التوظيف في المستقبل رهن بإتقان مهارات الذكاء الاصطناعي
AI بالعربي – متابعات
السيرة الذاتية المهنية، أو الـ”سي في” CV اختصاراً، لن تحتاج أكثر منها كي تصوغ فكرة عن التحول الذي طرأ على مشهد التوظيف حول العالم خلال السنوات الأخيرة. معظم المتقدمين إلى الوظائف في السابق، لا سيما البعيد منها عن عالم الكمبيوتر والحوسبة، ذيلوا سيرتهم الذاتية غالباً ببرنامجي “مايكروسوفت وورد” و”مايكروسوفت إيكسل” ضمن الخانة التي تعرض مهاراتهم الإلكترونية، ولم يتردد البعض منهم في ذكر قدرته على استخدام محرك البحث “جوجل” بوصفه إضافة مهمة هنا. أما السير الذاتية الحديثة فهي عبارة عن تشكيلة واسعة من المعرفة بالبرامج الإلكترونية والتطبيقات الرقمية والمهارات الذكية الاصطناعية إلى حد أن الإشارة إلى البرنامجين المذكورين سابقاً صارت معدومة لى اعتبار أن استخدامهما بات مهارة مسلماً بها. ستقول إن هذا التغير المهمّ في السير الذاتية ليس سوى انعكاس للتطور في العالم، وفي هذا أنت على صواب.
في الواقع، ومنذ سنوات عدة، أدركت الشركات على مستوى العالم القيمة الإضافية التي يجلبها الذكاء الاصطناعي في تنمية مهارات الموظفين، وتعزيز قدراتهم. ربما تكون أهم فائدة يطرحها قدرته على أتمتة المهمات الروتينية للموظفين والسماح لهم تالياً بصرف الوقت في التعامل مع تحديات أخرى كثيرة، والمساهمة في نجاح المؤسسات وتقدمها.
هكذا، تحاول شركات ناشئة عدة أن تستفيد من الذكاء الاصطناعي إذ تستخدمه في صقل مهارات الموظفين وتطويرها مستخدمة الخوارزميات في إعداد برامج تدريب متخصصة، وتعمل على تجهيزهم للفرص والمهمات التي ربما تنشأ في المستقبل.
وإذ تقرأ وتسمع عن أشكال تدهشك من الذكاء الاصطناعي، من بينها روبوت الدردشة “شات جي بي تي”، الضيف الدائم منذ فترة على صفحاتنا اليومية من أخبار ومقالات، ربما تخال أن عدد الأشخاص الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي حالياً ضمن مستوى معين في وظائفهم مهول جداً، وفي هذا لست على صواب.
في استطلاع رأي نهضت به شركة البرمجيات السحابية “سيلز فورس” واشتمل على 11 ألف عامل حول العالم، لم يذكر سوى عدد قليل من هؤلاء أن دورهم اليومي في العمل يتضمن حالياً مهارات الذكاء الاصطناعي. غير أنه مع ظهور تكنولوجيات مثل “شات جي بي تي” وصبّ التركيز على تعزيز مهارات العمال، يبدو أن هذا الواقع يستدعي نقلة مهمة وسريعة.
في تقرير تناولت فيها استطلاع الرأي، تتحدث مجلة “فوربس” عن توني نغوين في مدينة مينيابوليس الأميركية، الذي ارتأى التحول نحو التكنولوجيا عندما فقد وظيفته كمدير في متجر شطائر أثناء جائحة كورونا. هكذا، بعدما أمضى سنواته الخمس الأولى بعد الكلية في قطاع المطاعم، اتجه نغوين إلى تعلم مهارات جديدة من بينها أتمتة العمليات وتحليل البيانات.
للحصول على بعض المساعدة، لجأ نغوين إلى “تريل هيد” Trailhead، علماً أنها منصة أساسية للتدريب وتطوير القوى العاملة من “سيلز فورس”، حيث حصل على شهادات وأكمل البرامج المطلوبة وحاز في نهاية المطاف وظيفة كمسؤول يدير البيانات والتحليلات الخاصة بمنتجات “سيلز فورس”.
يقول نغوين: “خلال نشأتي، كنت أهوى ممارسة ألعاب الفيديو واستخدام أجهزة الكمبيوتر- طالما كان ذلك شغفي”. ولكن ما هي المهارة التالية التي يسعى نغوين إلى اكتسابها؟ إنها “الذكاء الاصطناعي التوليدي” Generative AI لا ريب.
في استطلاع الرأي العالمي الذي شمل 11 ألف عامل، قال واحد فقط من كل 10 موظفين إن دورهم اليومي يتضمن مهارات الذكاء الاصطناعي. ولكن مع دخول تكنولوجيات عدة، من بينها “شات جي بي تي” مفخرة “أوبن أي آي”، والتحول إلى التوظيف القائم على المهارات التكنولوجية والتركيز المتزايد على تحسين القوى العاملة الحالية في خضم تهديد الانكماش الاقتصادي، أشار 80 في المئة من كبار قادة تكنولوجيا المعلومات إلى الحاجة الملحة إلى توظيف وصقل مهارات الموظفين في مجال “الذكاء الاصطناعي التوليدي”.
