الذكاء الاصطناعي في المدن الذكية

25

AI بالعربي – متابعات

وفقا لتقديرات صندوق الأمم المتحدة للسكان، فإن المدن استوعبت 3.3 مليار شخص أي نحو 54 في المائة من سكان الكرة الأرضية في 2014، وبحلول منتصف القرن سيقيم في المدن خمسة مليارات نسمة أي 68 في المائة من إجمالي سكان الكوكب.

تلك الزيادة لم يكن لها مثيل من قبل في تاريخ البشرية، وتعني باختصار أن القوى التي ستشكل المدن الحالية ومدن المستقبل هي التي ستشكل عالمنا أيضا.

يتطلب هذا الوضع الجديد جعل أنماط الحياة في المدن أكثر راحة وفاعلية من حيث التكلفة، ويجب أن تكون المدن، خاصة التي يتم التخطيط لبنائها مستقبلا، مدنا ذكية يتم إنجاز كل شيء فيها من خلال اتخاذ القرار معتمدين في ذلك على التقنيات القائمة على الذكاء الاصطناعي والرقمنة وإنترنت الأشياء.

ولكن قبل كل شيء علينا أن نتفق على تعريف محدد لكلمة “مدينة”، وفقا لدائرة المعارف البريطانية، فإن المدينة هي مركز سكاني دائم نسبيا ومنظم للغاية له حجم وأهمية أكبر من بلدة أو قرية، وفي معظم الحالات يشير مفهوم المدينة إلى نوع معين من المجتمعات وهو المجتمع الحضري وثقافته.

يضاف لهذا التعريف أن سكان المدن يمتهنون في الأساس مهنا غير زراعية، ولدى المدن كثافة مرتفعة في المشاريع العمرانية مثل المساكن والعقارات التجارية والطرق والجسور والسكك الحديدية وغيرها.

المدن الذكية تتضمن بلا شك جزءا كبيرا من هذا التعريف، لكنها تتميز بالاستخدام الكثيف لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتحسين الخدمات الحكومية والتنمية الاقتصادية ونوعية الحياة, وفقا لتقرير نشرته الاقتصادية.

ويصبح التساؤل هل يمكن للذكاء الاصطناعي تغير أنماط الحياة الحضرية؟ وإن حدث ذلك فما مظاهر التغيير التي ستميز مدن المستقبل الذكية عن المدن التاريخية إذا جاز التعبير؟ لكن السؤال الجوهري الذي يسبق جميع تلك الأسئلة فيتعلق بالتعرف على التحديات التي تواجه عملية إدماج الذكاء الاصطناعي في إدارة المدن؟

يقول لـ”الاقتصادية”، المهندس دي.تي. كرونيس من قسم دراسات الذكاء الاصطناعي بكلية الهندسة في جامعة برمنجهام “المدينة نموذج معقد للغاية، وتصميم مدينة وتشييدها عملية شديدة التعقيد تتطلب تخصصات مختلفة، فعلى سبيل المثال تختلف مطالب وتصورات مخططي النقل، مقارنة بالمصممين الحضريين مثلا، وكل تخصص يشارك في بناء المدن الذكية لديه صومعة مختلفة، وعلينا كسر تلك الصوامع وجعلها تتفاعل مع بعضها بعضا دون أن يعني ذلك حالة من الفوضى، فالتحدي الأكبر في تصميم المدن الذكية يكمن في وجود كثير من البيانات المتاحة، لكنها مجزأة للغاية وغير موحدة، ولا يوجد تداخل كاف بين التخصصات المختلفة يسمح لنا بفهم تأثيرها على بعضها بعضا”.

ويرى المهندس دي. تي. كرونيس أن الذكاء الاصطناعي والتخطيط المبني على البيانات يسمح بكسر الصوامع المختلفة، وتوفير نموذج شامل أو موحد يساعد في بناء مدن المستقبل.

من المؤكد أن الذكاء الاصطناعي والمدن الذكية مرتبط ارتباطا وثيقا، فتطبيقات الذكاء الاصطناعي ستؤدي إلى أتمتة العملية التنظيمية للمدن، وهذا يوفر الوقت والجهد ويجنب الأخطاء المكلفة أيضا، لهذا نلاحظ في كثير من المدن الحديثة عملية دمج بين الذكاء الاصطناعي والقطاعات الخدمية، فعلى سبيل المثال يتم حاليا دمج الذكاء الاصطناعي في إدارة النفايات، ما يسمح بمتابعة عمليات إعادة التدوير، ويقلص ذلك التلوث البيئي بشكل كبير وملحوظ، ولهذا انعكاسات إيجابية على مستويات الصحة العامة، ومن ثم خفض الميزانيات المخصصة للقطاع الطبي، وبالتالي توجيهها إلى مجالات أخرى تزداد الحاجة إليها. كما يلعب الذكاء الاصطناعي دورا مهما في تحسين السلامة العامة والحد من انتهاك القوانين المرورية ومن ثم إنقاذ الأرواح.

