الملكية الفكرية الرقمية

44

نادية عبدالرزاق

تعتبر الملكية الفكرية نتاج الفكر الإنساني من اختراعات وإبداعات فنية، جاء تعريفها بأنها “أعمال الفكر الإبداعية أي الاختراعات والمصنفات الأدبية والفنية والرموز والأسماء والصور والنماذج والرسوم الصناعية”، وتنقسم إلى ثلاث فئات الملكية الصناعية – الملكية التجارية – الملكية الأدبية.

ارتبطت فكرة حقوق الملكية الفكرية بالجانب الإبداعي الإنساني باعتباره المعبّر عن الفكر الإبداعي بمختلف أشكاله إلا أن الثورة الرقمية الذكية أوجدت ذكاءً اصطناعياً لا يقلّ أهمية عن نظيره الإنساني بل يمكن أن يتفوق عليه، والذي ترتب عليه إعادة تكييف ماهية تلك الحقوق سواء ارتبطت بالجانب الإنساني أو استقلت بالجانب الاصطناعي.

وبالرغم من صعوبة الاعتراف بحقوق الملكية الفكرية عامة والأدبية خاصة في الماضي، جاءت الأنظمة القانونية الجديدة مع فكرة الحماية القانونية لهذا الحق، واضعة أنظمة قانونية خاصة به، ومع عصر الثورة الرقمية ببعديها الإلكتروني التقليدي “الحاسب الآلي” والرقمي الذكي “الذكاء الاصطناعي” طرحت هذه الثورة تحديات جديدة أمام هذه المنظومات في إعادة تكييف الحق وقواعد حمايته، ولئن كانت هذه المنظومات تكيفت بشكل كبير من نتائج تلك الثورة ببعديها الرقمي والتقليدي، فكان عليها أيضا التكيف مع مخرجات هذه الثورة في بعدها الرقمي “الذكاء الاصطناعي”.

ويقود الذكاء الاصطناعي تطورات مهمة  في التكنولوجيا والأعمال حيث يتم استخدامه عبر مجموعة واسعة من الصناعات مع التأثير على كل جانب من جوانب الإنشاء، ويرتبط الذكاء الاصطناعي مع الملكية الفكرية بطرق عديدة من ضمنها تأثير الذكاء الاصطناعي على قانون البراءات وحق المؤلف وقانون التصاميم.

ولطالما كانت الأهداف الأساسية لنظام الملكية الفكرية هي تشجيع التكنولوجيا الجديدة والأعمال الإبداعية وإنشاء أساس اقتصادي مستدام للاختراع والإبداع من منظور اقتصادي بحت، وإذا وضعنا جانباً الأهداف الأخرى لنظام الملكية الفكرية مثل الحقوق المعنوية، فليس هناك سبب يمنعنا من استخدام الملكية الفكرية لمكافأة الاختراعات أو الابتكارات التي تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي، ويستخدم أصحاب الحقوق مجموعة من التكنولوجيات الرقمية لحماية مصنفاتهم من الانتهاك، إذ تحمي هذه التكنولوجيا المصنفات من أي تغيير غير مصرح به، ووفقاً للقانون الدولي لا يجوز إزالة أو تغيير أو تجاوز حماية إدارة الحقوق الرقمية.

كما أن الاستخدام الواسع لتقنيات الذكاء الاصطناعي أدى إلى تغيير مفاهيم الملكية الفكرية الراسخة كبراءات الاختراع والتصميمات  نتيجة للاقتصاد الرقمي بصفة عامة، وليس الذكاء الاصطناعي وحده.

ولما كانت فكرة الذكاء الاصطناعي قائمة على التفكير بمختلف مجالاته الأدبية والصناعية والتجارية والتقنية، فما الذي يمنع أن يصبح لهذا الذكاء حقوقه الفكرية الخالصة، خاصة مع تطور فكرة التعلم العميق “للإنسآلة” التي أصبحت اليوم موجودة ومهيأة للانتشار بشكل واسع في كثير من المجالات الأدبية، وطالما أن الأمر قد طال الجانب الأدبي لهذه الحقوق فلا شيء يمنع من إمكانية حدوثه في الجانب الصناعي والتجاري، لا سيما في إطار عمليات التصميم.

