5 استخدامات هامة للذكاء الاصطناعي في قطاع الصحة

48

بقلم عمرو عوض

مع التسارع المستمر في الاستثمارات المرتبطة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، والمنافسة الشديدة بين كبرى الشركات العالمية على تحويل تلك التقنيات إلى أدوات وتطبيقات قابلة للاستخدام الشخصي والتجاري، يبدو أن القطاع الصحي بات بالفعل أحد أوائل القطاعات المستفيدة من هذا التقدم، فلم يعد الأمر مجرد عملية تخمين، بل تحول إلى مجال شديد الدقة والتعقيد.

تجدر الإشارة في البداية إلى أن الذكاء الاصطناعي يتمحور حول محاكاة القدرات البشرية مثل التفكير المنطقي والتعلم، وإن كان يتفوق في قدرته على تحليل البيانات الضخمة والتوصل إلى استنتاجات علمية دقيقة خلال فترات قياسية.

وتتعدد استخدامات الذكاء الاصطناعي في قطاع الرعاية الصحية، بدءاً من التشخيص وتطوير العقاقير وحتى إدارة سير العمل بالمستشفيات. ويلقي هذا التقرير الضوء على 5 من أهم هذه الاستخدامات:

1- التشخيص واكتشاف الأمراض

حقق الذكاء الاصطناعي في الآونة الأخيرة تقدماً ملحوظاً في مجال اكتشاف الأمراض في مراحلها المبكرة. على سبيل المثال، ذكرت ورقة علمية نُشرت العام الماضي أن أحد أنظمة التعلم العميق تمكَن من تشخيص سرطان المريء بدقة تبلغ 98%، مع أن تشخيص هذا النوع من السرطان صعب نسبياً، ويتم في كثير من الأحيان في مرحلة متقدمة عندما تضيع فرصة تلقي العلاج الفعال.

كما تستخدم العديد من التطبيقات والأدوات القابلة للارتداء تقنيات ذكاء اصطناعي ترصد اضطرابات المؤشرات الحيوية للجسم، ويُمكنها التنبؤ باحتمالية وقوع أزمة صحية قبل حدوثها. وقد طورت منصة كير بريديكت (CarePredict) الأميركية أداة قابلة للارتداء تتتبع حتى التغيرات البسيطة في الأنماط السلوكية لكبار السن التي تسبق السقوط وسوء التغذية والاكتئاب، كما يمكنها إرسال إشارات استغاثة سريعة عند الحاجة.

استخدامات هامة للذكاء الاصطناعي في قطاع الصحة

طورت منصة كير بريديكت أداة تتتبع تغيرات الأنماط السلوكية لكبار السن.
مصدر الصورة: كير بريديكت

2- الطب الدقيق

يعتمد مجال الطب الدقيق على تحديد العقار الأكثر فعالية للمرضى بناء على تكوينهم الجيني ونمط حياتهم واختلاف استجابتهم للعقاقير. وفي هذا الإطار، تثبت الدراسات وجود تأثير إيجابي واضح عندما يتكامل عمل الأطباء مع الذكاء الاصطناعي بهدف تمهيد الطريق أمام الطب الدقيق، حيث يمكن لتقنيات التعلم العميق تحليل البيانات الجينية لأعداد كبيرة من الأفراد، وتحديد التباين الفردي في الاستجابة للعقاقير، ودعم اتخاذ القرارات السريرية في الزمن الفعلي، وبالتالي تقديم توصيات حول أنسب العقاقير لكل شخص.

وخلال السنوات الأخيرة تزايدت المشروعات التي تقوم على جمع بيانات صحية ضخمة وتحليلها باستخدام الذكاء الاصطناعي، بهدف تطوير مجال الطب الدقيق، فبالإضافة إلى مشروع “البنك الحيوي البريطاني” ومشروع “نموذج رقمي منك” في الصين، أطلقت الولايات المتحدة في 2019 مشروع جميعنا (All of Us) الذي يهدف لتسجيل مليون فرد، حيث قدم المشاركون مجموعة ضخمة من المعلومات، تشمل السجلات الصحية، والبيانات الجينية، بالإضافة إلى البيانات التي تسجلها أجهزة تتبع الأنشطة الشخصية.

3- روبوتات الجراحة

استخدامات هامة للذكاء الاصطناعي في قطاع الصحة

مصدر الصورة: بوسيسد فوتوجرافي عبر أنسبلاش

الروبوتات هي أكثر الآلات إثارة للخيال في عالم الذكاء الاصطناعي، وعلى الرغم من أن الحديث عن إجراء الروبوتات للجراحة قد يبدو مستقبلاً بعيداً، إلا أن الخيال أصبح حقيقة واقعة، ففي عام 2017 اجتاز روبوت صيني امتحان مزاولة المهنة في البلاد باستخدام قدرات الذكاء الاصطناعي فقط. وفي شهر فبراير الماضي، استطاع الروبوت الجراحي فيرسيوس (Versius) -الذي صنعته شركة التكنولوجيا الطبية البريطانية CMR Surgical، والمجهز بعدة أذرع يمكنها مساعدة الجراحين في غرف العمليات- أن يُجري أولى عملياته الجراحية الدقيقة في تخصص جراحات القولون والمستقيم.

