قبل أن يقضي الذكاء الاصطناعي على وظيفتك

28

محمد البلادي

لاشك أنك قد قرأت أو سمعت -عزيزي القارئ- عن تلك التقارير والأخبار المرعبة التي تشير إلى أن الذكاء الاصطناعي سيلتهم قرابة 85 مليون وظيفة حول العالم بحلول العام 2025 (رقم مفزع أليس كذلك؟)، لكن ما أظنك لم تسمع به؛ وهو تتمة لنفس الخبر؛ أنه من المتوقع أن تخلق هذه الأزمة أكثر من 97 مليون وظيفة جديدة (خبر مطمئن أليس كذلك؟)، أي أن الأمر ليس أكثر من عملية تغيُّر ضخمة في نوعية الوظائف والأعمال البشرية المقبلة، وهذا أمر متوقع في عالم تغيَّرت كل أدواته تقريباً.

لا داعي للقلق والتشاؤم إذن، المهم أن نعرف كيف نستعد (حكومات وأفرادًا) للمرحلة القادمة من خلال معرفة اتجاه الوظائف المستقبلية، والحرص على اختيار المسارات العلمية والتدريبية المناسبة، فالذكاء الاصطناعي(AI) سيكون له تأثير حتمي على الوظائف التقليدية والروتينية التي ستتقلص ولاشك بل ربما تتلاشى، لكنه سيقف عاجزًا أمام الوظائف التي تتطلب وجود مهارات وقدرات ومشاعر وملكات بشرية لا يمكن له توفيرها، وسأعرض فيما يلي بعض المجالات التي من المرجح أن تبقى تحديًا صعبًا أمام العقل الاصطناعي، ولفترة غير قصيرة:

وظائف التفكير النقدي، وصنع قرارات معقدة:

يمكن للذكاء الاصطناعي اتخاذ بعض القرارات بناءً على البيانات المدخلة، لكنه لا يستطيع اتخاذ القرارات المعقدة التي تتطلب فهمًا وتصورًا للسلوك البشري والعواطف الانسانية، لذا ستصمد مهن مثل الطب، والطب النفسي، والمحاماة والإدارة، أمام كل محاولات الإبدال والإحلال.

وظائف الإبداع والابتكار:

يستطيع العقل الاصطناعي صفّ بعض الكلمات بشكل منظم، وتنسيقها بشكل جيد، لكنه لن يصنع كتابًا ملهمًا؛ ولا حتى قصيدة مؤثرة تخاطب الوجدان الإنساني مهما حاول، والسبب أنه يفتقر للملكة والموهبة، والحس الإنساني المُلهم، وكذلك الحال بالنسبة لحل المشكلات بالطرق الإنسانية الإبداعية، لذلك من المرجح أن تبقى المهن والوظائف التي تحتاج للتفكير والمشاعر الإبداعية كوظائف الكتاب والرسامين، والمهندسين المعماريين والمصممين، ذات طلب عال في المستقبل.

وظائف تتطلب ذكاءً اجتماعيًا ومهارات شخصية:

لا يبدي الذكاء الاصطناعي حتى الآن قدرة جيدة على تفهّم الإشارات الاجتماعية وبناء العلاقات.. لذا سيتزايد الطلب على الوظائف التي تتطلب هذه المهارات في المستقبل، مثل الدبلوماسيين، والمعلمين والأخصائيين الاجتماعيين، وأخصائيو التسويق، وموظفو العلاقات العامة، وكل وظيفة تتطلب فهمًا مترابطًا للثقافة والتقاليد والسلوكيات الاجتماعية.

وظائف تتطلب البراعة البدنية والحركية:

للذكاء الاصطناعي قدرات جيدة في التحكم بالآلات، وفي الحسابات الرياضية، لكنه لا يظهر نفس براعة البشر في أداء المهام البدنية والحركية، مثل الرياضة والحرف اليدوية والعمليات الصناعية، مما يعني احتفاظ الرياضيين والجنود والحرفيين بأعمالهم، كما أن هناك وظائف تتطلب مهارات حسية، مثل الطهي والتذوق والشم، وتمييز الروائح والنكهات والألوان والأصوات واللمس، وجميعها تعد أمرًا صعبًا على الذكاء الاصطناعي الذي يتمتع بأداء محدود في هذه المجالات.

(الروبوت) أصبح منافسًا شرسًا للإنسان في مجال العمل والتوظيف، والدخول معه في سباق ليس خيارًا ذكيًا ما لم نكن نعرف عيوبه وأوجه قصوره، وإجمالًا يمكن القول: إن الوظائف التي تتطلب مهارات إبداعية وخلّاقة ومشاعر إنسانية، ستكون الأكثر عصياناً على الذكاء الاصطناعي، حيث يتطلب الأمر تفاعلًا بين روح الإنسان والفن، أو بين العاطفة والأدب، وهي هبات ربانية لا يزال الذكاء الاصطناعي بعيد عنها، وهذا ما يجب علينا التركيز عليه لكسب سباقنا معه.

المصدر: المدينة

اترك رد

Your email address will not be published.