الذكاء الاصطناعي والتحكيم.. بدائل أم تكامل؟

109

د. عماد الدين حسين

هل يمكن أن يحلَّ الذكاء الاصطناعي محل المحكّمين في المنازعات المدنية والتجارية، ليصدر الحكم التحكيمي عن «هيئة التحكيم الذكية» أو «المحكّم الذكي»؟ وهل ارتفاع معدّل الابتكارات والحلول الذكية في عالم تقنيات القانون، ومختلف أدوات الثورة الصناعية الرابعة من شأنه تمهيد السبل للوصول إلى «تحكيم من دون محكِّم»؟

لقد أسهت الجائحة في أن تتصدّر تسوية المنازعات التجارية عبر تطبيقات الذكاء الاصطناعي أجندة الندوات واللقاءات، فقد نقلتنا المنصات الافتراضية إلى «واقع جديد» أضحى أطراف النزاع فيه يقطنون في دولتين مختلفتين، ويدير النزاعَ مركز تحكيمي في دولة ثالثة، ويفصل بينهم وكلاء قانونيون ممثلون للأطراف في دولة رابعة وخامسة، وينظر النزاع التحكيمي هيئة تحكيم في دولة سادسة، ولا يتطلّب اجتماع هذه الأطراف المتباعدة سوى منصّة إلكترونية افتراضية، بصرف النظر عن الفاصل الزماني والمكاني بينهم، لينظروا في شأن النزاع ويتم إصدار حُكم نافذ في دولة سابعة دون الاضطرار إلى الالتقاء حضورياً.

وعند الحديث عن الذكاء الاصطناعي والمحكمين، يرى فريق أن المستقبل للذكاء الاصطناعي لما يتميّز به من سرعة وشفافية وحَيدة وكلفة منخفضة، وإتاحة الوصول لبيانات ضخمة بشكل آمن من خلال تكنولوجيا السلسلة المنيعة «Block chain» في ثوانٍ معدودات، ما يضمن موضوعية الحكم التحكيمي النهائي، نظراً لانعدام التحيّز لطرف دون الآخر «Bias»، وحمايته من أي قصور أو أخطاء بشرية، وتلك أهم توقعات وطموحات أطراف الخصومة التحكيمية: حكم باتّ قابل للتنفيذ، وبمنأى عن البطلان.

وثَمّة فريق آخر يرى أن الإنسان هو محور عملية الفصل في المنازعات، لما يمتلكه من جدارات ومهارات تفتقر إليها «الآلة»، كالقدرة على «التكييف القانوني للدعوى»، و«تقدير وزن وأهمية القرائن والأدلة»، كما أن قابلية التحليل واستخلاص النتائج تحتاج لمهارات أبعد من تلك التي يمتلكها «المحكّم الذكي»، مثل الذكاء الاجتماعي، ناهيك عن الخبرات التراكمية التي تبحث عنها أطراف الخصومة لضمان حسن سير العدالة، ومساءلة الشهود، والمقارنة والمقاربة وصولاً للتوازن المطلوب من هيئة التحكيم قبل الفصل في النزاع.

وفصل الخطاب، لا يمكن أن تكون «الآلة الذكية» بديلاً للإنسان بشكلٍ كامل، إنما ستشكّل عاملاً مسانداً في بعض مراحل نظر الدعوى مثل تحليل البيانات، وتوفير المعلومات والإحصاءات، والمقاربات التي تخدم موضوع الدعوى، ويبقى الإنسان أهم لبنة في بنيان سدنة العدالة القضائية والتحكيمية.

اترك رد

Your email address will not be published.