
قدرات الذكاء الاصطناعي: هل يتعلّم كما يفعل الإنسان؟
قدرات الذكاء الاصطناعي: هل يتعلّم كما يفعل الإنسان؟
AI بالعربي – متابعات
يُقبل كثيرٌ من الأشخاص في عالمنا المعاصر على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لتعلُّم مهاراتٍ جديدة، وترجمة اللغات، وحلِّ المشكلات المعقَّدة، بل وحتى للدردشة وطلب النصائح في شتَّى المواضيع. ويظنُّ بعضُ المستخدمين أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي تمتلك معرفةً شاملةً لا تُخطئ، ولديها قدرةٌ مستمرةٌ على التعلُّم ومواكبة أحدث المستجدات.
ومع التقدُّم السريع في مجالات العلم والتكنولوجيا والطب، تبرز تساؤلاتٌ جوهريةٌ حول ما إذا كان الذكاء الاصطناعي يتمتّع بإمكاناتِ تطويرٍ ذاتي تُشبه ما لدى البشر. ففي عالمٍ يعتمد بشكلٍ متزايدٍ على المنصات الذكية التي توفّر إجاباتٍ دقيقةً لأغلب الأسئلة، لا يزال الغموض يكتنف بعضَ جوانبِ قدراتِ الذكاء الاصطناعي وحدودِه.
في هذا التقرير، نستعرض إمكانياتِ الذكاء الاصطناعي في التعلُّم والتطوّر الذاتي، ونقارنها بقدرات الإنسان، مع تسليط الضوء على أبرز التحديات التي يواجهها هذا المجال.
هل يستطيع الذكاء الاصطناعي تطوير نفسه؟
تقنيات التعلُّم الآلي والتحسين الذاتي
يمكن للذكاء الاصطناعي تحسينَ أدائه من خلال تقنياتِ التعلُّم الآلي والتطوير الذاتي، شرطَ تزويده بالبيانات اللازمة. وتشمل هذه العمليات تحسينَ الكفاءة، وتطويرَ البُنى الداخلية للنظام، بل وحتى إنشاء نماذجَ أكثرَ تقدُّمًا. إلّا أن القدرة على التحسين الذاتي دون تدخُّلٍ بشري تبقى محدودة، خصوصًا عندما يتطلّب الأمر تجاوزَ حدود البيانات التي تم تدريب النظام عليها مسبقًا.
حدود اكتساب المعرفة لدى الذكاء الاصطناعي
تعتمد أنظمة الذكاء الاصطناعي مثل “ChatGPT” على مراحلَ تدريبٍ محددةٍ سلفًا، ولا تمتلك القدرة على التعلُّم أثناء التفاعل المباشر مع المستخدمين. يتطلّب إدخالُ بياناتٍ جديدةٍ إعادةَ تدريب النموذج من نقطة البداية، وهي عملية تُعدُّ مُكلفةً من حيث الوقت والموارد. ويشير الخبراء إلى أن هذا القيد مرتبطٌ ببنيةِ النماذج، لا سيّما تلك المبنية على الشبكات العصبية الاصطناعية.
نموذج التطوّر الدارويني في الذكاء الاصطناعي
طوّر باحثون تقنياتٍ جديدةً تُحاكي نظريةَ التطوّر البيولوجي، مستندين إلى مفهوم “البقاء للأصلح”، بهدف تطوير أنظمةِ ذكاءٍ اصطناعي قادرةٍ على التطوّر تلقائيًّا عبر أجيالٍ متعاقبةٍ دون تدخُّلٍ بشري، وفقًا لموقع “Science”. يُعدُّ هذا النهج خطوةً واعدةً نحو بناء نماذجَ تتعلّم بمرونةٍ وتتكيّف مع التغيّرات البيئية والبيانات الحديثة، ما يشكّل تطوّرًا نوعيًّا في هذا المجال.
ويرى عددٌ من العلماء أن هذا التوجّه قد يؤدّي إلى اكتشاف طُرُقٍ جديدةٍ ومبتكرةٍ في تصميم أنظمة الذكاء الاصطناعي، ويُمثّل خطوةً نحو نماذجَ قادرةٍ على التكيّف الذاتي المستمر.
