلاد.

كان ذلك في ستينيات القرن الماضي، وبعد أربعة عقود، صار هناك واقع إيماني جديد، تمثل في ذهاب الكنيسة إلى البيت، عبر مختلف وسائط التواصل الاجتماعي، ولم يعد مثيراً أن يطلب منك الواعظ أو المبشر أن تضع يدك على التلفاز وأنت في بيتك، علامة على التواصل الروحاني مع المصلين، ومن هنا نشأت فكرة “الكنيسة العالمية السبرانية”.

التساؤل المثير الآن: ماذا سيكون من شأن الأديان والعبادات، حال تطور الذكاء الاصطناعي، وما الدور المنوط بالروبوتات في عالم الغد، على صعيد المباشرات الإيمانية والطقوسية؟

في أوائل مارس (آذار) من عام 2019، شهد معبد كودايجي البوذي الواقع في مدينة كيوتو اليابانية حدثاً مثيراً غالباً ما سيؤسس لعالم مختلف ضمن دائرة الذكاء الاصطناعي.

كان التوقيت هو موعد العبادة التقليدية، حيث اجتمع شمل جمهوراً واسعاً من الكهنة البوذيين بأزيائهم البرتقالية الزاهية الواسعة، وقاموا بإزاحة الستار عن تمثال إله الرحمة في الديانة البوذية “ميندار”.

جرى العرف في تلك المعابد أن تصنع تلك الآلهة من الرخام أو الأحجار الكريمة النادرة، غير أن المفاجأة هذه المرة تمثلت في أن الإله البوذي لم يكن سوى “روبوت” لديه جهاز استشعار طريف الشكل فضي اللون.

لن يقف البوذيون ضامين الأيدي ليؤدوا شعائرهم الطقسية كما العادة، ما سيحدث أمام الروبوت الإله مدعاة للتفكير العميق.

سيعطي الروبوت محاضرات روحية بلغات متعددة لطلاب المعابد البوذية، في طريق تكوينهم ليضحوا كهنة فاعلين عاملين، وسيقص عليهم رواية “قلب سترا” الأكثر شهرة في الشعائر والأدبيات البوذية.

هل هذا هو الطريق الجديد للمزج بين العلم والتكنولوجيا، للخروج بأيديولوجية دينية جديدة في العقد الثالث من القرن الـ21؟

يقول علماء البرمجة البوذيون، إن ما فعلوه هو مزج ضروري بين بوذا والمستقبل الذكي، مما يعني بالفعل أن البوذيين في طريقهم نحو ملامح ومعالم دينية مغايرة لما عاشوه وعرفوه قبل مئات السنين.

هل الأمر حصراً فقط على البوذيين؟

في أوائل عام 2022 وتحديداً في فبراير (شباط)، أذاعت شبكة “بي بي سي” التلفزيونية تقريراً عن اقتحام الذكاء الاصطناعي دور العبادة، وقد تضمن التقرير علامات استفهام حول استبدال رجال الدين التقليديين، في المسيحية واليهودية كما في البوذية بروبوتات صناعية، تخزن في ذاكراتها ما يلزم لوعظ المؤمنين، عطفاً على تقديم الإجابات عن تساؤلات العبادة عن الحياة والإيمان.

كان لا بد هنا أن يظهر اعتراض رجال الدين على قيام الروبوتات بأدوارهم التقليدية، بالضبط كما اعترضت طائفة من نظرائهم في القرون الوسطى، على ظهور الطب النفسي، الذي يرفض فكرة سكن الجن للبشر، ويسعون إلى معالجة المرضى بالعقاقير المهدئة تارة، والمثبطة للانفعالات تارة أخرى.

علة الاعتراض الذي أبداه رجال الدين على قيام الروبوتات بأعمال رجال الدين، تمحورت حول فراغ هذه المصنوعات التكنولوجية من الروح.

غير أنه من المثير أن البعض من أنصار الذكاء الاصطناعي، اتخذوا من ممارسات إسلامية ذريعة لتعزيز دور تلك الروبوتات في العبادة، فقد ورد في التقرير أن المسلمين المتدينين يستخدمون تطبيقات تكنولوجية ذكية تحفظ لهم اتجاه القبلة حيث ينبغي الصلاة، ومن هنا يثور التساؤل حول المانع المستقبلي من قيام الذكاء الاصطناعي بدور واسع في عالم الروحانيات والتوسط بين البشر والسماء… هل يمكن أن يحدث ذلك بالفعل على الأرض في العقود المقبلة؟

تنبؤات هراري وكنيسة المستقبل لليفاندوفسكي

عرف البروفيسور يوفال نوح هراري مؤرخاً ومؤلفاً عميق الفكر في منطقة تاريخ الجنس البشري، ومن أشهر كتاباته “العاقل: تاريخ مختصر للجنس البشري” وكتاب “21 درساً للقرن الـعشرين”.

