الذكاء الاصطناعي والمستقبل البشري.. تهديد تكنولوجي ثلاثي
AI بالعربي – متابعات
عندما شاهد عالم الفيزياء النظرية روبرت أوبنهايمر أول تجربة للأسلحة النووية في صحراء نيو مكسيكو 1945، استحضر سطرا من الكتاب المقدس الهندوسي البهاغافاد جيتا، “الآن أصبحت أنا الموت، مدمر العالمين.”
لم يكن لدى رئيس مختبر لوس ألاموس في زمن الحرب، المعروف باسم “أبو القنبلة الذرية”، أدنى شك في أهمية وتأثير السلاح الذي ساعد على تطويره. عقب قصف هيروشيما وناغازاكي بعد أسابيع قليلة، أدرك الجميع على هذا الكوكب أيضا أن البشرية قد دخلت عصرا جديدا، ومرعبا.
وفقا لمؤلفي كتاب ذا إيج أوف إيه آي “عصر الذكاء الاصطناعي”، تقف الإنسانية على شفا لحظة ذات أهمية مساوية، لكنها أكثر تنوعا وانتشارا ولا يمكن التنبؤ بها وأقل اعترافا بها. إن القوة المتزايدة للذكاء الاصطناعي، وهو تكنولوجيا ذات أغراض عامة يمكن وضعها في مجموعة مذهلة من الاستخدامات المدنية والعسكرية – من قراءة الأشعة السينية والتنبؤ بأنماط الطقس إلى تمكين الروبوتات القاتلة ونشر المعلومات المضللة – تعمل بالفعل على تخريب مفاهيم الأمن القومي وسيادة الدول التي تعود إلى قرون من الزمن. والأمر المثير للقلق بالقدر نفسه، كما يؤكد المؤلفون، أن الذكاء الاصطناعي سيختبر أيضا الحدود الخارجية للعقل والفهم البشري وسيتحدى طبيعة الهوية البشرية وقوتها.
قد يكون من المغري رفض مثل هذه الحجج باعتبارها المبالغة الجامحة التي تغلف كثيرا من الجدل حول الذكاء الاصطناعي. لكن المؤلفين الثلاثة لكتاب عصر الذكاء الاصطناعي لديهم ادعاءات قوية يجب أخذها على محمل الجد. فالدبلوماسي المخضرم هنري كيسنجر يعرف بعض الشيء عن الاستراتيجية. وبصفته الرئيس التنفيذي السابق لشركة جوجل، يدرك إريك شميدت كيف تنشر شركات التكنولوجيا العملاقة الذكاء الاصطناعي في العالم الحقيقي.
ودانييل هاتنلوشر، وهو العميد الفخري لكلية شوارزمان للحوسبة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، على دراية جيدة بأحدث أبحاث الذكاء الاصطناعي المتطورة. والأمر الأكثر إثارة للقلق بشأن الكتاب هو أنه حتى هؤلاء الخبراء المعترف بهم أكثر مهارة في طرح أسئلة غير مريحة من تقديم إجابات مريحة.
ولشرح التأثير المحتمل للذكاء الاصطناعي في المستقبل، يفحص المؤلفون ماضينا التكنولوجي. في العصور السابقة، كانت أقوى التكنولوجيات الاستراتيجية تميل إلى أن يكون لها خاصيتان من ثلاث خصائص، لكن أيا منها لم تكن تتمتع بهذه الخصائص الثلاثة.
كان للسكك الحديدية التي نقلت القوات إلى الخطوط الأمامية في الحرب العالمية الأولى استخدامات مدنية وعسكرية ويمكن أن تنتشر بسهولة وعلى نطاق واسع، لكنها لم تكن تشكل تهديدا في حد ذاتها. يمكن أيضا استخدام التكنولوجيا النووية التي ميزت الحرب الباردة لأغراض شبه حربية وأغراض سلمية ولها قوة تدميرية هائلة، ولكن لا يمكن نشرها بسهولة وعلى نطاق واسع.
لكن مؤلفي الكتاب يجادلون بأن الذكاء الاصطناعي يكسر هذا النموذج لأنه يعرض جميع الميزات الثلاث. فمن الواضح أن الذكاء الاصطناعي هو استخدام مزدوج، ويمكن تطويره ونشره بسهولة “كونه في جوهره ليس أكثر من أسطر من كود الكمبيوتر” وله قوة تدميرية هائلة. كتب المؤلفون، “عصور قليلة واجهت تحديا استراتيجيا وتكنولوجيا بهذا التعقيد الشديد ومع وجود القليل من الإجماع حول طبيعة التحدي أو حتى المفردات اللازمة لمناقشته”.