بدورها، أعلنت المؤسسة الكورية للاتصالات (KT Corporation)، في يناير الماضي، أنها طوَرت -بالشراكة مع مركز سامسونج الطبي  (SMC)- مبادرة لإطلاق خدمة طبية مبتكرة، في خطوة أولية لإنشاء مستشفى يقوم على شبكات الجيل الخامس. وتتضمن الخدمة الجديدة الاعتماد على روبوتات توصيل في غرف العمليات لإحضار مستلزمات الجراحة وإزالة المواد الملوثة والنفايات الطبية. كما أعلنت عن نظام ذكاء اصطناعي جديد يُسمى سمارت كير جيفر (Smart Care Giver) سيمكّن المرضى من التحكم في غرفهم داخل المستشفى بواسطة الأوامر الصوتية، وفحص حالتهم الصحية، وبالتالي يُمكّن الطاقم الطبي من الاستجابة بكفاءة أكبر للحالات الطارئة.

4- إدارة العمل بالمستشفيات

إحدى المشاكل المزمنة التي تواجه قطاع الرعاية الصحية -حتى في أكثر الدول تقدماً- هي اكتظاظ المراكز الطبية والمستشفيات، والضغوط التي يعاني منها الأطباء والممرضون؛ ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال، كشفت دراسة أُجريت عام 2016 أن 96% من شكاوى المرضى تدور حول الارتباك في ملء الأوراق والتجارب السيئة في مكاتب الاستقبال. لذا، فإن عدداً من التطبيقات والأنظمة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي حاولت التعامل مع هذه المشكلات.

أحد هذه الأنظمة هو أوليف (Olive)، الذي تم تصميمه بشكل خاص لأتمتة المهام المتكررة في قطاع الرعاية الصحية، مثل فهرسة وثائق التأمين وتقديم طلبات العلاج، بحيث يترك الفرصة للعاملين من أجل التركيز على المهام الأكثر تعقيداً، وتقديم خدمة أفضل للمرضى. وأفادت تقارير منشورة الشهر الماضي أن نحو 600 مستشفى بالولايات المتحدة باتت تعتمد على هذا النظام في أتمتة أعمال أقسام الموارد البشرية والتمويل وسلاسل التوريد.

وتستخدم بعض تلك الأنظمة الذكاء الاصطناعي في إدخال البيانات وإجراء التحاليل والأشعة السينية وغيرها من المهام الأساسية. كما يُستخدم أحياناً لتحليل أنظمة الرعاية الصحية بأكملها. على سبيل المثال، بلغت نسبة فواتير الرعاية الصحية الرقمية في هولندا 97% من إجمالي الفواتير الطبية عام 2017. ونظراً إلى أنها تحتوي على البيانات الخاصة بالعلاج والطبيب والمستشفى، تستعين شركة زورجبريزما بوبليك (Zorgprisma Publiek) الهولندية بنظام آي بي إم واتسون (IBM Watson) لتحليلها، بهدف معرفة ما إذا كان الطبيب أو العيادة أو المستشفى يرتكبون أخطاء متكررة في علاج نوع معين من الحالات أم لا، وتحديد أسباب عدم كفاءة سير العمل، بل حتى المساعدة في تقليل الزيارات غير الضرورية للمستشفيات.

5- الاختبارات والتجارب العلمية

استخدامات هامة للذكاء الاصطناعي في قطاع الصحة

مصدر الصورة: جيرد ألتمان عبر بيكساباي

يوضح تحليل حديث أن الأسباب الرئيسية لفشل ما يصل إلى 88% من تجارب تطوير العقاقير في الولايات المتحدة هي نقص الأموال أو تسرب المشاركين في التجارب أو الفشل في تجنيد ما يكفي من المتطوعين؛ لذا فقد اتجه الباحثون إلى استخدام البيانات التي تجمعها تقنيات الذكاء الاصطناعي من السجلات الصحية الإلكترونية والأجهزة القابلة للارتداء، إذ يمكنها توفير مليارات الدولارات، كما أنها تملك كميات كبيرة من البيانات التي يُمكن تحليلها. علاوة على ذلك، تسمح هذه التقنيات للخوارزميات بالبحث في التقارير الطبية عن الأشخاص المؤهلين للمشاركة في التجارب السريرية.

وفي سياق آخر، استخدم باحثون خوارزمية تعلم عميق تُسمى (Extreme Gradient Boosting) لاستكشاف طرق جديدة لمواجهة “البكتيريا الخارقة”، وهي الأنواع المقاومة لمعظم أو كل المضادات الحيوية، حيث تمكنت تلك الخوارزمية من تحديد قدرة سلالات البكتيريا على مقاومة العقاقير بدقة وصلت إلى 95%.

يبقى أن نقول إنه مع التقدم التكنولوجي الهائل وتطوير المزيد من التقنيات الأكثر ذكاء، يخشى الكثيرون -بمَن فيهم العاملون في مجال الرعاية الصحية- من أن تحتل الروبوتات وأنظمة الذكاء الاصطناعي وظائفهم، إلا أن المؤشرات الحالية تُنبئ بشكل واضح أن التكامل بين الذكاء البشري والاصطناعي هو الطريق الأمثل لتحقيق الثورة القادمة في القطاع الصحي.

اترك رد

Your email address will not be published.