منصات الذكاء الاصطناعي.. منتجات غير ناضجة بعد

48

د. جمال عبدالرحمن العقاد

 

على الرغم من أن مصطلح الذكاء الاصطناعي مازال حتى هذه اللحظة في مرحلة التكوين بعد أكثر من خمسة عقود على ولادته (وليس وليد مرحلة الثورة الصناعية الرابعة التي قدمها “كلاوس شواب” للعالم عام 2016 كما يعتقد البعض)، إلا أن الكثير اختطفتهم حالة من الذهول والانبهار – نتاج حملات تسويقية ربحية ذكية – بمواقع الذكاء الاصطناعي التي بدأت الانتشار في الآونة الأخيرة، وكأنها منتجات نهائية وهي ليست ذكاءً اصطناعياً حقيقياً، مما يستدعي عدم التسرع في تبنّي هذه المنتجات غير الناضجة والمكلفة في الوقت الراهن.

مصطلح الذكاء الاصطناعي هو وصف لقدرة مجموعة من الآلات على أداء أعمال فكرية أو إدارية أو فنية من الممكن أن يؤديها الإنسان، وبالرغم من أن البحث العلمي يحرز تقدمًا جيدا في هذا المضمار، إلا أنه ليس من الواضح في الوقت الحالي ما إذا كانت أي مجموعة من التقنيات العديدة ذات الذكاء الاصطناعي ستصل للمستوى الكافي أو المستقر بدرجة مصداقية كافية للوصول إلى هدف الذكاء الاصطناعي الحقيقي.

يسير العمل بخطى متسارعة على مرحلتين للوصول لمستوى الذكاء الاصطناعي الحقيقي المنشود، وحتى تكون الآلة ذات سلوك ذكي وتتصرف بطريقة تشبه الذكاء البشري: الأولى هي ما يطلق عليه “ما قبل الذكاء الاصطناعي” وفيها تتعلم الآلة من البيانات البشرية وتحاول تطوير نفسها بواسطة خوارزميات متقدمة، فعلى سبيل المثال سيتمكن الذكاء الاصطناعي التنبؤ بسلوك سوق الأسهم بشكل أفضل في المستقبل بناءً على البيانات التاريخية، واعتمادا على تحليل أساسيات السوق وفنياته.

لكن يظل هذا الذكاء عاجزٌ وغير قادرٍ على تحليل المشاعر الإنسانية في الاستثمار لأن هذه المشاعر معقدة ولا يمكن حسابها من بيانات رقمية (على الأقل في المستقبل المنظور)، لذلك يمكن للمستثمر استخدام هذه التنبؤات فقط لدعمه على اتخاذ قراراته في إدارة استثماراته، دون استطاعة الآلة من اتخاذ القرار بالنيابة عنه، إلا بعد المرحلة الثانية “الذكاء الاصطناعي الحقيقي” – من الناحية النظرية – ولن يكون ذلك إلا عندما تتم الآلة من إدارة نفسها بشكل مستقل عن أي مبرمج أو برنامج.

هذه المرحلة المتقدمة جدا مازالت الجدلية العلمية قائمة حولها بسبب صعوبة فهم ماهية الذكاء واللغة الطبيعية والعاطفة البشرية بشكل دقيق، بغية تكوين نظرية رقمية لكل شيء نحو تطوير المعرفة العامة حول كيفية عمل العالم والقدرة على تطبيق تلك المعرفة في مواقف جديدة مستقبلية، والتي وقتها فقط يكون العلم قد رسم حدود التفريق بين برنامج حاسوب وذكاء اصطناعي لديه القدرة على التعلم والتطور من تلقاء نفسه والتصرف بشكل مستقل، ولكن هذا يعني أيضا دخول العالم في متاهة أخلاقيات وقانونيات السماح للآلة للقيام باتخاذ القرار وإدارة المشهد بالنيابة عن الإنسان.

من المهم التنبه والحذر من مغبّة التبني الأعمى والانزلاق في متاهة الحلب المالي لما يسوّق له حول الذكاء الاصطناعي، كما حصل في هيجان العملات المشفرة التي مازالت غير واضحة المعالم حتى الآن، ففي أقل تقدير فإن العلم مازال بعيدٌ عن إنشاء آلة ذكية حقًا يمكنها حل المشكلات المعقدة، وما نراه اليوم تحت مظلة منصات الذكاء الاصطناعي ليس منتجًا نهائيًا أو حتى متطورا، ولكن فقط البداية.

اترك رد

Your email address will not be published.