تتناول كتابات هراري موضوعات مهمة من عينة الإرادة الحرة والوعي والذكاء الاصطناعي، ويتوقف كثيراً عندما يطلق عليه الثورة الإدراكية التي حدثت قبل نحو 50 ألف سنة، عندما تمكن “الهوموسابين” من التفوق على “النيندارثالز”، وذلك بتطويره المهارات اللغوية والهياكل الاجتماعية، وهذا ما جعله يرتقي هرم المفترسين، مستغلاً الثورة الزراعية التي بدورها اعتمدت في وقت متأخر على المنهجية العلمية التي مكنت الإنسان من السيطرة على محيطه بشكل شبه كامل.

أما كتبه اللاحقة، فقد جاءت أكثر حذراً، إذ تتناول النتائج البيوتكنولوجية التي ستخلق عالماً يتفوق على الذكاء الاصطناعي على خالقه البيولوجي، حيث قال “الهومو سابينس كما نعرفه سيختفي بعد قرن أو أكثر بقليل”.

لماذا الحديث عن هراري بشيء من الاستفاضة؟

باختصار مفيد، لأنه الرجل الذي حذر، أخيراً، من أن العالم على حافة قيام دين جديد تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي… كيف ذلك؟

في أوائل مارس الماضي، وخلال مؤتمر علمي في سويسرا حذر هراري من أن الذكاء الاصطناعي تجاوز حدوداً جديدة من خلال “إتقان” لغتنا وأصبح الآن قادراً على استخدامها لتشكيل الثقافة البشرية.

هراري حذر من برمجيات مثل “تشات جي بي تي”، يمكن أن يجذب الناس من خلال كتابة نصوص مقدسة، مما يعني مقدرته على خلق دين جديد في وقت قريب من المستقبل.

هل الآلات الصناعية يمكنها أن تخلط بين الواقع والأوهام، وأن تقود العالم في طريق مشابه لما شاهده العالم في أفلام الخيال العلمي؟

قبل بضعة أعوام وبالتحديد في 2017، قام مهندس سابق في شركة “غوغل” و”أوبر” يدعى “أنتوني ليفاندوفسكي”، بتقديم أوراق عمل إلى ولاية كاليفورنيا بهدف الحصول على ترخيص لمكان عبادة أو ما يمكننا أن نطلق عليه كنيسة غير ربحية مكرسة لعبادة إله الذكاء الاصطناعي.

ما مهمة هذه الكنيسة؟

كما يتضح من الأوراق، “تطوير وتعزيز إيجاد إله بالاعتماد على أسس الذكاء الاصطناعي وفهم العبادة لتسهم في تحسين المجتمع”.

لا تبعد الفكرة بعيداً من مسألة الدين الجديد، وهذا ما تقرره الكاتبة والباحثة في الدراسات الدينية “كاندي كان” التي تعتبر فكرة ليفاندوفسكي بمثابة دعوة لدين أميركي جديد.

ترى “كاندي كان”، أن ما يعرف في الداخل الأميركي بـ”كنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة” LDS و”كنائس السيانتولوجي” Scientology هي تقاليد أميركية واضحة تركز على التقدم في الفكر من وجهات النظر الدينية، كما أن كنيسة الأيام الأخيرة السابق ذكرها، تناقش أفكاراً عن الكواكب الأخرى والحياة خارج الأرض، أما السيانتولوجيا فهي تركز على العلاج والنظرية النفسية، وهذا ما يدل على الحداثة والفكر المتقدم.

هل هراري على حق إذن؟

الشاهد وبحسب كتاباته أنه على عكس ما تفترضه بعض نظريات المؤامرة، لا تحتاج البشرية حقاً إلى زرع رقائق في أدمغة الناس من أجل السيطرة عليهم أو التلاعب بهم. فمنذ آلاف السنين استخدم الشعراء والسياسيون اللغة ورواية القصص من أجل التلاعب بالناس والسيطرة عليهم وإعادة تشكيل المجتمع. الآن من المحتمل أن يكون الذكاء الاصطناعي قادراً على القيام بذلك، وبمجرد أن تستطيع، لا تحتاج إلى إرسال روبوتات قاتلة لإطلاق النار على أحد… يمكن أن تجعل البشر يضغطون على الزناد.

