هل التعليم جاهز لعصر الذكاء الاصطناعي؟

29
ضاري عادل الحويل

مع ثورة الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات، وتخوّف الكثيرين من قدرته الهائلة، التي يُعتقد أنها ستتنامى بسرعة مذهلة، أطلت علينا تقنية المحوّلات التوليديّة المدرَّبة مسبقاً للدردشة، وأشهرها روبوت الدردشة ChatGPT، الذي قامت بتطويره شركة الذكاء الاصطناعي OpenAI. لا شك أن المستقبل حالك لمن لا يؤمن بتبني هذه التطبيقات، ولم يقم باستيعاب قدرتها الهائلة على إنجاز الأعمال في وظيفته الراهنة، التي أيضاً هي بدورها ستتغير.

سيتم استبدال من لا يستخدم تقنيات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي بمن يقوم بتوظيفه، ألا هل بلغّنا، اللهم فاشهد.

بينما نعمل مع مجموعة من الزملاء رفاق العلم على تطوير بحث علمي عن استخدام المحوّلات التوليديّة المدرَّبة مسبقا للدردشة في قطاع التعليم الطبي، أصبح جلياً الخطر المحدق بالتعليم التقليدي، وبالأخص المتهالك الذي يعتمد على أسلوب التلقين الممل والحفظ الذي لا يسمن ولا يغني من جوع. تواجه العديد من مؤسسات التعليم، سواء العليا أو ما دون ذلك، تحديات عدة في مواجهة ومقاومة هذه التقنيات والتطبيقات، بل إن بعضها قام بحظر استخدامها خشية تطويعها واستغلالها كوسيلة للغش والانتحال والاتكالية من دون تفكير. قد تكون ردة الفعل هذه منطقية في ظل الصدمة، التي جاءت مصاحبة لإتاحة هذه التقنية للعامة، لكننا لا نعتقد أنها صحيحة في المدى البعيد.

بكل تأكيد هناك قصر نظر في حظر هذه الأدوات من دون التفكير بآليات استغلالها بطريقة تعزّز من أداء العمل. في التعليم، وخصوصاً الطبي، علينا تغيير وتطوير مناهجنا لتضمين استخدام هذه التقنيات الحديثة بطرق مناسبة. كما من المهم أيضاً مناقشة أوجه القصور التي تشوب هذه التقنيات، التي تخلو من أي مشاعر أو إنسانية في استنتاجاتها. كما يجب مناقشة الأمور المتعلّقة بالخصوصية وسرية البيانات، ناهيك عن أن بعض هذه التقنيات تعتمد على بيانات تاريخية غير محدّثة، بل بعضها قد يقدّم استنتاجات غير حقيقية أو حتى واقعية، وهذا أمر غير مقبول في المجال الطبي. كما أصبح لزاماً على المعلمين أن يدركوا قوة هذه التقنيات ويركّزوا على مهارات التعلّم المستمر، إضافة إلى التحليل والتفكير النقدي. يجب على المعلمين تشجيع استخدام هذه التقنيات بطريقة شفافة تضمن حقوق الملكية الفكرية وتدفع بالعلم والمعرفة إلى الأمام، لا أن نقوم بدس رؤوسنا تحت التراب إن جاز التعبير. علاوة على ذلك، سيتعيّن أيضا إعادة النظر في الواجبات لتتضمّن أنشطة متعددة الوسائط تتطلب تفكيراً عالي المستوى، بطرق تعتمد على الإبداع والعمل الجماعي.

ثمّة فرص يمكننا استغلالها من جراء استخدام هذه التقنيات، حيث تشير الدراسات الأولية إلى إمكانية تطويع المحوّلات التوليديّة المدرَّبة مسبقا للدردشة لتكون بمنزلة المدرّس الخصوصي الرقمي، الذي بإمكانه تقديم دروس خصوصية تناسب وتلائم الطالب والسرعة التي يتطلبها. كما تمكّن هذه التقنيات المعلمين من متابعة أداء الطلبة وتزويدهم بالتغذية الراجعة الشخصيّة.

لكن يظّل السؤال، السؤال المستحق فعلا: هل التعليم جاهز لعصر الذكاء الاصطناعي؟ نشك في ذلك، وخصوصا مع مطالبات تعطيل التعليم والتكاسل خلال شهر العمل والعطاء والعبادة! لكن ذلك لا يعني أن علينا الاستسلام والتشاؤم، بل علينا العمل والسعي الحثيث للارتقاء بالتعليم، ومنّا إلى أصحاب الشأن.

المصدر: القبس
اترك رد

Your email address will not be published.