الدخل من التفاعل.. هل سنشهد قريبًا رواتب على عدد الإعجابات؟

الدخل من التفاعل.. هل سنشهد قريبًا رواتب على عدد الإعجابات؟

AI بالعربي – خاص

في عالم تقوده الخوارزميات وتُقيَّم فيه القيمة باللايكات والمشاهدات، بدأ يتبلور نموذج اقتصادي جديد يربط الدخل الفردي مباشرة بالتفاعل الرقمي. لم يعد الأمر مقتصرًا على المؤثرين أو صنّاع المحتوى المحترفين، بل أصبح يمتد إلى مستخدمين عاديين يجنون دخلًا ثابتًا أو متغيرًا بحسب عدد الإعجابات، المشاركات، أو زمن المشاهدة الذي يحققونه على المنصات.

هذا النموذج يُعرف بـ “الدخل من التفاعل”، وتتبناه بشكل مباشر أو جزئي عدة منصات كبرى، مثل تيك توك ويوتيوب وإنستغرام، من خلال برامج الأرباح أو صناديق المكافآت. الجديد اليوم أن هذه السياسات لم تعد حصرية لفئات النخبة الرقمية، بل بدأت تظهر مبادرات وشركات تستهدف تعميم هذه الممارسة، بحيث يتحول المستخدم العادي إلى وحدة إنتاج ذات قيمة رقمية، تُحتسب بالدقيقة والنقرة والتفاعل.

في الصين، ظهرت تطبيقات تجريبية تتيح للمستخدمين كسب مبالغ صغيرة مقابل التفاعل اليومي، كتصفح مقالات، أو مشاهدة مقاطع، أو دعوة الأصدقاء، مما يحوّل السلوك الرقمي إلى عمل جزئي أو دخل إضافي. كما أعلنت بعض الشركات الناشئة في أوروبا عن تطوير منصات تعتمد على العقود الذكية لمكافأة التفاعل بعملات رقمية قابلة للتحويل.

يبدو هذا النموذج جذابًا، خاصة في مجتمعات تعاني من تراجع فرص الدخل التقليدية أو تبحث عن مصادر مرنة للربح. لكنه يثير أيضًا تساؤلات جوهرية حول معنى “العمل” في العصر الرقمي: هل مجرد التواجد والتفاعل كافيان لتوليد دخل؟ وهل سيُقاس أداء الأفراد في المستقبل الرقمي بعدد الإعجابات بدلًا من الخبرة أو المهارة؟

من جهة أخرى، يحذر باحثون من أن ربط الدخل بالتفاعل قد يؤدي إلى تضخيم السلوكيات السطحية أو المثيرة للجدل، على حساب المحتوى العميق أو المتزن. كما قد يدفع الأفراد إلى الإفراط في المشاركة، والمبالغة في عرض حياتهم الخاصة، أو الدخول في سباقات مرهقة من المقارنات والظهور المتواصل لتحقيق الأرقام المرجوة.

كما أن هذا النموذج قد يُعيد إنتاج أشكال جديدة من الفوارق الطبقية الرقمية، حيث يحقق أصحاب الكاريزما أو الجمال أو العلاقات الواسعة مكاسب أعلى، بينما يبقى الآخرون في هامش تفاعل لا يتيح لهم الاستدامة. وهكذا، يتحول “الظهور” إلى عمل، و”الذات” إلى علامة تجارية.

لكن في المقابل، يرى مؤيدو هذا النموذج أنه يمنح الأفراد سلطة جديدة على وقتهم، ويُعيد توزيع القيمة في بيئة رقمية كانوا فيها مجرد مستهلكين سلبيين. فإذا كان المستخدم يُنتج بيانات تدر أرباحًا على الشركات، أليس من حقه أن يحصل على جزء من العائد؟ ولماذا لا يتحول كل مستخدم إلى مساهم في اقتصاد المحتوى بدلًا من أن يكون مجرد هدف إعلاني؟

في ظل تصاعد الحديث عن “الاقتصاد الإبداعي”، وتطوّر تقنيات البلوك تشين والعقود الذكية، يبدو أن فكرة تحويل التفاعل إلى دخل لم تعد خيالًا، بل احتمالًا واقعيًا يتجه نحو التنظيم. فهل نحن على أعتاب مرحلة يُصبح فيها “اللايك” أكثر من مجرد تعبير، ليُحسب كجزء من الراتب؟

اقرأ أيضًا: الوثائقيات المصطنعة.. هل تفقد الحقيقة قيمتها حين يصنعها الذكاء؟

اترك رد

Your email address will not be published.