عراب الذكاء الاصطناعي نادم

حذر من خطورة ابتكاره الذي يغزو العالم وتساءل: كيف يمكن منع الجهات السيئة من استخدامه؟

34

AI بالعربي – متابعات 

منذ إطلاق منصة “تشات جي بي تي” Chat GPT التي تسمح لمستخدميها بالحصول على إجابات مناسبة لكل الأسئلة العامة وكتابة مقالات مرتبة ومكتملة وغيرها من الخصائص التي كانت حصراً للعقل البشري، أصبح الحديث عن الذكاء الاصطناعي يتردد في أنحاء مختلفة من وسائل الإعلام التقليدية والحديثة منها، بل وفي قاعات العمل وعلى المقاهي, لكن لم يكد العالم يحتفي بالتطور المتسارع لهذا النوع من الذكاء الذي ييسر حياة الإنسان، حتى تلقينا تحذيرات عالم إنجليزي يدعى جيفري هينتون في شأن الأخطار المتوقعة للذكاء الاصطناعي، ليتكشف لنا أنه نفسه أحد الرواد في مجال تطوير التكنولوجيا، بل إنه يلقب بـ”الأب الروحي للذكاء الاصطناعي”، وما جعل الأمر أكثر ضجة أن تحذير هينتون رافقه استقالته من منصبه في شركة “جوجل” قبل أسبوع، فمن هو عراب الذكاء الاصطناعي وما الذي يخيفه من اختراعاته؟

التعلم العميق

في 2014 قدمت مجلة “وايرد” الأميركية المتخصصة في التكنولوجيا هينتون بأنه “الرجل الذي عينته جوجل لجعل الذكاء الاصطناعي واقعاً”. وسلطت الضوء على أبحاثه التي تقع ضمن ما يسمى حركة “التعلم العميق” الهادفة إلى محاكاة الدماغ البشرية باستخدام أجهزة وبرامج الحاسوب (الكمبيوتر).

بدأت الفكرة عندما كان هينتون طالباً في المدرسة الثانوية بعد أن أقنعه أحد زملائه أن الدماغ يعمل مثل صورة ثلاثية الأبعاد. ولإنشاء واحدة من تلك الصور الثلاثية الأبعاد يمكن تسجيل كيف ترتد حزم ضوئية لا حصر لها من شيء ما، ثم يخزن المخ هذه الأجزاء الصغيرة من المعلومات عبر قاعدة بيانات واسعة. وسرعان ما أصبح هينتون، عندما كان لا يزال في المدرسة الثانوية ببريطانيا خلال الستينيات، مفتوناً بفكرة أن الدماغ يخزن الذكريات بالطريقة نفسها، وبدلاً من تخزينها في مكان واحد فإنه ينشرها عبر شبكة هائلة من الخلايا العصبية.

ذلك الاكتشاف الصغير كان لحظة إلهام لهينتون الذي ذهب لاستكشاف الشبكات العصبية في جامعات كامبريدج وإدنبره، وبحلول أوائل الثمانينيات ساعد في إطلاق حملة طموحة للغاية لمحاكاة الدماغ باستخدام أجهزة وبرامج الكمبيوتر، لإنشاء شكل أكثر تطوراً من الذكاء الاصطناعي يطلق عليه الآن “التعلم العميق”.

على مدى ثلاثة عقود كاملة كانت حركة التعلم العميق بعيدة عن الأوساط الأكاديمية، حتى جذب هينتون ومجموعة صغيرة من زملائه متخصصون في التعلم العميق، بما في ذلك يان ليكون من جامعة نيويورك ويوشوا بنجيو من جامعة مونتريال، انتباه أكبر الأسماء على الإنترنت.

بعد صقل أفكاره كأستاذ وباحث في جامعة تورنتو الكندية عمل هينتون بدوام جزئي في “جوجل” مطلع العقد الماضي، مستخدماً تقنيات التعلم العميق لتحسين أدوات التعرف إلى الصوت وعلامات الصور وعدد لا يحصى من الأدوات الأخرى عبر الإنترنت. وفجأة أصبح الذكاء الاصطناعي مركز اهتمام في “مايكروسوفت” وIBM وBaidu الصينية العملاقة للبحث، وغيرها كثير من شركات التكنولوجيا.

انتشار خلفي

ينحدر هينتون المولود في ويمبلدون 1947 من عائلة من العلماء، فجده الأكبر جورج بول هو عالم الرياضيات الذي أرسى علم الجبر المنطقي المستخدم في أجهزة الكمبيوتر الحديثة، وابنة عمه جوان هينتون عالمة الفيزياء النووية التي عملت بمشروع مانهاتن، الذي أنتج أول أسلحة نووية في العالم خلال الحرب العالمية الثانية، كما أن والده جيفري تايلور عالم رفيع أصبح عضواً في الجمعية الملكية وهي أقدم أكاديمية علمية بالعالم. وفي حديث سابق تذكر هينتون ذات مرة أن والدته أخبرته عندما كان طفلاً “كن أكاديمياً أو فاشلاً”، وهي النصيحة التي أخذها على محمل الجد بالتأكيد.

انضم هينتون إلى الجمعية الملكية في 1998. وبحلول ذلك الوقت كان قد شارك في تأليف ورقة بحثية بارزة مع ديفيد روميلهارت ورونالد ويليامز حول مفهوم الانتشار العكسي (الانتشار المرتد أو الخلفي) بحلول 1986، وهي طريقة لتدريب الشبكات العصبية الاصطناعية التي تم وصفها باعتبارها “القطعة الرياضية المفقودة” اللازمة لتعزيز التعلم الآلي. هذه التقنية هي مفتاح روبوتات المحادثة التي يستخدمها الآن ملايين الأشخاص كل يوم، بحسب موقع “سكاي” البريطاني، إذ يعتمد كل منها على بنية شبكة عصبية مدربة على كميات هائلة من البيانات النصية لتفسير المطالبات وإنتاج الاستجابات.

