المملكة والريادة في الذكاء الاصطناعي
رشود بن محمد الخريف
كان الذكاء الاصطناعي من تراث الخيال العلمي في الماضي، بدءا برواية صموئيل بتلر في 1872، ولكنه أصبح خلال الأعوام القليلة الماضية جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية. وليس أقرب إلى الذهن من مساعدة الذكاء الاصطناعي على التنقل داخل المدن، أو القيادة الذاتية وخدمات النقل، أو العمليات الجراحية، وكذلك التجارة الإلكترونية، أو مساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة على التمتع بالاستقلالية والإنتاجية، وتعزيز قدرات العاملين في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والصناعية، ما يزيد من كفاءة الأداء وسرعة التنفيذ، وفوق ذلك يسهم في حماية كوكبنا الأزرق من الآثار السلبية للتلوث والتغير المناخي، ويساعد الدول على تحقيق الأهداف الأممية للتنمية المستدامة (SDGs).
من هذا المنطلق، حرصت رؤية المملكة 2030 ومستهدفاتها على أن تحتل المملكة مكانة متقدمة في مؤشر التنافسية العالمي وتعزيز كل الممكنات لتحقيق الأولويات الوطنية، وتأتي في مقدمتها البيانات والذكاء الاصطناعي. وبناء عليه، حرصت وزارة التعليم والجامعات على أن يكون موضوع الذكاء الاصطناعي في مقدمة الأولويات البحثية في خططها الاستراتيجية ومبادراتها وبرامجها في مجال البحث والابتكار.
وتأتي القمة العالمية للذكاء الاصطناعي تحت عنوان “الذكاء الاصطناعي لخير البشرية” برعاية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله – لتتوج الجهود في هذا المجال، وتؤكد سعي المملكة لأن تكون عاصمة للذكاء الاصطناعي على المستوى العالمي، وأن تكون ضمن أفضل الدول في هذا المجال. وسيتحقق ذلك – بإذن الله – من خلال “الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي” الطموحة التي أطلقت خلال هذه القمة التي تضع الأسس لتحقيق الأولويات الوطنية، وتعزز مكانة المملكة، للانطلاق نحو الريادة العالمية في هذا المجال الحيوي المهم، ومن المؤكد أن هذه الاستراتيجية ستساعد على تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030.
وتهدف هذه الاستراتيجية الطموحة إلى ترسيخ مكانة المملكة كمركز عالمي لاستثمار البيانات وتعظيم الاستفادة منها، وأن تكون المملكة موردا مستداما للكفاءات المحلية والقوى العاملة في مجال البيانات والذكاء الاصطناعي، ووجهة أولى للاستثمار في هذا المجال، ومنصة عالمية لأنشطة البحث والابتكار في موضوعات البيانات والذكاء الاصطناعي، وذلك من خلال إيجاد بنية تحتية مبتكرة ومحفزة لتبني وإطلاق قدرات البيانات والذكاء الاصطناعي. كما تسعى الاستراتيجية إلى إطلاق سياسة البيانات المفتوحة على مستوى الحكومة والتأكد من الحصول على البيانات بشكل مقروء، مع تبني نهج البيانات المفتوحة على مستوى الحكومة.
وإلى جانب دور هذه الاستراتيجية في تحقيق مستهدفات رؤية المملكة بشكل عام، فإنها بحلول 2030 تطمح إلى تحقيق ما يلي: تدريب 40 في المائة من القوى العاملة على المهارات الأساسية لمحو أمية البيانات والذكاء الاصطناعي، وتوفير خمسة آلاف خبير في هذا المجال، إلى جانب الانضمام إلى قائمة أفضل عشر دول في مؤشر البيانات المفتوحة، واستقطاب الاستثمار الأجنبي في هذا المجال بقيمة تصل إلى 30 مليار ريال، إلى جانب تشجيع الاستثمارات المحلية وتحفيز 300 شركة ناشئة في البيانات والذكاء الاصطناعي. ولتحقيق أهدافها، تركز الاستراتيجية على خمسة قطاعات رئيسة ذات أولوية، وهي: التعليم والقطاع الحكومي، والصحة والطاقة والنقل والمواصلات.
في الختام، إنجازات رائعة في هذا المجال الحيوي المهم تستحق الإشادة والثناء، كونها تضع المملكة على خريطة الذكاء الاصطناعي، وتوجه اهتمام الباحثين ورجال الأعمال والمسؤولين في الحكومة ورؤساء الجامعات، إلى أهمية البيانات والذكاء الاصطناعي، وتشجع الشركات على تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي لرفع الإنتاجية وتعزيز تنافسية الاقتصاد السعودي. أدعو للهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي ورئيسها المتألق، مزيدا من التوفيق في خدمة الوطن خصوصا والبشرية عموما.