هل يمكن أن يتفوق الذكاء الاصطناعي على البشر؟
في 1996، حدثت واحدة من أبرز المواجهات المثيرة بين بطل بشري وذكاء اصطناعي، حيث لعب ديب بلو Deep Blue وهي آلة تم تصنيعها وبرمجتها من قبل شركة IBM أمام بطل العالم السابق في الشطرنج، جاري كاسباروف، روسي الجنسية ذو معدل ذكاء خارق. خسر كاسباروف في المباراة الأولى، لكنه سرعان ما تكيف مع أسلوب ديب بلو في الشطرنج وفاز بثلاث من أصل ست مبارايات وحصل على البطولة. وفي 1997، وافق كاسباروف على إعادة المباراة ضد ديب بلو، لكن الآلة بلو استطاعت القيام بحركات غير متوقعة واستدرج بطل العالم لكي يهزم وسط دهشة الجميع. كيف استطاعت آلة من هزيمة كائن بشري؟ وكيف تعلمت بهذه السرعة خلال عام واحد؟ اتهم كاسباروف شركة IBM بالغش بعد خسارته مدعيا بوجود مؤامرة على الرغم أن الذكاء الاصطناعي لم يتم تطويره بشكل كاف للقيام بهذه التحركات، وكان التفسير الوحيد هو تدخل بشري من الشركة، لكن سيخسر بطل العالم آنذاك أمام شخص بشري وليس أمام آلة.
لقد ذكرنا في مقال سابق أن الذكاء الاصطناعي ينقسم إلى ثلاثة أنواع، ومنها الذكاء الاصطناعي الخارق، لأنه يتمتع بقدرة ذكاء أعلى من مستوى البشر. ولا تكاد تمر فينة من الزمن إلا قرأنا أو سمعنا مقالا أو حديثا من منتديات أو منظمات، أن الآلات على وشك تولي الوظائف البشرية، وأن الثورة الصناعية الرابعة هي عصر الآلات، وأننا نسير نحو معركة مصيرية بين الآلات من ناحية والبشر من ناحية أخرى، فهل تستطيع الآلة باستخدام الذكاء الاصطناعي التفوق علينا؟ وهل الخوارزميات المبرمجة قادرة على التغلب على الذكاء البشري؟ في حقيقة الأمر، لقد تأثر البعض بالأفلام الهوليوودية صاحبة الخيال العلمي الواسع مثل ماتركيس وستار تريك وتيرمنيتر وربوكوب وفري جاي وغيرها، واتفق باحثو الذكاء الاصطناعي وعلم الأعصاب على أن الأشكال الحالية للذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يكون لها مشاعرها الخاصة، لأنه يمثل مستوى واحدا أعلى من برمجة الحاسوب الأساسية، بينما لا يزال الذكاء البشري في مستوى أعلى بكثير. والمشاهد أن الذكاء الاصطناعي الخارق اقتحم عالم الألعاب فقط، حيث يتم تطبيقه في وظائف محددة أو مقاربة للعقل البشري في آلات مبرمجة مثل ديب بلو. وقس على ذلك، الفاغو AlphaGo وهي خوارزميات مبرمجة طورت من قبل شركة جوجل ديب مايند في 2015، وتعمل على الذكاء الاصطناعي وأصبحت أول برمجية تهزم لاعبا بشريا محترفا في لعبة الغو، وجاء بعدها ألفازيرو AlphaZero. لقد استطاعت الآلة هزيمة الإنسان في الألعاب وكان للذكاء الاصطناعي دوره في تعزيز قدرة الآلة، لكنها لم تستطع اقتحام بقية الصناعات الأخرى. ولقد ارتبطت التطورات والإنجازات في مجالات الذكاء الاصطناعي ارتباطا وثيقا بالذكاء البشري، ولا تزال الآلات أبعد مما يستطيع العقل البشري القيام به، لأن الذكاء البشري هو عقلية لا نهائية يستطيع التكيف مع المتغيرات بسهولة، بينما يظل الذكاء الاصطناعي محدودا في الوقت الراهن ولا يمكن له التكيف مع تلك المتغيرات بشكل جيد. ويعنى هنا بالمتغيرات قائمة طويلة من القرارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، التي يستحيل على الذكاء الاصطناعي فهمها بشكل طبيعي. وإذا أردنا العدل في الحكم بين البشر والآلة بكل شفافية، يستطيع الذكاء الاصطناعي استنباط قرارات أفضل من البشر، لكن يعتمد على تحديد أنماط معقدة من البيانات الكبيرة. ولعلنا نركز قليلا في ماهية البيانات والقدرة على استنتاج الجديد إذا حصل تغير كبير، مثلما حصل مع جائحة كورونا عندما عصفت بالبيانات عرض الحائط ولم تستطع المنصات الرقمية، مثل أمازون ونتفليكس، تفسير سلوك البشر جراء الحظر على الرغم من وجود بيانات هائلة.
يقول إيلون ماسك في إحدى المناسبات الوطنية في الولايات المتحدة في 2017، “إن المشكلة الأكثر رعبا” هي الذكاء الاصطناعي، ثم أردف قائلا، “إنه اختراع غير قابل للتقدير ويمكن أن يشكل خطرا وجوديا أساسيا على الحضارة الإنسانية “، وكأنه يرمي إلى الذكاء الاصطناعي الخارق. وذكر أحد الأبحاث المنشورة تحت عنوان، “متى يتجاوز الذكاء الاصطناعي الأداء البشري؟ أدلة من خبراء الذكاء الاصطناعي” أن نخبة من باحثي الذكاء الاصطناعي توقعوا أن الذكاء الآلي لديه فرصة في التغلب على البشر بـ50 في المائة في غضون 45 عاما، بينما فرصة حدوثه بـ10 في المائة ستكون في غضون تسعة أعوام، نظرا إلى مدى سرعة تقدم التقنية حاليا. ولذلك تساءل البعض، ماذا لو استطاع الذكاء الاصطناعي التغلب على البشر؟ على الرغم من أننا لم نصل إلى تحقيق آلات فائقة الذكاء حتى الآن، دعونا نفكر كما يحلو لبعض أفلام الخيال العلمي، في رسم مخاطر الذكاء الاصطناعي الخارق في عدة نتائج، التي منها على سبيل المثال، صراعات وتلاعب اجتماعي وإفناء وعنصرية وانتهاك صارخ للخصوصية وغيرها، ولذلك أسماه البعض بالذكاء الاصطناعي المظلم.
لقد أجمع الخبراء على أن البشر على وضعهم الحالي لا يزالون يتفوقون على أجهزة الحاسوب في الذكاء والمعرفة والإبداع، لأن البشر يمتلكون القدرة على التعلم والفهم ومن ثم تطبيق المعارف المكتسبة، على الرغم من وجود تنبؤات بقدرة الآلة على التغلب على قدرات البشر في المستقبل. إن الأثر المحتمل هو أن تلغي تقنية الذكاء الاصطناعي بعض الوظائف في المستقبل، ولعلنا نستغل هذه الفرصة في التعلم ورفع كفاءة القدرات الوطنية، لأن الذكاء الاصطناعي سيدفع إلى وظائف جديدة تحتاج إلى مهارات نوعية، ونحتاج أيضا إلى لعب دور نشط في تحديد ما يتم تطويره من الذكاء الاصطناعي والتأكد من أن الوظائف والمهام الممنوحة للذكاء الاصطناعي بما يتوافق أخلاقيا. وختاما، هل فعلا خان كاسباروف التعبير في رفع راية أخلاقيات الذكاء الاصطناعي قبل إعلان هزيمته أمام ديب بلو؟