“ديب سيك” تقلب الذكاء الاصطناعي
كيد ميتز
انخفضت أسهم التكنولوجيا. وواجهت الشركات العملاقة، مثل “ميتا” و”إنفيديا”، وابلاً من الأسئلة بشأن مستقبلها. وانتقل المسؤولون التنفيذيون عن التكنولوجيا إلى وسائل التواصل الاجتماعي للإعراب عن مخاوفهم. وكان كل ذلك بسبب شركة صينية ناشئة للذكاء الاصطناعي وغير معروفة تسمى “ديب سيك”.
تسببت شركة “ديب سيك” في موجات من الجدل في جميع أنحاء العالم، إذ أثارت واحدة من إنجازاتها – بعد أن أنشأت نموذجًا قويًا للغاية للذكاء الاصطناعي بتكلفة هي أقل بكثير مما اعتقد كثير من خبراء الذكاء الاصطناعي أنه ممكن – مجموعة من الأسئلة، بما في ذلك ما إذا كانت الشركات الأميركية قادرة على المنافسة في مجال الذكاء الاصطناعي بعد الآن.
أعلن مارك أندريسن، وهو مستثمر في مجال التكنولوجيا، على مواقع التواصل الاجتماعي أن “ديب سيك” هي “لحظة فائقة للذكاء الاصطناعي”. فكيف يمكن لشركة لم يسمع بها سوى أناس قلائل أن يكون لها مثل هذا التأثير؟
ما “ديب سيك”؟ هي شركة ناشئة أسستها وتملكها شركة تداول الأسهم الصينية “هاي فلاير”. وهدفها هو بناء تقنيات الذكاء الاصطناعي على غرار برنامج روبوت الدردشة ChatGPT من شركة OpenAI، أو برنامج جيميناي من جوجل. بحلول عام 2021 حصلت شركة “ديب سيك” على آلاف الرقائق الحاسوبية من شركة “إنفيديا” الأميركية لصناعة الرقائق، التي تُعد جزءًا أساسيًا من أي جهد لإنشاء أنظمة الذكاء الاصطناعي القوية.
وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، أصدرت ديب سيك كثيرًا من نماذج اللغات الكبيرة، وهو نوع من التكنولوجيا التي تدعم الدردشة مثل ChatGPT، وجيميناي. في 10 يناير الحالي، أصدرت أول تطبيق مجاني للدردشة الآلية، الذي كان يستند إلى نموذج جديد يسمى ديب سيك في 3.
ولكن ما الذي دفع سوق الأوراق المالية إلى التفاعل بشأن هذه الأزمة الآن؟ عندما طرحت شركة ديب سيك نموذجها ديب سيك في 3 في اليوم التالي لعيد الميلاد، كان البرنامج يضاهي قدرات أفضل برامج الدردشة الآلية من الشركات الأميركية، مثل OpenAI، وجوجل. وكان هذا وحده يُشكل مفاجأة مذهلة.
لكن الفريق الذي يقف خلف النظام الجديد كشف أيضاً عن خطوة أكبر إلى الأمام. وفي ورقة بحثية يشرح كيف بُنيت هذه التكنولوجيا، قالت شركة «ديب سيك» إنها استخدمت جزءاً ضئيلاً فقط من الرقائق الحاسوبية التي تعتمد عليها شركات الذكاء الاصطناعي الرائدة في تدريب أنظمتها.
عادة ما تقوم الشركات الكبرى في العالم بتدريب برامج الدردشة الآلية الخاصة بها على حواسيب فائقة تستخدم ما يصل إلى 16 ألف شريحة أو أكثر. وقال مهندسو شركة «ديب سيك» إنهم يحتاجون فقط إلى نحو 2000 شريحة من شرائح «إنفيديا».
كيف صنعت شركة «ديب سيك» التقنية باستخدام عدد أقل من رقائق الذكاء الاصطناعي؟ يقول كبار مهندسي الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة إن ورقة البحث التي أعدتها شركة «ديب سيك» وضعت طرقاً ذكية ومثيرة للإعجاب لبناء تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي باستخدام عدد أقل من الرقائق. إيجازاً للقول، أظهر مهندسو الشركة الناشئة طريقة أكثر فاعلية لتحليل البيانات باستخدام الرقائق. تتعلم أنظمة الذكاء الاصطناعي الرائدة مهاراتها من خلال تحديد الأنماط في كميات هائلة من البيانات، بما في ذلك النصوص والصور والأصوات. وقد وصف برنامج «ديب سيك» طريقة لنشر تحليل البيانات هذا عبر كثير من نماذج الذكاء الاصطناعي المتخصصة – ما يسميه الباحثون طريقة «مزيج من الخبراء» – مع تقليل الوقت الضائع عن طريق نقل البيانات من مكان إلى آخر.
هل تقنية «ديب سيك» بمثل جودة الأنظمة من «أوبن إيه آي» و«جوجل»؟ وفقاً لاختبارات معيارية، يمكن لبرنامج «ديب سيك في 3» أن يجيب عن الأسئلة، ويحل المشاكل المنطقية، ويكتب البرامج الحاسوبية الخاصة به بفاعلية أي برنامج آخر موجود في السوق بالفعل.
قبل إطلاق «ديب سيك» للتكنولوجيا خاصتها، كشفت «أوبن إيه آي» عن نظام جديد، يسمى «أوبن إيه آي أو 3»، الذي بدا أكثر قوة من «ديب سيك في 3»، لكن «أوبن إيه آي» لم تنشر هذا النظام لعامة الناس.
وأصدرت شركة «ديب سيك» نموذج الاستدلال الخاص بها تحت اسم «ديب سيك آر 1»، الذي أثار إعجاب الخبراء أيضاً. وقد أسفر ذلك في نهاية المطاف عن إصابة المستثمرين الأميركيين وغيرهم بحالة من الذعر عندما أدركوا أهمية التكنولوجيا الجديدة التي ابتكرتها شركة «ديب سيك».
لا يزال بإمكان أعداد كبيرة من رقائق الذكاء الاصطناعي مساعدة الشركات بطرق كثيرة. مع مزيد من الرقائق، يمكن إجراء مزيد من التجارب أثناء استكشاف سبل جديدة لبناء الذكاء الاصطناعي.
ألم تحد الولايات المتحدة من عدد رقائق إنفيديا التي تُباع للصين؟ نعم. وللحفاظ على ريادة الولايات المتحدة في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي، وضعت إدارة بايدن قواعد تحد من عدد الرقائق القوية التي يمكن بيعها للصين وغيرها من المنافسين.
غير أن الأداء الرائع لنموذج «ديب سيك» أثار تساؤلات حول العواقب غير المقصودة للقيود التجارية التي تفرضها الحكومة الأميركية. وقد أجبرت هذه الضوابط الباحثين في الصين على الإبداع بمجموعة واسعة من الأدوات المتاحة مجاناً على الإنترنت.
يواصل بعض الخبراء تقديم حجتهم لصالح القيود التجارية الأميركية، قائلين إنها وضعت مؤخراً فقط، وإنها سيكون لها تأثير أكبر على قدرات الصين على خلق الذكاء الاصطناعي مع مرور السنين.