السيد “روبوت” العاطفي!

16

حسن فتحي

أصبحنا نُفضفض “أون لاين” ونحكي مشاكلنا “أون لاين” ونبحث عمن “يطبطب” علينا “أون لاين”، مع إن أقرب الناس إلينا في الغرفة المجاورة هم الأولى بذلك، ولولا وسائل التواصل الاجتماعي  لكنا ارتمينا في أحضانهم، فهم الأولى بالفضفضة.. وهكذا أصبحت حياتنا “افتراضية” وتحولت إلى مجرد “لايكات وكومنتات ورموز”، حتى في الأفراح والأحزان.

لا أحد ينكر أن دور التكنولوجيا في حياتنا يتعاظم يوما بعد يوم، ففي كل يوم نربح مزيدًا من التقدم، لكننا نفقد الكثير مقابل ذلك، من حريتنا وأسرارنا، بل ومشاعرنا.

وفي مواجهة جفاف وجفاء المشاعر، لم تقف التكنولوجيا موقف المتفرج، فبعدما غزت ” الروبوتات ” حياتنا وتمددت بفضل الذكاء الاصطناعي  في كل مجالات الحياة.. ها هي اليوم، تقترب كثيرا من دائرة المشاعر والعواطف قراءة وتعبيرا.

لكن لماذا لم تطرق الروبوتات دائرة المشاعر والعواطف مبكرا، رغم غزوها كل مناحي الحياة؟، فلماذا حلت محل المزارعين وعمال المصانع، لكنها ما لم تحل بعد محل الطبيب أو العمالة المنزلية؟، ولماذا لم يتم تصنيع روبوتات يمكنها مراقبة حالة الإنسان الصحية مبكرا؟ فهل الدقة التي يحتاجها الروبوت لمراقبة حالة الإنسان الصحية أعلى من الدقة اللازمة لتصنيع المنتجات المعقدة في المصانع؟ ولماذا لم تتول روبوتات منذ وقت طويل الأنشطة المنزلية كالطهي ورعاية الأطفال؟ فهل القيام بالأعمال المنزلية أصعب من العمل في الحقول الزراعية بالنسبة للروبوتات؟!

الإجابة عن كل هذه الأسئلة يمكن اختصارها بفهم كلمة واحدة، هي “المشاعر” أو “العواطف”.

صار طبيعيا ومقبولا، أن نرى الروبوتات تُسهل حياة الناس في مواقع كثيرة، خاصة في الصناعات الدقيقة والسيارات والزراعة وحل المشكلات الطارئة الخطرة، لكن ليس من السهل قبول التفاعل مع ” روبوت عاطفي ” تبث له مشاعرك أو يكتشف حالتك النفسية من خلال رصد تعبيرات وجهك أو طريقتك في التفكير، لأن الشائع عن العواطف والمشاعر أنها لا تخضع للتفكير المنطقي، والروبوت لا يفهم إلا لغة الرياضيات والمنطق.

وحتى يتمكن العلماء من تحسين التواصل بين الذكاء الاصطناعي  وبين البشر، وتحقيق الدمج بينهما، باعتبار الروبوتات شريكة لبني البشر في المستقبل، فإنهم يسعون إلى التغلب على هذه المشاكل، لكن، هل فعلًا هناك مجال علمي يدرس مثل هذه الأمور، أم أنها مجرد خيال علمي وأوهام؟!

بالفعل، الذكاء الصناعي العاطفي هو علم دراسة وتطوير أنظمة وأجهزة يمكنها التعرف على المشاعر وتفسيرها، حتى تتعامل هذه الأجهزة مع البشر بشكل ملائم، ويُعرف هذا المجال أكاديميًا باسم ” الحوسبة العاطفية “، وأول بحث علمي ناقش هذا الموضوع نُشر في  معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في أمريكا سنة 1995، أي أن هذا المجال عمره تجاوز 20 عاما وليس مجرد وهم أو خيال.

واليوم، هناك أكثر من طريقة تتمكن بها الأجهزة من قراءة مشاعرك وتحليلها، مثل تعبيرات الوجه، ولغة الجسد، وأسلوبك في الكلام، والتغيرات الفسيولوجية مثل مستوى ضغط الدم والتخطيط الكهربائي للوجه.

ففي 2019، تمكنت مجموعةٌ من الباحثين بـ جامعة العلوم والتكنولوجيا في الصين من تطوير نظام يتمكن من التعرف على المشاعر عن طريق تحليل تعبيرات الوجه ونبرة الصوت، وبعد القيام بتحميل 653 فيديو وملفا صوتيا، تمكن النظام بشكل صحيح من تحديد بعض المشاعر، وهي السعادة والدهشة والحزن والغضب والاشمئزاز والخوف بدقة بلغت حوالي 62,5%، ومن الملاحظات الطريفة، أن النظام تمكن من تحديد المشاعر ذات التأثيرات الأكثر وضوحًا مثل السعادة والغضب.

وفي خطوة مهمة في اتجاه الروبوت العاطفي، طور العلماء في جامعة للتكنولوجيا بسنغافورة، باستخدام نهج مستوحى من الدماغ البشري، نظاما يسمح للروبوتات بالشعور بالألم، مزودا بتقنية مستوحاة من مستقبلات الألم البيولوجية، وعمل الباحثون على صناعة جلد ذكي جديد مُصمم خصيصاً لمنح الروبوتات إحساسا مشابها بإحساس البشر.

فريق العلماء الذي طور هذه التقنية أكد أنه لكي تعمل الروبوتات مع البشر يومًا ما، من الضروري ضمان تفاعلها معنا بأمان، ولهذا السبب عملنا على إضافة خاصية الشعور بالألم لخاصيات الروبوتات الجديدة، بالإضافة إلى إمكانية التفاعل معها.

فإذا كان الروبوت سيمتلك خاصية الشعور بالألم، ورصد مشاعر السعادة والحزن والغضب والخوف لدى البشر.. فماذا تبقى لدينا من مشاعر وعواطف؟

لذلك، لن يمضي وقت طويل، وفي ظل حالة ” الفصام الاجتماعي ” التي تعانيها أغلب المجتمعات، سيكون شائعا أن يقتني الكثيرون “روبوت على شكل حيوان أليف” أو السيد “روبوت العاطفي” يتخذونهم أصدقاء، قد “يُفضفضون” معهم بكل معاناتهم أو يأنسون بقربهم، لكن المؤكد أنها ستكون مشاعر متبلدة وعواطف جامدة، وذلك لن يُغنى أبدا عن دفء العائلة وحضنها.

اترك رد

Your email address will not be published.