من بين هؤلاء آن ويبي، نائبة رئيس منصة “تريل هيد” في “سيلز فورس”، التي تقول إن الذكاء الاصطناعي صار موجوداً في كل مكان، وفي كل وظيفة. “المهارات تتغير، والتكنولوجيا كذلك، والعمال يتخلفون عن الركب”.
نقص المواهب في مهارات الذكاء الاصطناعي منتشر على نطاق واسع. عندما استطلعت شركة “إنستيتيوت أس أي أس” SAS Institute للبرمجيات آراء مديرين في 111 مؤسسة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإيرلندا حول فجوة المهارات، قال 63 في المئة منهم إنهم لا يحظون بالعدد الكافي من موظفين يمتلكون مهارات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي.
وفي وقت يتطلع رؤساء الشركات والمؤسسات إلى تطوير مكان العمل بشكل أكبر، يتوقع أصحاب رؤوس الأموال المغامرة هيمنة الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي والتعلم الافتراضي على مجال تكنولوجيا التعليم العام الحالي. كما تعمل الجامعات بشكل متزايد على إنشاء برامج وموارد للحصول على درجات علمية في الذكاء الاصطناعي، مثل شهادة الذكاء الاصطناعي من “جامعة كارنيغي ميلون” البحثية الأميركية في 2018، وتوظيف “معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا” في 2018 استثمارات بقيمة مليار دولار في إنشاء كلية جديدة للذكاء الاصطناعي، والمركز المقبل لتعلم الذكاء الاصطناعي التابع لـ”جامعة إيموري” البحثية الأميركية.
ولكن وفق المنصة الرقمية لروبوتات الدردشة Tidio، يعتقد نحو 69 في المئة من خريجي الجامعات أن الذكاء الاصطناعي ربما يسرق منهم وظائفهم، أو يلغي دورها، في غضون بضع سنوات.
ولكن الخبراء ينظرون إلى هذا التحول من وجهة نظر أخرى. في “سمفوني أي آي” SymphonyAI، تقول جينيفر ترزيباتش، كبيرة مسؤولي الموارد البشرية، إن الشركة تعتزم إدخال الذكاء الاصطناعي إلى طريقة عمل الموظفين. “ربما يعتري كثيرين قلق بشأن ما يمثله الذكاء الاصطناعي من تهديد بالنسبة إليهم أو إلى وظائفهم”، ولكنه في الحقيقة يقلل من المهمات الإدارية مدخراً المزيد من الوقت للتعاون والابتكار”، تضيف.
“الذكاء الاصطناعي جزء من المستقبل. علينا أن نكون فضوليين وأن نحصل على المعرفة في هذا المجال. بغية مساعدة الموظفين على اتقان مزيد من استخدامات الذكاء الاصطناعي، تقول ترزيباتش إن الشركة أنشأت مبادرة تسمى “الذكاء الاصطناعي للجميع” AI Is For Everyone إذكاء للوعي بتطبيقات الذكاء الاصطناعي وتكنولوجياته بين الموظفين.
تتوسل شركة “فور سايت” لتكنولوجيا التأمين التابعة لمؤسسها ديفيد فونتين الذكاء الاصطناعي في منتجاتها بغية وضع توصيات الامتثال لمعايير السلامة لعملائها.
وفق فونتين، الذكاء الاصطناعي “ليس مجرد كلمة طنانة. إنه يؤتي ثماره فعلاً في “فورسايت”.
في رأي رؤساء من أمثال فونتين، يشكل الذكاء الاصطناعي تطوراً تكنولوجياً آخر على العمال الارتقاء إليه. ومع التحول المتزايد نحو التوظيف الذي يستند إلى المهارات، أشار 82 في المئة من المديرين في استطلاع “سايلز فورس” إلى هذه المهارات باعتبارها أهم سمة عند تقييم المتقدمين للوظائف.
يقول نغوين، الذي أصبح الآن مدير التوظيف، إنه ينظر في الحسابات الإلكترونية الخاصة بالمرشحين لاستلام وظائف في “تريل هيد” لمعرفة ما إذا كانوا يواكبون التكنولوجيات، وما إذا كانت لديهم الرغبة في اكتساب مهارات جديدة. في رأيه، “الأجدر بك أن تعمل على تعزيز مهاراتك دائماً”.
لا شك أنك صرت تعرف الآن في أي اتجاه عليك أن تصبّ تركيزك، سواء كنت تبحث عن وظيفة أو تملك واحدة فعلاً، وأي تخصصات ربما تنصح أولادك في اختيارها من أجل مستقبلهم.
المصدر: عربية independentarabia