عندما سئل عن كيف يساعد الانتشار الخلفي في عمل “تشات جي بي تي” أجاب هينتون “في جوهره، يعد وسيلة لتشات جي بي تي للتعلم من أخطائه وتحسين أدائه… مع كل تكرار لعملية التدريب يصبح تشات جي بي تي أفضل في التنبؤ بالإخراج الصحيح لإدخال معين”.

بعد عام من نشر بحث “الانتشار الخلفي” بدأ هينتون برنامجاً مخصصاً للتعلم الآلي في جامعة تورنتو بكندا، وواصل التعاون مع الزملاء والطلاب ذوي التفكير المماثل، مفتوناً بكيفية تدريب أجهزة الكمبيوتر على التفكير والرؤية والفهم. وقال العالم البريطاني الكندي لشبكة “سي بي أس نيوز” الأميركية، إن المتشككين في العمل وصفوه بأنه “هراء”.

ولكن في عام 2012 حدث معلم آخر، حين فاز هو وباحثان آخران – بما في ذلك المؤسس المشارك لشركة “أوبن أي آى”OpenAI  إيليا سوتسكفر- في مسابقة لبناء نظام كمبيوتر يمكنه التعرف إلى مئات الأشياء في الصور. بعد أحد عشر عاماً يتميز أحدث إصدار من برنامج “جي بي تي” لشركة OpenAI  بالميزة نفسها على نطاق كان من المستحيل تخيله.

جنباً إلى جنب مع سوتسكفر وألكس كريزيفسكي، أسس هينتون شركة “دي أن أن ريسيرش” لتركيز عملهم المشترك على التعلم الآلي. اجتذب نجاح نظام التعرف إلى الصور الخاص بهم، المسمى “ألكس نت”، اهتمام شركة البحث العملاقة “جوجل”، واستحوذت على شركتهم في عام 2013. بعد ذلك بدأ هينتون العمل بدوام جزئي في “جوجل” وأسس فريقاً بحثياً مختصاً بتطوير الذكاء الاصطناعي، والذي تم دمجه الشهر الماضي مع شركة الأبحاث البريطانية “ديب مايند” التي اشترتها “جوجل” عام 2014.

العلماء يندمون كثيراً

في غضون بضعة أشهر منذ إطلاقها أواخر العام الماضي جمعت “تشات جي بي تي” أكثر من 100 مليون مستخدم نشط شهرياً، مما أثار إعجاب الخبراء والمراقبين العاديين، على حد سواء، بقدرة المنصة على اجتياز أصعب الاختبارات بالعالم، وإصلاح أخطاء الكمبيوتر وتأليف أي شيء من الخطب السياسية إلى واجبات الأطفال المنزلية وغيرها.

لكن على درب ألفريد نوبل، العالم السويدي الذي ندم لاختراع الديناميت بعد استخدامه في الحروب ولم يجد سبيلاً للتكفير عن ذنبه سوى تخصيص ثروته لأكثر الأشخاص إفادة للبشرية في المجالات العلمية والاجتماعية، يبدو أن هينتون البالغ من العمر 75 سنة، بدأ يتشكل لديه شعور مماثل دفعه إلى التحذير من خطورة الذكاء الاصطناعي ومغادرة عمله في “جوجل”، قائلاً إن التقدم المحرز في هذا المجال يحمل في طياته “أخطاراً عميقة على المجتمع والإنسانية”.

وأوضح في تعليقات لصحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية أن المنافسة بين عمالقة التكنولوجيا تدفع الشركات إلى إطلاق تقنيات جديدة للذكاء الاصطناعي بسرعة خطرة، مما يهدد بالقضاء على وظائف ونشر معلومات مضللة.

ولفت إلى أنه “من الصعب تخيل كيف يمكن منع الجهات السيئة من استخدامها في أمور سيئة”، كما حذر العالم البريطاني من الانتشار المحتمل لمعلومات مضللة من خلال برمجيات الذكاء الاصطناعي، قائلاً إن الشخص العادي “لن يعود قادراً على تمييز الأخبار الصادقة”.

في مارس (آذار) الماضي، دعا الملياردير إيلون ماسك ومجموعة خبراء إلى التوقف موقتاً عن تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي لإتاحة الوقت للتأكد من سلامتها. وقد جرى التداول في هذه الرسالة المفتوحة الموقعة من أكثر من ألف شخص، بينهم ماسك وستيف وزنياك، المؤسس المشارك لشركة “أبل”، تزامناً مع إصدار “جي بي تي – 4″، وهي نسخة جديدة تتمتع بميزات أقوى بكثير من التكنولوجيا المستخدمة من “تشات جي بي تي”.

لم يوقع هينتون على تلك الرسالة في ذلك الوقت، لكنه قال لصحيفة “نيويورك تايمز” إنه لا ينبغي للعلماء “تصعيد الأمور حتى يفهموا ما إذا كان بإمكانهم التحكم” بهذه البرمجيات.

حظرت بعض أماكن العمل والمدارس والجامعات بعض تطبيقات الذكاء الاصطناعي مثل “تشات جي بي تي”، وبدأ البيت الأبيض مشاورات عامة حول كيفية تنظيم مثل هذا الذكاء الاصطناعي.

المصدر : اندبندنت عربية

اترك رد

Your email address will not be published.