ثورة في أساليب التوظيف.. الذكاء الاصطناعي يختار العاملين
AI بالعربي – “متابعات”
على الرغم من الانعكاسات السلبية لجائحة كورونا على سوق العمل، وانخفاض أعداد الوظائف الجديدة، إلا أن ذلك لم يمنع بعض الشركات الدولية متعددة الجنسيات من طلب موظفين جدد، “فكل ما عليك هو إرسال بياناتك الشخصية وخبراتك في مجال العمل المطلوب”.
الأمر إذن معتاد.. ولا يوجد فيه أي جديد، لكن في الحقيقة هناك تغيير جذري في مشهد التوظيف الآن، تغيير لا يرتبط فقط بتفشي وباء كورونا، إنما بانتشار برامج الذكاء الاصطناعي المخصصة لاختيار العاملين الجدد.
في أساليب التوظيف الجديدة لا تلتقي بشخص أو لجنة من الأشخاص الذين يقومون بتقييم بياناتك الشخصية وخبراتك وجها لوجه ولا حتى عبر تطبيق “زووم” شائع الانتشار للتواصل عبر الشبكة العنكبوتية، حيث المعتاد أن تتلقى مجموعة من الأسئلة والاستفسارات، عليك الإجابة عنها لتقييم مستواك المعرفي وخبراتك ومهاراتك وقدراتك على أداء الوظيفية المطلوبة.
وحاليا تقوم الشركات بإرسال مجموعة من الألعاب الإلكترونية المرتبطة بالوظيفة محل التنافس بين الألف وربما مئات الآلاف من المتنافسين الراغبين في الحصول على العمل، وعلى المتقدمين اللعب وتحقيق أقصى درجات الفوز الممكن، لمعرفة وقياس مهاراتهم الحقيقية.. بالطبع ليس في مجال الألعاب الإلكترونية، إنما في المجال الذي تقدموا للحصول فيه على عمل.
بالنسبة إلى البعض قد يكون الأمر أكثر توتيرا من المقابلات الشخصية، وقد يحيد تماما مهارات البعض في إظهار قدراتهم على الإقناع، مستخدما مفردات لغوية تظهره بمظهر الخبير الملم بتفاصيل ودقائق المهنة، وربما تحيد برامج التوظيف عبر الذكاء الاصطناعي تأثير الأناقة والعطر الفواح وما يوفرانه من آثار إيجابية في اللجنة التي تختبرك للوظيفة الجديدة.
الأمر الآن بات أكثر حيادية، فالكمبيوتر هوالذي يقرر مستقبلك الوظيفي.. إذا كنت تفضل تلك الطريقة في اختيار الموظفين الجدد مرحبا بك في عالم التوظيف عن طريق الذكاء الاصطناعي، ووداعا للمحسوبية والعلاقات الاجتماعية ومرحبا بالأكفاء. على الأقل هذا ما يروج له أنصار هذا الاتجاه الآخذ في الانتشار يوما بعد آخر.
قد لا نكون أمام ظاهرة جديدة تماما، لكننا أمام ظاهرة يتسع نطاقها بشكل ملحوظ خاصة مع التطور الضخم في مجال التكنولوجيا في الأعوام الأخيرة، وزيادة الطلب عليها بمعدلات كبيرة مع تفشي وباء كورونا، وتنامي قدرة برامج الذكاء الاصطناعي في الحكم بشكل أدق وأكثر حيادية على المهارات والقدرات الحقيقية للمتقدمين إلى الوظائف المطروحة.
أضف إلى ذلك السرعة في إظهار النتائج، وأيضا – وذلك شديد الأهمية – قدرتها على اختبار جميع من تقدموا لطلب الوظيفة دون استبعاد أحد، ما يحول في كثير من الأحيان دون تقدم بعض الراغبين في الوظيفة بدعاوى قضائية متهمين الشركة باستبعادهم من دخول اختبارات التوظيف لسبب أو آخر.
يقول لـ”الاقتصادية” نييل بورك خبير الذكاء الاصطناعي، “بالنسبة إلى بعض أكبر الشركات في العالم، أصبح الذكاء الاصطناعي والاعتماد الرقمي أحد الاعتبارات الأساسية في التوظيف حتى قبل انتشار الوباء، على سبيل المثال شركة فودافون عملاق الاتصالات العالمي كل عام يوجد لديها أكثر من مائة ألف خريج يتقدمون لشغل ألف وظيفة فقط، مع هذا العدد الكبير من المرشحين، تلجأ الشركة إلى اختبار تطبيق الذكاء الاصطناعي الذي يزيل التحيز البشري في عملية التوظيف، ولا يقتصر الأمر هنا على تغيير في كيفية توظيف الشركة العاملين الجدد فحسب، بل أيضا يمتد إلى استخدام برامج الذكاء الاصطناعي لتحديد الأشخاص الذين تتم ترقيتهم وكيفية دعمهم وتطويرهم وإعادة تدريب الموظفين الحاليين والجدد”.
ويتوقع أن يصل توفير فرص العمل المرتبطة بالذكاء الاصطناعي إلى مليوني وظيفة جديدة صافية في الأعوام القليلة المقبلة على المستوى الدولي.
