الاقتصاد الرقمي
الدكتور/ عدنان مصطفى البار
أستاذ نظم المعلومات المشارك، قسم نظم المعلومات
جامعة الملك عبدالعزيز
الدكتور/ خالد علي المرحبي
أستاذ علوم الحاسب المساعد، قسم علوم الحاسب الآلي
جامعة أم القرى
المقدمة
أدى التقدم الهائل في تكنولوجيا المعلومات والإتصالات إلى تغيرات جوهرية في أنماط الحياة بمختلف مجالاتها، سواء على المستوى الفردي أو الأسري، وعلى مستوى المجتمعات، والإقتصاد والبيئة. حيث أدى بشكل مباشر إلى تغيير في أساليب ووسائل تنفيذ الأنشطة الإقتصادية ، وأنتج نوعاً جديداً من الإقتصاد عرف بالإقتصاد الرقمي، وانعكس تأثيره إيجابياً على المجتمع في العموم حيث إن التحول للإقتصاد الرقمي كفيل بتغيير وتحقيق أحداث جديدة تؤثر إيجابياً على المصالح الاقتصادية للدول عامة. تهدف هذه المقالة إلى تعريف القارئ بالإقتصاد الرقمي وكيف تميز عن الإقتصاد التقليدي وكيف أثر ذلك في المجتمعات.
مفهوم ومميزات الإقتصاد الرقمي
هو ذلك النوع من الإقتصاد الذي يقوم في مجمل عملياته على المعلومات، ويستند في أغلب خطواته على استخدام تكنولوجيا المعلومات والإتصالات التي ألغت كل الحدود والحواجز أمام تدفق المعلومات والسلع والخدمات وحركة رؤوس الأموال من وإلى أي نقطة في العالم، وفي أي وقت. يتميز الإقتصاد الرقمي بدخول تكنولوجيا المعلومات والإتصالات في مختلف الأنشطة الإقتصادية. ويسمح الإقتصاد الرقمي بإرسال واستقبال أي مبلغ من العملات الإلكترونية لحظياً في أي زمان ومكان. كما يوفر الإقتصاد الرقمي ميزة الإفصاح والشفافية والحياد لجميع المعلومات الخاصة بمعاملات العملة الرقمية. ومن مميزات الاقتصاد الرقمي أنها تعتمد على العقول البشرية بشكل رئيسي، أما بقية العناصر الأخرى المتصلة بالمعاش وأسلوب الحياة وغيرها فتعد مساندة أكثر من كونها فاعلة أو محركاً أساسياً .
الفرق بين الإقتصاد الرقمي والإقتصاد التقليدي
قد يتسائل البعض ما الفرق بين الإقتصادين الرقمي والتقليدي وهل هي عملية تحول للتقنية فقط أم أن هناك اختلاف جذري في المفهوم والمكونات. هذا الجدول يلخص أبرز الفروق بين الاقتصاد الرقمي والتقليدي بناءاً على عدة معايير منها الأسواق وحدود المنافسة والبنية ومصدر القيمة وغيرها.
مكونات الإقتصاد الرقمي
الإقتصاد الرقمي يتكون من مكونين أساسيين الأول الأعمال الإلكترونية والثاني التجارة الإلكترونية، ومنهما تتفرع المكونات الفرعية للإقتصاد الرقمي. نبدأ بالأعمال الإلكترونية وتعرَّف بأنها التحول في الأداء من التقليدي إلى الإلكتروني، ويندرج تحت الأعمال الإلكترونية عدة أمور أولها الإدارة الإلكترونية وهي تنفيذ وظائف الإدارة وممارسة النشاطات الإدارية باستخدام وسائل تكنولوجيا المعلومات واستخدام المعدات الإلكترونية وعلى رأسها الحاسوب، وتنقسم هي الإدارة الإلكترونية إلى الإدارة الداخلية والإدارة الخارجية فأما الأولى فتتعلق بتنفيذ الأعمال الإدارية والأنشطة الإدارية داخل المنشأة ، والقسم الثاني يتعلق بتنفيذ وإدارة الخدمات الخارجية للمنشأة .الأرشفة الإلكترونية جزء آخر مهم من الأعمال الإلكترونية ويقصد به استخدام أنظمة الأرشفة الإلكترونية لأرشفة الأعمال والوثائق وحفظها على أجهزة الحاسوب . آخر أجزاء الأعمال الإلكترونية هي الخدمات ويقصد بها تقديمها وتنفيذها إلكترونياً وعلى مدار الساعة ، ومنها الخدمة الحكومية الإلكترونية مثل أبشر وغيرها.