لكن تنامي استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال إدارة المدن القائمة، أو الاعتماد عليه بشكل شبه مطلق في تصميم وتشييد المدن الذكية سلاح ذو حدين من وجهة نظر الدكتور لورين كريس أستاذة التطوير العمراني في جامعة لندن.

وتقول لـ”الاقتصادية”، “هناك تحذيرات متزايدة مما يعرف بالجغرافيا غير المتكافئة لنشاط الذكاء الاصطناعي، فحتى في المجتمعات الثرية مثل الولايات المتحدة وأوروبا الغربية واليابان، وتلك البلدان قادرة على تمويل عملية دمج الذكاء الاصطناعي في إدارة المدن وتشييد المدن الذكية، وهي عملية مكلفة ماليا للغاية وباهظة الثمن، ولاحظ عديد من الدراسات أن اللجوء للذكاء الاصطناعي في مجال تحديث المدن لا يسير بشكل متوازن أو حتى وفقا لترتيب الاحتياجات والأولويات، فالاعتماد على الذكاء الاصطناعي في إدارة المدن يتركز بشكل كبير في عدد صغير من المدن الثرية، وفي دراسة عن الولايات المتحدة وجد أن ذلك يتركز في المدن الساحلية الثرية”.

وتضيف “وبذلك يعد استخدام الذكاء الصناعي في إدارة المدن أو تشييد الذكية منها سيكون ظاهرة تحتكرها البلدان الغنية، وليس ظاهرة عالمية تمتد لكل بلدان العالم، وهذا قد ينتج عنه اتساع الفجوة العالمية، سواء بين البلدان المختلفة أو حتى بين المدن المختلفة داخل الدولة الواحدة، فمن المنطقي أن تؤدي التباينات بين المدن الذكية وغيرها إلى أن تجذب تلك المدن العمال ذوي المهارات العالية، مقارنة بغيرها من المدن التقليدية”.

لكن وجهة النظر تلك لا تروق للمهندس إم.سي. آرثر أستاذ الاقتصاد الحديث في جامعة لندن، إذ يرى أن المرحلة الراهنة من دمج الذكاء الاصطناعي في مجال إدارة المدن وتشييد المدن الذكية، حتى إن اتسمت حاليا بعدم التكافؤ الجغرافي تظل ضرورية للغاية بوصفها رأس حربة أولية في هذا الاتجاه العالمي، والذي سيتوسع دوليا في المستقبل مع انخفاض تكلفة الذكاء الاصطناعي بصفة عامة على حد قوله.

ويقول لـ”الاقتصادية”، إن “المدن التي ستستخدم تلك التقنيات تأخذ زمام المبادرة وتضع القواعد واللوائح للآخرين حول كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي من قبل المدن والبلدان الأخرى، التي ترغب في نسخها”.

ويضيف “هناك مجموعة من المدن تدفع جهود الذكاء الاصطناعي لتثقيف المدن الأخرى حول أفضل الممارسات لنشر أنظمة الذكاء الاصطناعي بشكل أكثر فاعلية وأخلاقية، وهذا ما يجعل البعض يعتقد أن مدينة نيوم السعودية نموذج جديد تماما لمدينة تعتمد كليا على الذكاء الاصطناعي في إدارة تفاصيل الشأن اليومي، وبذلك يمكن أن تصبح مصدرا للمعرفة لكل المدن والباحثين حول مبادئ الممارسة العملية في استخدام الذكاء الاصطناعي في تشييد وإدارة المدن، وبما يسمح للمدن بتطوير معاييرها الخاصة في وقت لاحق”.

تقف المدن اليوم على مفترق طرق ومع تزايد فرص استخدام التكنولوجيا تتزايد المخاطر أيضا، فالتركيز على التكنولوجيا فقط يوجد مخاطر بأن يصبح الذكاء الاصطناعي مظهري دون استخدام حقيقي، فالحديث عن المدن الذكية واستخدام مزيد من التكنولوجيا في إدارة المدن، لا يجب أن يصنع لدينا أوهاما بأن التكنولوجيا ستوفر لنا حلولا سريعة لمشكلاتنا الحضرية، ولا يجب أن ينصب تركيزنا على التكنولوجيا نفسها، وإنما على كيفية دمجها في الممارسات والأنشطة اليومية مع إدراك لحدودها والتحديات، التي تواجه استخدامها.

اترك رد

Your email address will not be published.