ومن الناحية القانونية، تعاملت النظم والدراسات القانونية والقواعد التشريعية مع مصنفات المعلوماتية بوصفها تنتمي إلى بيئة الكمبيوتر، وهو اتجاه تعبر عنه دراسات فرع قانون الكمبيوتر في النظم المقارنة، وقد شملت هذه المصنفات ابتداء من منتصف السبعينيات وحتى وقتنا الحاضر ثلاثة أنواع من المصنفات: “البرمجيات، قواعد البيانات، طبوغرافيا الدوائر المتكاملة”، وهي مصنفات جاءت وليدة علوم الحوسبة مستقلة عن علوم الاتصال وتبادل المعطيات وشبكات المعلومات، ومع ظهور شبكات المعلومات ظهرت أنماط جديدة من المصنفات تثير مسألة الحاجة إلى الحماية القانونية وهي أسماء النطاقات أو الميادين أو المواقع على الشبكة، وعناوين البريد الالكتروني، وقواعد البيانات على الخط التي تضمها مواقع الانترنت، تحديدا ما يتعلق بالدخول إليها واسترجاع البيانات منها والتبادل المتعلق بمحتواها، وهو تطور لمفهوم قواعد البيانات السائدة قبل إنتشار الشبكات التي كان مفهوما أنها مخزنة داخل النظام أو تنقل على واسطة مادية تحتويها.

ويثار التساؤل حول مدد الحماية القانونية لحقوق الملكية الفكرية الواردة عليه، نظراً لاختلاف المدد الزمنية لكل منهما، ذلك أن “الأنسآلة” يكاد يجمع بين مكوناته مختلف أنواع هذه الحقوق، بمددها المختلفة، ما بين حق المؤلف بمدته طوال حياة المؤلف وخمسين عاماً بعد وفاته تبدأ من السنة التالية لوفاته، والحق ببراءة الاختراع لمدة عشرين عاماً، وكذلك الحق بالاسم التجاري والعلامة التجارية والرسوم والنماذج الصناعية، مما يجعل حين ذاك إمكانية أن تتحرر بعض الحقوق دون غيرها من هذه الحماية أمراً وارداً ومتحققاً، ونرى أن ذلك عيب تشريعي يجب تلافيه من خلال وضع إطار تشريعي خاص بقواعد حماية الملكية الفكرية لبعض المنتجات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي التي تجتمع فيها مختلف أوجه الحماية القانونية لهذه الحقوق، بحيث تكون موحدة في هذا المجال أو تطبق المدة الأطول في الحماية.

كما أن حوالة الحق لهذه الحقوق تختلف بين حق وآخر، وتحديداً في العلاقة القانونية بين صاحب العمل والعامل، فلو توصل العامل إلى اختراع معين أو نموذج معين، هل تكفي النصوص الحالية لتنظيم العلاقة القانونية بين صاحب العمل والعامل حول هذه الحقوق؟ خاصة أن بعض هذه الحقوق تعتبر منتقلة حكماً إلى صاحب العمل بموجب نص القانون، في حين أن حقوقاً أخرى تحتاج إلى اتفاق قانوني بين العامل وصاحب العمل على هذه الحقوق، وعليه في حال تنازع هذه الحقوق بين الطرفين فإن الأمر يحتاج إلى تدخل تشريعي لمعالجة هذه الإشكالية القانونية في مجال حماية حقوق الملكية الفكرية، وعليه يمكن القول إن هذا التداخل بين الذكاء الإنساني والاصطناعي لم يحمل تغييراً جذرياً في ماهية الحق، وإن كان يوجب تدخلاً تشريعياً لتناول طرق وإجراءات حماية هذا الحق.

أخلاقيات استخدام التقنية وحقوق الملكية الفكرية

اترك رد

Your email address will not be published.