هل يقيِّم الذكاء الاصطناعي مواهبنا؟
AI بالعربي – خاص
تظل كل قيمة أو موهبة أو إمكانية مصدر إبهار وإعجاب للكثيرين، ويظل التقييم معيارًا أساس للحكم على مدى روعة وجدوى ما يُقدَّم بوصفه موهبة متميزة. ومع التطور التقني الهائل في عصرنا، أصبح الذكاء الاصطناعي لاعبًا رئيسيًا في هذه العملية، حيث يسعى إلى تقديم أساليب مبتكرة وفعّالة لتحديد المهارات والكفاءات، مما يطرح تساؤلات حول دقة هذه التقييمات ومدى قدرتها على استيعاب الجوانب الإبداعية والإنسانية في المواهب. فهل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحكم على عمق موهبة الإنسان بنفس إحساس ومعايير البشر؟ وهل نرى فيه مستقبلًا يعزز من تقدير الإمكانات البشرية أم يختصرها في أرقام وبيانات؟
تقييم المواهب: المفهوم والأهمية
تقييم المواهب هو عملية شاملة تهدف إلى قياس مهارات الأفراد وكفاءاتهم بهدف دعم القرارات المتعلقة بالتوظيف والتطوير المهني. يتضمن هذا التقييم أساليب متعددة تتراوح بين المقابلات التقليدية وتقنيات متقدمة مثل محاكاة الواقع الافتراضي. يُستخدم تقييم المواهب إما قبل التوظيف لتحديد مدى ملاءمة المتقدم للوظيفة، أو بعد التوظيف لتحديد احتياجات التطوير. وقد أظهرت الأبحاث الأكاديمية أن التقييم السليم يساهم بشكل كبير في تعزيز قرارات التوظيف وتحقيق أقصى استفادة من الموظفين. يعد علم القياس النفسي جزءًا رئيسيًا في هذه العملية، حيث يُستخدم لقياس السمات النفسية والسلوكيات بشكل علمي.
دور التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في تقييم المواهب
تشهد عملية تقييم المواهب تطورًا ملحوظًا بفضل الابتكار التكنولوجي والذكاء الاصطناعي، الذي يسهم في تحسين دقة التقييمات التقليدية وتطوير طرق جديدة لجمع بيانات دقيقة مثل البيانات الصوتية والمرئية. كما أن هناك تركيزًا متزايدًا على تجربة المرشحين بفضل الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة مثل الأجهزة المحمولة. ومنذ الأزمة الاقتصادية في عام 2008، أصبح تحسين تجربة المستخدم محورًا رئيسيًا. الذكاء الاصطناعي يُعدّ الآن أداة أساسية تساهم في جعل التقييمات أكثر شمولًا ودقة، مما يعزز من القدرة على استكشاف إمكانيات جديدة وتحسين القرارات المتعلقة بإدارة المواهب.
فعالية الذكاء الاصطناعي في الكشف عن المواهب وتقييمها
بحسب تقرير “الإرشادات الخاصة باستخدام وتقييم الذكاء الاصطناعي في تقييم المواهب”، الصادر عن الهيئة الاتحادية للموارد البشرية الحكومية، عام 2023، بالإمارات العربية المتحدة، أشار نحو أدوات تقييم المواهب الذكية:
1. التنبؤ بشكل أفضل
يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي، مثل التعلم العميق، تحسين دقة التنبؤ بالنتائج المتعلقة بالمواهب، مثل الأداء الوظيفي ومعدل الدوران، مما يساهم في اتخاذ قرارات توظيف أكثر فاعلية ودقة.
2. أقل تحيزًا
عند تطبيقها بشكل صحيح، تتيح أساليب الذكاء الاصطناعي إمكانية اكتشاف وتقليل التحيزات البشرية في عمليات التقييم، مما يجعل عملية الاختيار أكثر عدالة وإنصافًا.
3. أساليب جديدة
يُقدم مجال الذكاء الاصطناعي تقنيات مبتكرة تستطيع دمج وتحليل البيانات الصوتية والمرئية، مما يوسع من نطاق المعلومات المستخدمة في التقييم.
4. الرد المنطوق
باستخدام تقنيات معالجة اللغة الطبيعية والتعلم الآلي، يمكن للمرشحين الإجابة على التقييمات باستخدام اللغة الطبيعية، مما يجعل التفاعل مع عملية التقييم أكثر طبيعية وسلاسة.