ما حدود التعلُّم لدى الذكاء الاصطناعي مقارنةً بالإنسان؟
يختلف تعلُّم الإنسان عن تعلُّم الآلة من حيث الأسلوب والآلية. فالإنسان يكتسب المعرفة من خلال التفاعل المباشر مع محيطه، ويستند إلى الخبرة، والعاطفة، والوعي، والحدس. أمّا الذكاء الاصطناعي، فيعتمد على تحليل البيانات وتنفيذ الأوامر وفق خوارزمياتٍ محددةٍ سلفًا.
التعلُّم عبر الإنترنت مقابل التعلُّم البشري
لا يستمر الذكاء الاصطناعي في التعلُّم تلقائيًّا بعد التدريب إلّا إذا صُمّم خصيصًا لذلك. على سبيل المثال، تستخدم بعض الأنظمة تقنياتِ “التعلُّم عبر الإنترنت”، والتي تتيح لها تحديثَ نماذجها بشكلٍ لحظي مع ورود بياناتٍ جديدة. ورغم ذلك، يبقى هذا التعلُّم بعيدًا عن طبيعة التعلُّم البشري، إذ يحتاج الذكاء الاصطناعي إلى بياناتٍ منظّمة، ولا يستطيع التكيُّف من خلال الحدس أو المشاعر كما يفعل البشر.
ما أبرز العقبات أمام تعلُّم الذكاء الاصطناعي؟
نستعرض فيما يلي أهمَّ التحديات التي تواجه الذكاء الاصطناعي فيما يخصُّ التعلُّم وإنشاءَ المحتوى، مقارنةً بالقدرات البشرية، وفقًا لموقع “Medium”:
1. نقص الفهم والسياق
يفتقر الذكاء الاصطناعي إلى الفهم الحقيقي والسياقي للواقع، حيث يقتصر على أنماطٍ مستخرجةٍ من البيانات، دون إدراكٍ عميقٍ للمعاني أو المفاهيم.
2. غياب الإبداع والأصالة
رغم أن الذكاء الاصطناعي قادرٌ على إنتاج محتوى متنوّع، إلّا أنه يفتقر إلى الإبداع الأصيل والابتكار الحقيقي. فهو لا يستطيع توليدَ أفكارٍ جديدةٍ خارج نطاق ما تعلّمه، ولا يمتلك القدرةَ على تصوّر مفاهيمَ تجريديةٍ كما يفعل البشر.
3. الاعتماد على البيانات وجودتها
تعتمد دقّة وكفاءة الذكاء الاصطناعي على نوعيةِ البيانات المستخدمة في تدريبه. وإذا كانت هذه البيانات ناقصةً أو متحيّزة، فقد تؤدّي إلى مخرجاتٍ مشوّهةٍ وغير دقيقة.
4. غياب الذكاء العاطفي
لا يزال إدراكُ المشاعر الإنسانية والاستجابة لها يشكّل تحدّيًا كبيرًا أمام أنظمة الذكاء الاصطناعي. فرغم التقدُّم الملحوظ في معالجة اللغة الطبيعية، إلّا أن الذكاء العاطفي والتعاطف يظلان من الصفات المعقّدة التي لم تُحاكِها النماذج الذكية بشكلٍ حقيقي بعد.
خلاصة
يمتلك الذكاء الاصطناعي قدراتٍ متقدّمةً في التعلُّم والتحسين، إلّا أن هناك حدودًا واضحةً لفهمه وإبداعه، مقارنةً بالإنسان. ورغم ما حققته بعضُ التقنيات من تطوّرٍ في القدرة على التكيّف والتطوّر الذاتي، لا يزال التعلُّم البشري متفوّقًا من حيث العمق، والسياق، والقدرة على الإبداع والتعاطف. وفي ظلّ تسارع البحث العلمي، قد نشهد مستقبلًا ذكاءً اصطناعيًّا أكثرَ مرونةً وتفاعلًا، لكنه سيظل – على الأقل في الوقت الراهن – مختلفًا عن الذكاء البشري في جوهره.