تجربة أولية مع الذكاء الاصطناعي

30

د. هيثم الزبيدي

صدر عدد أمس من “العرب” وفيه كاتب جديد اسمه “ذكاء اصطناعي”. كان ثمة شغور مؤقت في خطة محرّر الصفحة الأخيرة. محرر الصفحة الأخيرة يقلق في العادة عندما لا يصله عمود الصفحة مبكرا. فكرت في أن أكتب مقالا للتعويض عن الكاتب الغائب. لكني غيرت رأيي وقلت لنفسي: نجرّب الذكاء الاصطناعي.

اقترحت على تشات جي بي تي فكرة مقال عن العلوم في أدب الأطفال وأن يكون المقال في حدود 350 كلمة. رحب برنامج الذكاء الاصطناعي بالفكرة. وخلال أقل من نصف دقيقة كتب حوالي 200 كلمة عن الموضوع.

المساحة المتاحة لعمود الأخيرة تتراوح بين 350 و450 كلمة. كنا نحتاج إلى 150 كلمة إضافية. اقترحت إضافة محاور أخرى، فكان الرد بالمزيد من الكلمات ومقترحات لنقاط إضافية قد نحتاج إليها.

مررت على النتيجة وكانت خالية من الأخطاء الإملائية أو النحوّية أو التنقيط أو تلك المعرفية. الأسلوب كان مقبولا. وبحكم عملي في مجال الصحافة لسنوات طويلة لاحظت أن النتيجة تضاهي أغلبية ما يصلنا من الكتاب شبه المحترفين أو حتى المحترفين. بالطبع لا يمكن الجزم بإطلاقية الرأي، فهذا رأيي الخاص في مقالات الرأي بشكل عام. مقالات الرأي في الصحافة العربية واحدة من أهم نقاط الضعف. وُفِّق “الكاتب” الجديد وننتظر منه المزيد.

الفكرة التي صاحبت هذه التجربة -من بين أفكار أخرى- هي أن تستكتب الذكاء الاصطناعي بالإنجليزية، ثم تترجم ما كتبه. السبب يكمن في أن كمية النصوص الإنجليزية التي استُخدمت في تدريب تشات جي بي تي تفوق بأضعاف كثيرة تلك النصوص العربية المتاحة والمستخدمة في التدريب. هذا يجعل “كاتبنا” الإنجليزي أكثر خبرة من نظيره العربي. لكني عدلت عن الفكرة على الرغم من أن البرنامج نفسه يمكن أن يقوم بالترجمة. كان الهدفُ معرفةَ حدود ما يمكن إنجازه باللغة العربية مباشرة، وليس الحصول على مقالة لا نظير لها.

سبق وأن قمت بتجارب مهنية لاختبار قدرات برامج الذكاء الاصطناعي. لكن هذه هي المرة الأولى التي يكون فيها الطلب “إبداعيًّا”، أي أن يكتب أسوة بما يكتبه الكتّاب العاديون. هل كانت النتيجة اختراقا؟ أظن أن الرد بالإيجاب هو الأقرب إلى الحقيقة. نحن أمام آلية لابشرية تقارع البشر في ما أبدعوه خلال آلاف السنين من التطور البشري وعشرات السنين من التعليم على المستوى الفردي لفئة تعتبر نفسها متميزة عن غيرها بالقول إنها الصفوة الثقافية مثلا القادرة على كتابة مواضيع رأي تخصّ قضية ليست بسيطة مثل العلم في أدب الأطفال. وهي مقارعة مختلفة التحديات، ترتبط بمستوى تدريب برامج الذكاء الاصطناعي وبأي لغة تتم، أشبه بانتماء الكاتب إلى مجتمع متقدم أو متوسط التقدم أو متخلف.

الآلة، سواء البسيطة منها مثل العصا أو المعقدة مثل السيارة، هزمت الإنسان عضليا منذ فترة طويلة. هذا “الشيء” الذي اسمه ذكاء اصطناعي يستكمل المهمة بتحدي عقولنا.

المصدر: العرب

اترك رد

Your email address will not be published.