أما المكون الثاني من الاقتصاد الرقمي فهو التجارة الإلكترونية وتعرَّف على أنها تنفيذ النشاط الإقتصادي من بيع وشراء وتبادل للسلع والخدمات والمعلومات ما بين أطراف النشاط الإقتصادي عبر المجال الإلكتروني، باستخدام تكنولوجيا المعلومات والإتصالات والوسائط والأساليب الإلكترونية من خلال إيجاد روابط فعالة ما بين أطراف النشاط ويندرج تحت التجارة الإلكترونية عدة مكونات من أهمها الشراء والبيع الإلكتروني ويقصد به تنفيذ النشاط المسؤول عن شراء أو بيع وتوفير السلع والخدمات باستخدام تكنولوجيا المعلومات والإتصالات والوسائط والأساليب الإلكترونية. كما أن التسويق والإعلان الإلكتروني يلعب دوراً مهما في تلك العمليات ويمكن أن تتم عمليات التجارة من خلال وساطة تجارية وبنوك إلكترونية كذلك. وأخيراً يبرز دور المحاسبة والرقابة الإلكترونية في عمليات التجارة لزيادة فعالية الرقابة تعزيزا لمبدأ الإفصاح.
خصائص الإقتصاد الرقمي
يتميز الإقتصاد الرقمي بالعمل على بناء مجتمع المعلومات عن طريق تسخير تكنولوجيا المعلومات والإتصالات من أجل تحقيق العديد من الأهداف التنموية، إذ أصبح رصيد المؤسسة الإقتصادية يقوم بالأساس على مخزونها المعرفي والمعلوماتي. يمكن كذلك تشغيل الأنشطة والمشاريع الإقتصادية من خلال الإنترنت دون الحاجة للتحريك الفعلي سواء للأفراد أو المؤسسات. إضافة لما سبق فقد أسهم الاقتصاد الرقمي في تداول العقود الإلكترونية والذي يستوجب توفير الضمانات والبيئة الآمنة للأفراد من أجل إتمام معاملاتهم التجارية المختلفة، ونتيجة لذلك فقد تتقلص فاعلية وجدوى القوانين والتشريعات الحالية (النظام القانوني والمصرفي والتجاري)، وهذا يفرض ضرورة إيجاد مجموعة من القوانين المحدثة للتعامل مع متغيرات الإقتصاد الرقمي. وأخيراً فإن الإقتصاد الرقمي يرتبط بشكل قوي بالتغيرات الكثيرة التي تجري في البيئة الصناعية، ولاسيما ما يتعلق بتكنولوجيا المعلومات والإتصالات إذ يؤثر كل منهما على الآخر بشكل إيجابي فبزيادة أحدهما يزداد الآخر.
أهداف الإقتصاد الرقمي
أهم أهداف الإقتصاد الرقمي يمكن تلخيصها في كلمات مختصرة لكنها تعني الكثير للمؤسسات والشركات والدول، فيمكن بيانها من خلال القول أن الإقتصاد الرقمي يتحقق لدى المنشئات والمؤسسات من خلال المنافع التي يمكن تحقيقها باستخدام تكنولوجيا المعلومات والإتصالات، ومن هذه المنافع إزالة الحواجز الجغرافية والزمانية والهيكلية وتحسين التعامل مع قيود التكلفة. كل هذه الأهداف لا تتم بصورة متسارعة إلا مع تبني الاقتصاد الرقمي والسعي في تطويره.