5. أكثر واقعية
تسمح القدرات المتقدمة لتحليل اللغة المنطوقة والمعلومات المرئية بتطوير سيناريوهات محاكاة واقعية للغاية، مما يعزز من كفاءة التقييم من خلال توفير بيئات مشابهة للواقع.
6. تجربة أفضل
يمكن أن تُسهِم أساليب التعلم الآلي في تبسيط عملية التقييم، مما يجعلها أكثر كفاءة ويوفر تجربة أكثر إيجابية للمرشحين.
المخاطر القانونية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في تقييم المواهب
• حماية البيانات
تعد حماية البيانات واحدة من أبرز المخاطر القانونية المتعلقة باستخدام الذكاء الاصطناعي. يتمحور هذا الخطر حول كيفية جمع البيانات الشخصية للأفراد واستخدامها. العديد من الدول وضعت لوائح صارمة لتحديد الأطر القانونية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الشخصية. على سبيل المثال، يفرض قانون حماية البيانات في الإمارات العربية المتحدة واللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) في الاتحاد الأوروبي قيودًا على المعالجة الآلية للبيانات، مما يتيح للأفراد الاعتراض على القرارات المؤتمتة التي تؤثر بشكل كبير على حياتهم. كذلك، في الولايات المتحدة، تفرض قوانين مثل قانون “إجراء المقابلات باستخدام الفيديو بالذكاء الاصطناعي” الحصول على موافقة المتقدمين وتوفير الشفافية حول كيفية استخدام بياناتهم.
• التحيز
يشكل التحيز خطرًا قانونيًا آخر في تقييم المواهب باستخدام الذكاء الاصطناعي. يحدث التحيز عندما تؤدي الخوارزميات إلى نتائج تمييزية ضد الأفراد بناءً على خصائص مثل العرق أو الجنس أو العمر. يمكن أن يقلل الذكاء الاصطناعي من التحيز إذا تم تصميمه بشكل صحيح، ولكن قد يزيد من التحيز إذا استند إلى بيانات تدريب غير متوازنة أو مشبعة بالتحيز البشري. يتطلب تقليل التحيز مشاركة الخبراء في تصميم الخوارزميات لضمان إنصاف التقييمات وفعاليتها من البداية.
مخاطر أخرى
• مخاطر العلاقات العامة والسُمعة
يمكن أن تؤثر طريقة تصميم واستخدام الذكاء الاصطناعي على سمعة المؤسسة إذا تم اعتباره غير عادل أو تدخلّي. قد يشارك المتقدمون ردود أفعالهم السلبية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما يضر بصورة المؤسسة ويؤثر على استقطاب المواهب. لذلك، يعد الاهتمام بتجربة المرشحين وتطوير أنظمة عادلة ومنصفة أمرًا حاسمًا لتجنب هذه المخاطر.
• مخاطر الفعالية
تتمثل مخاطر الفعالية في إمكانية أن يقدم الذكاء الاصطناعي تقييمات غير دقيقة أو غير قابلة للتفسير. قد تنجح الخوارزميات في اختبارات أولية ولكنها تفشل في التعميم عند تطبيقها على سيناريوهات جديدة. يمكن أن يحدث هذا بسبب تعقيد النماذج وصعوبة فهم آليات اتخاذ القرارات الخاصة بها. لمعالجة هذا التحدي، يجب أن يتعاون الخبراء مع المطورين لضمان أن الخوارزميات تقيس الخصائص ذات الصلة بالوظيفة وتعمل بكفاءة في مختلف الظروف.
حلول ذكية في تقييم المواهب
1. الإرشادات في تقييم الذكاء الاصطناعي: نظرًا لتعقيد استخدام الذكاء الاصطناعي في تقييم المواهب، تم تطوير إرشادات شاملة لتوجيه صانعي القرار في مراجعة وتطبيق هذه الأنظمة. تشمل الإرشادات أسئلة عامة ومقاييس مرتبطة لتقييم التقييمات القائمة على الذكاء الاصطناعي، مع التأكيد على أهمية توفير الشفافية والوضوح حول كيفية استخدام البيانات. تُقدَّم أيضًا أفضل الممارسات لتطوير أنظمة عادلة وفعالة تتماشى مع التوصيات الحديثة.
