غرف الأخبار الآلية.. عندما يكتب الذكاء الاصطناعي نشرات الأخبار دون مذيعين
غرف الأخبار الآلية.. عندما يكتب الذكاء الاصطناعي نشرات الأخبار دون مذيعين
AI بالعربي – خاص
في تحول غير مسبوق في بنية الإعلام، بدأت “غرف الأخبار الآلية” تأخذ مكانها تدريجيًا في المؤسسات الإعلامية الكبرى، حيث يتولى الذكاء الاصطناعي كتابة الأخبار، تحريرها، بل وأحيانًا قراءتها صوتيًا دون تدخل بشري. لم تعد المسألة مجرد استخدام للتقنية في تسريع العمل الصحفي، بل إعادة صياغة شاملة لدور الإنسان داخل منظومة إنتاج الخبر.
تعتمد هذه الغرف على خوارزميات معالجة اللغة الطبيعية، التي تستقبل البيانات الواردة من وكالات الأنباء أو مصادر رسمية، وتعيد تشكيلها في صيغة تقرير خبري كامل خلال ثوانٍ. ويُمكن لهذه الأنظمة توليد عناوين، كتابة مقدّمات، واختيار تسلسل منطقي للحقائق، بل واستخدام نبرة تتماشى مع سياسة المؤسسة.
وفي بعض النماذج المتقدمة، يقوم الذكاء الاصطناعي أيضًا بتحديد الصور المرفقة، اقتراح وسوم مناسبة، وحتى توليد نسخة صوتية آلية بنبرة بشرية. هذا التكامل جعل بعض المؤسسات — خاصة الرقمية منها — تتجه لتقليص عدد المحررين، والاعتماد على أنظمة توليد تلقائي تضمن تدفقًا سريعًا وغير مكلف للمحتوى.
لكن هذه الثورة تفتح الباب أمام تساؤلات معقدة، ليس فقط حول مستقبل المهنة، بل أيضًا حول موثوقية النص، وغياب “اللمسة الإنسانية” في معالجة القضايا المعقدة أو المتنازع عليها. فبينما تنجح الخوارزميات في تلخيص البيانات وتنسيقها، فإنها تعجز عن فهم السياقات الثقافية أو الحساسية السياسية، ما يجعلها عرضة للخطأ أو التحيّز غير المقصود.
بحسب تقرير صادر عن “معهد رويترز لدراسات الصحافة”، فإن 38% من المحتوى الإخباري في المواقع الاقتصادية الكبرى يتم توليده جزئيًا عبر الذكاء الاصطناعي، بينما تعتمد بعض المؤسسات على هذه الأنظمة في التغطيات اللحظية للأحداث الرياضية أو نتائج البورصة، حيث تكون الأرقام أهم من التحليل.
ويحذر البعض من أن الاعتماد الكامل على هذه التقنية قد يؤدي إلى “أتمتة الانحياز”، حيث تُغذّى الخوارزميات ببيانات قد تعكس رؤى سياسية أو ثقافية منحازة، فتعيد إنتاجها بطريقة آلية دون تدقيق أو مراجعة بشرية. وهذا ما يُعيد النقاش حول ضرورة وجود “محرر بشري” على الأقل في نهاية السلسلة التحريرية.
كما أن غياب المذيعين أو الأصوات البشرية من نشرات الأخبار يولّد حالة من الجفاء أو البرود العاطفي في التلقي، ما يفقد المحتوى طابعه الحواري والتفاعلي. فالجمهور لا يكتفي بالمعلومة، بل يحتاج إلى من يرويها، يتفاعل معها، ويمنحها طابعًا إنسانيًا يعزز الثقة والانتماء.
في النهاية، لا يبدو أن غرف الأخبار الآلية ستُقصي البشر بالكامل، لكنها بالتأكيد ستغيّر طبيعة عملهم. فالصحفي لن يكون ناقلًا فقط، بل مشرفًا على الجودة، مدققًا للحقائق، وصانعًا للمعنى وسط سيل من البيانات الخام. ومع كل خبر يُكتب بواسطة خوارزمية، يبقى السؤال: من يقرر ما يُنشر فعلًا؟ الإنسان، أم الآلة؟