مؤشرات الإقتصاد الرقمي
المؤشرات الواجب اعتمادها من أجل قياس الإقتصاد الرقمي تشمل البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والإتصالات (ICT Infrastructure) فيجب أن يتم قياس الجانب المادي (المعدات والأدوات) والجانب الرقمي (البرمجيات) للبنية التحتية الخاصة بالإقتصاد الرقمي من حيث توافرها وتغطيتها لجميع المناطق وكذلك مستوى جودة خدمات الانترنت وأسعارها مقارنة بالسوق العالمي. التجارة الإلكترونية (E-commerce) مؤشر مهم كذلك لقياس التجارة الإلكترونية من خلال حجم ونمط المعاملات الإلكترونية بين المؤسسات (B2B)، وبين المؤسسة والمستهلك (B2C) ويجب قياس كمية السلع والخدمات الرقمية وغير الرقمية. من مؤشرات الاقتصاد الرقمي هيكل الشركات والصناعة (Firm and Industry Structure) إذ يجب قياس أثر التحسينات التي تحدث فى تكنولوجيا المعلومات، والبرمجيات والإنترنت على التركيبة الهيكلية للشركات والأسواق من حيث الحاجة إلى دمج أقسام في الشركة أو استحداث أقسام جديدة مثلا كقسم تحليل البيانات. سلوك الأسعار (Price Behavior) يعد أحد مؤشرات الاقتصاد الرقمي فبه يمكن قياس تكييف العوامل التى تؤدي إلى انكماش أسعار السلع والخدمات لكي تعكس مدى التغير في الجودة بسبب تكنولوجيا المعلومات. آخر المؤشرات الرئيسية هو الخصائص الديمغرافية والعمالية (Demographic and Worker Characteristics) فيجب قياس الخصائص الديمغرافية وخصائص سوق العمل للأفراد والعمال التي تشارك في الإقتصاد الرقمي، ومقارنتها مع تلك الخصائص التي لا تشارك فيه.
تصنيف الخدمات الإلكترونية في الاقتصاد الرقمي
يمكن تصنيف الخدمات الإلكترونية في الاقتصاد الرقمي بناءا على الخدمات المقدمة والجهات المستفيدة منها إلى قسمين رئيسيين: مجموعة الخدمات الحكومية ومجموعة الخدمات التجارية. مجموعة الخدمات الحكومية تشمل الخدمات الحكومية إلى جهات حكومية (G2G) مثل الخدمات المقدمة من وزارة الاتصالات إلى الجهات الحكومية الأخرى المعتمدة على هذا القطاع، والخدمات الحكومية إلى قطاع الأعمال من مؤسسات وشركات (G2B) مثل خدمة مراس وغيرها، والخدمات الحكومية المقدمة للأفراد أو الأشخاص (G2C) مثل خدمات أبشر، أما مجموعة الخدمات التجارية فتشمل الخدمات التجارية المقدمة للشركات (B2B) كخدمات استضافة المواقع وتحليل الاحتياجات السوقية وغيرها، والخدمات التجارية المقدمة للأفراد (B2C) مثل خدمة الهاتف وغيرها.
تحديات الإقتصاد الرقمي
أبرز التحديات الرقمية تكمن في الفجوة الرقمية ما بين الواقع والمأمول وفقا لاحتياجات الأفراد والمؤسسات مع مقارنتها بالدول المتقدمة في هذا المجال. كما أن تهديد الخصوصية والجرائم المعلوماتية تعد أحد التحديات والتي تشترك فيها جميع الأعمال القائمة على تكنولوجيا المعلومات لذلك يجب حماية هذا الاقتصاد الرقمي والمعلوماتي بما يضمن سرية البيانات وسلامتها وتوفرها على مدار الساعة. آخر التحديات هو تنظيم هذا العالم الإفتراضي وبيان أسسه وتشريعاته لتحقيق أهدافه المنشودة مع مواكبة التغيرات المتسارعة التي تشهدها مثل هذه المجالات.
الخاتمة
يقصد بالاقتصاد الرقمي التفاعل والتكامل والتنسيق بين تكنولوجيا المعلومات وتكنولوجيا الإتصالات من جهة، وبين الإقتصاد القومي والدولي من جهة إذ تلعب التكنولوجيا دوراً استراتيجياً في زيادة معدل النمو الإقتصادي وإصلاح الآليات الإقتصادية والتجارية والمالية، ويحتاج كل ذلك إلى التطوير المستمر من خلال زيادة الإستثمار في تكنولوجيا المعلومات والإتصالات عن طريق ترقية البنى التحتية، وزيادة أعداد الحواسب الإلكترونية واستخداماتها في المعاملات والوظائف وزيادة عدد المشتركين في الشبكة الدولية للمعلومات،وتطويع واستخدام البرمجيات الجاهزة والمفصلة في إدارة الأنشطة الإقتصادية والتجارية والإنتاجية والمالية والتسويقية وإدارة الموارد البشرية والأنشطة التعليمية والتدريبية.