2. أفضل الممارسات لتطبيق الذكاء الاصطناعي: تتضمن أفضل الممارسات لتقييم المواهب باستخدام الذكاء الاصطناعي: تقليل البيانات وضمان تنوعها وجودتها، تطوير أنظمة شفافة تُفسّر نتائجها بوضوح، تصميم التقييمات بطريقة تعزز العدالة منذ البداية، والتحقق المستمر من صحة القرارات التي تقدمها الأنظمة. كما يتطلب دمج الإشراف البشري لتجنب اتخاذ قرارات تلقائية بالكامل، بالإضافة إلى توفير إشعارات واضحة للمشاركين وطلب موافقتهم على التقييم.
3. الإطار العام لمراجعة التقييمات: يشتمل إطار مراجعة التقييمات على أسئلة رئيسية تهدف إلى ضمان موثوقية وكفاءة أنظمة الذكاء الاصطناعي، مثل: مدى ملاءمة بيانات التدريب، طريقة اتخاذ القرارات، مدى انحياز النتائج، دقة وصحة القرارات، ومدى تأثير الإشراف البشري. من الضروري أيضًا التأكد من وضوح المعلومات التي يتلقاها المرشحون حول العملية لضمان تجربة تقييم شفافة ومنصفة.
منصات اختيار الكفاءات الذكية
هناك عدد من المنصات تعمل على أتمتة العديد من مهام التوظيف، بما في ذلك توزيع إعلانات الوظائف عبر قنوات مختلفة، والاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي للتواصل مع المرشحين، وتنظيم وإدارة السير الذاتية، وتتبع حالة الطلبات، واختيار الأجدر وأصحاب الكفاءات بآلية موضوعية.
1. إيريس من كويروس: تُعد إيريس منصة توظيف بالذكاء الاصطناعي تُسرّع عملية التوظيف من خلال أتمتة مهام مثل تحديد المصادر، القوائم المختصرة، والتواصل مع المرشحين في غضون 24 ثانية. تُنشئ أوصافًا وظيفية مخصصة لجذب المواهب المناسبة وتُرسل رسائل شخصية للمرشحين المختارين. تشمل ميزاتها نظام تتبع المتقدمين (ATS)، قدرات متعددة اللغات، والوصول إلى أكثر من 100 لوحة وظائف.
2. Elevatus : منصة توظيف حائزة على جوائز عالمية، تُقدم حلولًا مبتكرة لأتمتة عملية التوظيف. تُساعد الشركات على تعزيز جودة الأداء وكفاءة الإنتاجية من خلال ميزات مثل نظام تتبع المتقدمين، التقييمات بالفيديو، وبرامج الالتحاق بالعمل. تُعزز تجربة التوظيف وتُسهّل العثور على أفضل المواهب.
3. ماناتال: منصة مدعومة بالذكاء الاصطناعي تُبسّط عملية التوظيف من خلال أتمتة المهام المتكررة وتقديم توصيات لأفضل المرشحين. تُتيح التخصيص السهل لخط أنابيب التوظيف عبر واجهة السحب والإفلات وتوفر رؤية موحدة لتقدم التوظيف. تشمل ميزاتها توصيات المطابقة التلقائية وإثراء الملف الشخصي للمرشح.
4. Workable: برنامج توظيف شامل يُمكّن من نشر فرص العمل على أكثر من 200 منصة. يُقدم توصيات مدعومة بالذكاء الاصطناعي لأفضل المرشحين، نظام إحالة، وتجربة مرشح حديثة مع تطبيقات متوافقة مع الأجهزة المحمولة. يُسهّل جدولة المقابلات وإدارة عملية التوظيف بكفاءة.
5. LinkedIn Recruiter: منصة احترافية عالمية تُتيح الوصول إلى أكثر من 400 مليون ملف شخصي. تُساعد في استهداف المتقدمين المؤهلين من خلال فرص عمل مصممة خصيصًا وتُقدّم تقارير بيانات السوق لتعزيز استراتيجية التوظيف. تتضمن ميزاتها نظام تتبع المتقدمين (ATS) وخط أنابيب مرشحين مُنظّم على صفحة مقصودة واحدة.
ختامًا، أدوات تقييم المواهب آليات ووسائل لانتقاء الكفاءات، والمُتَّفقُ عليه أنَّ الإشراف البشري أساس، إلَّا أنّ معايير الشفافية والسعي نحو الحياد في اعتماد الأفضل يجعل منها خيارًا ذي ضرورة أمام أصحاب القرار ومسؤولي التوظيف داخل المؤسسات الذين يودُّون تأدية هذه المهمة بذكاء وأتمتة.