نداء روما وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي

في فبراير (شباط) من عام 2020، وخلال منتدى دولي حول الذكاء الاصطناعي عقد في حاضرة الفاتيكان، وذلك بمناسبة الجمعية العامة الـ26 للأكاديميات الحبرية للحياة، صدرت وثيقة عرفت تالياً باسم “نداء روما” أكدت تعزيز الحس بالمسؤولية بين المنظمات والحكومات والمؤسسات، لكي يضمن أن يكون الابتكار الرقمي والتقدم التكنولوجي في خدمة الذكاء والإبداع البشريين وليس خصماً منهما.

هل كان الحبر الأعظم والمؤسسة الرومانية الكاثوليكية، تأخذ في حسبانها تحذيرات هراري، ومآلات ليفاندوفسكي ومن سيمضي على دربه، أي ظهور أديان جديدة تعبد آلهة من الخوارزميات والروبوتات المصنعة عبر الذكاء الاصطناعي؟

الشاهد أن “نداء روما” لم يتوقف كثيراً عند هذه الجزئية، وإنما تجاوزها إلى ما هو أهم وأعم، بل وأشمل.

كان الهدف الرئيس الذي سعت إليه الأكاديمية البابوية للحياة من وراء الوثيقة، هو نشر ثقافة تضع تقنيات الذكاء الاصطناعي في خدمة الخير العام للجميع، وحماية البيت الإنساني المشترك بما يشكل مثالاً لآخرين كثيرين.

الوثيقة جاءت على خلفية جدل تصاعد بشكل كبير، ويحتمل أن يتصاعد مستقبلاً، حول مخاطر الذكاء الاصطناعي، وضرورة ضبط توجهاته أخلاقياً، وهي مخاوف لم تعد تشمل فقط المؤسسات الدينية، بل قادة الشركات التكنولوجية الكبرى مثل “غوغل”، كما جاءت على خلفية اتهامات صريحة وجهتها دراسات عدة لنظم التعرف على الوجوه، بأنها تظهر تحيزاً واضحاً ضد الملونين والسود والآسيويين مقارنة بالبيض، مما أثار جدلاً حتى داخل الوكالات الاتحادية الأميركية نفسها حول حيادية ودقة هذه النظم الصناعية التكنولوجية، ما دفع اتحاد الحريات المدنية الأميركي إلى دعوة الوكالات الحكومية إلى التوقف عن استخدامها لكونها تقود إلى قرارات تؤثر بالسلب على مواطنين أبرياء.

البابا والمفتي… الذكاء وجدلية الخير والشر

هل العالم قاب قوسين أو أدنى من صدام جديد بين التكنولوجيا والأيديولوجيا، أو بين التكنولوجيا والعلم الاصطناعي الجديد المتمثل في الروبوتات من جهة، وبين الثوابت الدينية والإيمانية من جهة مقابلة؟

في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي تحدث الحبر الروماني الأعظم فرنسيس في هذا المجال مؤكداً أن الذكاء الاصطناعي بات ركناً أساسياً في بناء عصرنا الحالي. أضاف “يمكن للروبوتات أن تصنع عالماً أفضل ممكناً إذا اتحدت في طريق الخير العام، ذلك أنه إذا أدى التقدم التكنولوجي إلى زيادة التفاوت فإنه ليس تقدماً حقيقياً”.

يقطع الساكن وراء جدران الفاتيكان بأن التقدم المستقبلي يجب أن يوجه نحو احترام كرامة الإنسان والخليقة، وما عدا ذلك يعتبر تقدماً للخلف وصعوداً إلى الهاوية.

أما مفتي مصر الدكتور شوقي علام، فقد صرح، أخيراً، وعلى هامش زيارته للهند بأن علوم الذكاء الاصطناعي لا تتصادم مع الدين، وأثنى على اهتمام الهند بالتعليم والبحث العلمي، مشيراً إلى أن “ما يشهده العالم الآن من ثورة علمية كبرى في شتى المجالات، بخاصة في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، يملي علينا أن نكون مشاركين فاعلين لا مجرد متابعين مستقبلين، حيث إن علوم الذكاء الاصطناعي لا تتصادم مع الدين، ما تم الالتزام بالضوابط الشرعية، فالعلم خادم لجلب المصلحة ودرء المفسدة”.

لكن الأمر لا ينتهي هنا، فأغلب الظن أنها البدايات والبقية تأتي.

المصدر : اندبندنت عربية 

اترك رد

Your email address will not be published.