هل يُحدث الذكاء الاصطناعي تحولًا في تقييم كليات الأعمال؟

15

AI بالعربي – متابعات

شهد الاجتماع السنوي لجمعية تطوير كليات الأعمال توافد جموع من الحاضرين، ومنهم أساتذة وعمداء وإداريون، إلى أحد الأكشاك ليجربوا روبوت دردشة صمم للتعامل مع بعض أصعب المسائل في مجال تعليم الأعمال.

لقد طوّرت كلية “هوب” لإدارة الأعمال في جامعة سانت جوزيف في فيلادلفيا هذا البرنامج التجريبي الذي أطلقت عليه تسمية “تشات إس دي جي ChatSDG”، وهي تروّج له على أنه أداة “ثورية” تتيح للكليات التفاعل أكثر مع العالم، والحفاظ على اتصالها مع الواقع. فمن تقييم تأثير الأعمال على المجتمع، إلى تحفيز طرح تساؤلات حول أهداف البحوث الأكاديمية، يعد “تشات إس دي جي” بإحداث تحوّل في قطاع تعليم الأعمال ليصبح “قوة خير”، حسب وصف الأستاذ في كلية “هوب” ديفيد ستاينغارد.

حاجة ماسة

يؤدي “تشات إس دي جي” مهمة بسيطة نوعًا ما، إذ يقيّم برنامج الذكاء الاصطناعي الخاص بالنماذج اللغوية الضخمة، بالاعتماد على خوارزميات مدربة على مئات آلاف المقالات، مدى انسجام الدوريات البحثية والمقالات الفردية مع أهداف التنمية المستدامة الـ17 التي حددتها الأمم المتحدة، وهي تتراوح بين القضاء على الفقر والجوع إلى مكافحة التغير المناخي.

بمجرد أن ينتج روبوت الدردشة التقرير المفصّل، يصبح بإمكان الكليات استخدام هذه التصنيفات لتحقيق المتطلبات اللازمة للحصول على اعتماد من جمعية تطوير كليات الأعمال، التي تعدّ المؤسسة الرائدة في منح الاعتمادات لبرامج الماجستير في إدارة الأعمال. كانت الجمعية حدّثت معاييرها عام 2020 لإلزام كليات إدارة الأعمال بإظهار أنها تتعامل جدياً مع التأثير الاجتماعي، بحسب ستيفاني براينت، نائبة الرئيس التنفيذية للجمعية.

رأى ستاينغارد، أستاذ أخلاقيات الأعمال الذي قاد مشروع “تشات إس دي جي” أن ثمّة حاجة ماسة لهذه الأداة. وهو كان قد نشر إلى جانب زميلين آخرين دراسة في 2022 أظهرت أن اثنتين فقط بين أهم 50 دورية نشرتا مقالات تنسجم مع الأهداف المستدامة للأمم المتحدة.

قال إن “الأمر أشبه بتحليل المصارف الخمسين الأولى، واكتشاف أن اثنين فقط يلتزمان بأدنى المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة والتنوع والمساواة والاندماج والتفاعل الاجتماعي”.

كان برنامج “تشات إس دي جي” نشأ عن عمل ستاينغارد الرامي لإعداد مبادرة إرشادية لأهداف التنمية المستدامة من كلية “هوب”، وهي منصة تحليلية للبيانات التفاعلية صممت في 2017، وتتيح للكليات الكشف عن الممارسات الفضلى على صعيد الاستدامة ومشاركتها.

تسهيل الاعتماد

قال ستاينغارد إن أداة الذكاء الاصطناعي الجديدة هذه تمضي إلى أبعد من ذلك، لأنها تحدد إطاراً ومقاييس محددة لتقييم تأثير البحوث على المجتمع. إذ يقيس روبوت الدردشة ما يسمّى “قوة التأثير على أهداف التنمية المستدامة” في كلّ دورية أو مقالة انطلاقاً من مجموع نقاط من صفر إلى خمسة.

على سبيل المثال، نال بحث ستاينغارد التحليلي للدوريات الخمسين الأولى تصنيف 4.25 على 5 من “تشات إس دي جي” لـ”إسهاماته المهمة في الخير الاجتماعي”. وحين تكون النقاط منخفضة، يقترح البرنامج سبل تحسينها.

تعاونت كلية “هوب” في تطوير “تشات إس دي جي” مع “كابيل سكولازي أناليتيكس Cabells Scholarly Analytics” في بومونت تكساس، التي تتحقق من الدوريات الطبية والأكاديمية فيما تفيض السوق بما يسمى الدوريات “الاستغلالية” التي تحتال على الباحثين دون أن يشكّوا بذلك. خلال 18 شهراً خلت، اختبرت برنامج “تشات إس دي جي” 10 كليات أعمال حاصلة على اعتماد جمعية تطوير كليات الأعمال.

لعلّ التأثير الأكبر لـ “تشات إس دي جي” هو تقليل الجهد الذي تبذله الكليات لتحصل على اعتماد جمعية تطوير كليات الأعمال. إذ يخصص العمداء والأساتذة ساعات طويلة في تقييم البحوث وكتابة التقارير واستقبال زيارات متعلقة بمراجعة الأقران.