أو كما لخص إيلون ماسك هذا الجدل في 2014 في تغريدة بليغة، “ينبغي أن نكون حذرين للغاية مع الذكاء الاصطناعي. يحتمل أن يكون أكثر خطورة من الأسلحة النووية “.
تتمثل إحدى عيوب كتاب عصر الذكاء الاصطناعي في أنه يشبه إلى حد كبير سلسلة مونولوجات من قبل المؤلفين حول موضوعاتهم المفضلة بدلا من الحوار الجذاب الذي كان من الممكن أن يرفع مستوى النقاش حقا. يفترض أن الفصل الأكثر إثارة للاهتمام، حول الأمن والنظام العالمي كتبه كيسنجر. يجب أن يقرأه أي شخص يحاول فهم الجغرافيا السياسية اليوم.
كان الهدف الأبدي للاستراتيجيين العسكريين هو إبراز القوة عبر مسافات أكبر من أي وقت مضى بقوة وسرعة أكبر بشكل تدريجي. لكن القوى العظمى في ذلك الوقت التي طورت هذه التكنولوجيات فعلت ذلك في سياق المنافسة بينها وفي وضح النهار. على الرغم من أن الولايات المتحدة سبقت الاتحاد السوفياتي في تطوير القنبلة الذرية، إلا أن القوى الأخرى لحقت بالركب ويمكنها أن تحسب مخزون الصواريخ لدى بعضها بعضا.
لكن التكنولوجيات العسكرية الأكثر ديناميكية وخفية، مثل الأسلحة السيبرانية، تضاعفت أخيرا وأصبحت أكثر تدميرا، بينما أصبحت استراتيجيات استخدامها لأهداف محددة أكثر مراوغة. تماما كما تم إلقاء اللوم على خوارزميات التداول سيئة التصميم في زعزعة استقرار الأسواق المالية، فإن الأسلحة الإلكترونية المحسنة بالذكاء الاصطناعي يمكن أن تؤدي إلى “انهيار استراتيجي سريع”. وكما يقول المؤلفون، “يتمتع الذكاء الاصطناعي باحتمال زيادة القدرات التقليدية، والنووية والإلكترونية بطرق تجعل العلاقات الأمنية بين المنافسين أكثر صعوبة في التنبؤ والمحافظة عليها والحد من النزاعات”.
وعلى الرغم من أن كيسنجر يعد واحدا من كبار المسؤولين الأمريكيين في شؤون الصين، وقد ترأس شميدت تقرير لجنة الأمن القومي الأمريكي الأخير حول الذكاء الاصطناعي الذي حذر من القوة التكنولوجية المتنامية للصين، إلا أن الكتاب لا يقدم نظرة ثاقبة حول طموحات بكين كما يتوقع القارئ. لكن المؤلفين يحثون الولايات المتحدة والصين على التحدث مع بعضهما بعضا بشكل مباشر ومنتظم حول مبادئهما الإلكترونية وخطوطهما الحمراء وعدم التنازل عن كثير من القوة لأنظمة صنع القرار الآلية. وعلى الأقل، يجب على واشنطن وبكين ضمان بقاء صانعي القرار البشر “على علم بالتطورات” لزيادة وقت الحوار والدبلوماسية إلى أقصى حد خلال المواقف المتطرفة والعمل معا لمنع الانتشار الخطير للذكاء الاصطناعي العسكري.
إن الفصول المتبقية في الكتاب مثيرة للاهتمام بما فيه الكفاية ولكنها نادرا ما تبرز أرضية جديدة. في كتاب دور الروبوتات، قام مارتن فورد بعمل أفضل في وصف التأثير الاقتصادي المحتمل للذكاء الاصطناعي. وفي كتاب أطلس الذكاء الاصطناعي، تعد كيت كروفورد أكثر إبداعا في استكشاف السياق الاجتماعي والسياسي والبيئي الأوسع للتكنولوجيا.
لكن كتاب عصر الذكاء الاصطناعي يطرح سؤالين كبيرين يحيران العقل حول الذكاء الاصطناعي وسيتردد صداهما لعقود قادمة. عندما يتعلم برنامج من تصميم الإنسان، مثل البرنامج الخاص بـ”جوجل” تشغيل ألعاب ألفا زيرو، ويطبق نموذجا لا يستطيع أي إنسان التعرف عليه أو فهمه، فهل يؤدي ذلك إلى تطوير المعرفة؟ أم أن هذا يعني لأول مرة في تاريخ البشرية أن المعرفة تنحسر عنا؟