ولفهم مدى التوسع الجاري في ظاهرة التوظيف عبر برامج الذكاء الاصطناعي أعلنت شركة “هايرفيو” العالمية للتوظيف أنه منذ نشأتها حتى أيلول (سبتمبر) 2019 أجرت ما مجموعه 12 مليون مقابلة من بين هؤلاء تم تنفيذ نحو 20 في المائة باستخدام برامج الذكاء الاصطناعي، بينما تم تنفيذ 80 في المائة الأخرى باستخدام محاور بشري على الطرف الآخر من شاشة الفيديو، وقد ارتفع عدد المقابلات التي قامت بها منذ عام 2019 حتى الآن إلى 19 مليون مقابلة بالنسبة المئوية ذاتها بين برامج الذكاء الاصطناعي والحوارات البشرية.
من جهتها، تدافع إلين راسل من شركة “الخدمات الدولية ” للتوظيف عن هذا التوجه وتدعو إلى توسيع نطاقه.
وتؤكد لـ”الاقتصادية” أنه يمكن للسير الذاتية أن تمنح المعرفة بالمهارات العامة التي يمتلكها الساعي للحصول على الوظيفة، ولكن في كل وظيفة هناك مهارات خفية، لكنها ضرورية وتسهم بشكل كبير في نجاح الوظيفة، وفي أساليب الاختيار التقليدية للمتقدمين لشغر تلك الوظائف، فإنه يمكن بشكل محدود للغاية معرفة مدى تمتع الممتحن بتلك المهارات الخفية، التي لا تظهر إلا بعد فوزه بالوظيفة.
وتضيف “الاختبارات التي يقوم بها الذكاء الاصطناعي تمكننا من التوصل إلى تلك الجوانب الدقيقة المتعلقة بمدى تمتع المتقدمين للعمل بتلك المهارات الخفية”.
بالتأكيد لا يشاطر الجميع إلين راسل تلك القناعة، ومن بين هؤلاء شركة أمازون عملاق التجارة الإلكترونية التي ألغت نظاما من هذا القبيل عام 2018، بعد أن ظهرت فيه ثغرات بالانحياز ضد النساء وتفضيل الرجال لأنهم غالبا يتمتعون بخبرة أكبر في صناعة التكنولوجيا عندما يقدمون سيرتهم الذاتية.
يصعب نفي أن أنظمة الذكاء الاصطناعي في مجال التوظيف تحديدا لا تزال تواجه عددا من التحديات، فمثلا اللهجات المختلفة تمثل تحديا ملحوظا، يضاف إليها تحدي فهم المعنى المتضمن في الكلمات أو ما يعرف بالدلالات، ولذلك تأثير كبير في فهم الفروق الدقيقة والسياق الذي يريد أن يشرح فيه المتقدم للعمل فكرته، بعكس ما يحدث عند إجراء المقابلة مع فريق من الخبراء.
ولذلك يرفض الدكتور كريس أرثر أستاذ أنظمة المعلومات حصر “نظرتنا إلى الذكاء الاصطناعي في مجال التوظيف في القول إنه مفيد فقط، وأن نغمض أعيننا عما فيه من عوار”.
ويقول لـ”الاقتصادية”، “الحياد حتى مع أنظمة الذكاء الاصطناعي المتاحة عملية شديدة الصعوبة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتوظيف بناء على مقارنة مئات وآلاف من قوائم البيانات الشخصية، التي تعد فيها الخبرات السابقة عاملا حاسما في مجال الحصول على عمل، ولذلك هناك اتجاه متنام من قبل الشركات التي تتبنى برامج الذكاء الاصطناعي في التوظيف، بأن تقوم عبر تلك البرامج بالبحث في شبكة الإنترنت عن أفضل الأشخاص القادرين على أداء الوظيفة، ومن ثم لا تنتظر طرح إعلان لطلب موظفين جدد والاختيار بينهم، بل تقوم هي بملاحقة الأفراد للتوظيف بشكل استباقي”.
أيا كان موقفك من استخدام الذكاء الاصطناعي في عمليات التوظيف فإننا أمام اتجاه آخذ في الصعود، فبحلول عام 2029 فإن النمو في استخدام الذكاء الاصطناعي سيحل محل 16 في المائة من وظائف قطاع التوظيف وأقسام الموارد البشرية، وهو ما يبدو أن الشركات الآسيوية بما فيها الشركات الصغيرة والمتوسطة قد بدت أكثر انتباها له، ليس فقط لأنه يؤدي إلى خفض تكاليف عمليات التوظيف وتوفير الوقت، لكنه يضمن لها الحصول بدقة على أشخاص يمتلكون المواهب والقدرات اللازمة لتطوير أعمالها.
هذا، وقد كشفت دراسة حول الذكاء الاصطناعي لمعهد ماكينزي العالمي أن أكثر من 30 في المائة من أكبر الشركات في جنوب شرق آسيا ذكرت مصطلحات مثل التعليم الآلي والذكاء الاصطناعي في تقاريرها السنوية مقارنة بـ6 في المائة فقط عام 2011، ما يوضح بلا جدال أن الذكاء الاصطناعي يتجه إلى صدارة الأعمال الاستراتيجية، وسيحدد مستقبلا من سيعمل ومن سينضم إلى طوابير العاطلين عن العمل.