ولم تحصل إلا 6% من كليات إدارة الأعمال حول العالم و33% من الكليات في الولايات المتحدة على اعتماد من جمعية تطوير كليات الأعمال، إذ قد تستغرق إجراءات الحصول على اعتماد ما يصل إلى ستّ سنوات، على أن تُجدد كلّ خمس سنوات بعد ذلك. قال عميد كلية “هوب” جوزيف دي أنجلو إن استخدام “تشات إس دي جي” لقياس مدى توافق مقالة ما مع أهداف التنمية المستدامة قد يوفر وقتاً جمّاً.

أضاف: “سيسهم ذلك في إحداث ثورة في المنهج الدراسي، وفي الطريقة التي يجري فيها الأساتذة بحوثهم، والطريقة التي تعرض فيها الكليات المعايير التي يجب أن تتمتع بها لتحصل على الاعتماد”.

ليس قفزة عملاقة

مثل كافة الاستخدامات الأخرى للذكاء الاصطناعي، السؤال المطروح يتعلق بما يحصل عند إقصاء البشر عن القيام بمهمة حرجة وتسليمها لآلة، بالأخص حين يمكن توسيع نطاق الآلة لتشمل آلاف المستخدمين.

يصرّ ستاينغارد على أن اللمسة البشرية حاضرة جداً في تدريب “تشات إس دي جي” وفي الإشراف عليه، ما يجعل النتائج أكثر دقة واتساقاً مقارنة بترك العمل برمته للبشر.

قال: “هذا أمر محرِر لأن القطاع الأكاديمي الذي أعيش فيه قد يكون بطيئاً ومتقلباً جداً، ولا يستند فعلاً إلى مبادئ ثابتة… ثمة حماسة إذاً حيال وجود أداة مدربة بشكل ملائم وتخضع إلى إشراف على أسس جدية وقابلة لإعادة الإنتاج ومتفق عليها دولياً”.

مع ذلك، فإن “تشات إس دي جي” ما يزال خطوة صغيرة ولا يرقى لأن يكون قفزةً عملاقةً. قال الأستاذ المساعد في كلية الإعلام في جامعة ميشيغان ميشا تيبليتسكي، المتخصص بالبحث عن طرق لتحسين كفاءة وموثوقية البحوث العلمية، إنه لم يجرب البرنامج بعد. لكن انطلاقاً من فهمه لطريقة عمل أداة الذكاء الاصطناعي، فهو يشكك في ما إذا كانت الأداة قادرة على أن تفعل ما يزيد عن قياس مدى توافق دورية أو مقالة مع أهداف الاستدامة، وهو أمر قال إن التقنيات الحالية قادرة على فعله.

تحوّل في الدراسات

هل يمكن لـ “تشات إس دي جي” أن يقيس فعلاً ما يطلق عليه تسمية “قوة التأثير”، أي مدى تأثير البحث على العالم الحقيقي؟ تعليقاً على ذلك، قال تيبليتسكي: “لا أعتقد أن هذا الأمر واقعي، فإظهار التأثير مسألة صعبة جداً حيث لا تتوفر لدينا حتى البيانات التدريبية الجيدة للقيام بذلك”. فمثلاً تحديد ما إذا كانت مقالة مفترضة عن الحفاظ على المياه قد ألهمت تشريعاً اتحادياً قاد إلى زيادة مستوى المياه الجوفية قد يكون صعباً سواء بالنسبة للبشر أو الآلة.

يتقبل ستاينغارد التشكيك بـ”تشات إس دي جي”، وقال: “السؤال عمّا إذا كان بالإمكان استخدام هذه الأدوات لتقييم التأثير على العالم ما يزال سؤالاً بلا إجابة، ولا أستطيع ادعاء أنه يقوم بأمر لا يقوم به في الواقع”.

مع ذلك، هو يصرّ على أن برنامج الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى حصول تحوّل إذا ما دفع بالقطاع الأكاديمي نحو مزيد من الأبحاث التي تتناول مشاكل من العالم الحقيقي. قال: “هذه المرة الأولى خلال مسيرتي المهنية التي أرى فيها تحولاً جذرياً في طريقة انتقال البحوث الأكاديمية والدراسات في مجال الأعمال نحو التركيز على مثل هذه المسائل التي تعني كوكبنا”.

خلال اجتماع جمعية تطوير كليات الأعمال في أتلانتا، استقطب كشك “كابيلز” و”تشات إس دي جي” سيلاً من قادة كليات الأعمال مدفوعين بالفضول حيال التحول الذي يجلبه الذكاء الاصطناعي إلى عالمهم. قال براينت من جمعية تطوير كليات الأعمال: “الناس متعطشون لذلك. هم متعطشون لهذه الأدوات الجديدة، وهذه أداة مهمة إضافية في صندوق الأدوات”.

اترك رد

Your email address will not be published.