يتحدث العالم اليوم عن الذكاء الاصطناعي باعتباره القوة الخارقة التي قد تغير العالم وتدفعه إلى الأمام في شتى المجالات كالتعليم والصحة والرياضة والأمن وغيرها، وقد أثار ذلك تخوفاً كبيراً في الأوساط العلمية نزولاً لعامة الناس بحيث زادت التكهنات والتوقعات بالانقراض الحتمي لعدد مهول من الوظائف والمهن الحالية لأنها ستنتقل بسببه تدريجياً من البشر إلى الآلة، وقد دعم أحد تقارير المنتدى الاقتصادي في آخر السنوات، وبالتحديد في العام 2020 هذه النظرية عندما نشر بأن عدد الوظائف التي ستنتهي أو تستبدل بسبب التحول في تقسيم العمل بين البشر والآلة حول العالم سيصل إلى 85 مليون وظيفة بحلول العام 2025.

إلا أن ما لا يعرفه الكثيرون، أن الذكاء الاصطناعي قد يقف عاجزًا عن العمل والتطور في حال انعدام البيانات، إذ إنه يتغذى بشكل مستمر على البيانات المتوفرة له لكي يعمل، ومن دون البيانات فلا يمكن الوصول للذكاء الاصطناعي.

وتعتبر البيانات اليوم «نفط القرن الحادي والعشرين» وهي جزء مهم لجميع مناحي الحياة، فالبيانات مهمة للشركات والدول وجميع المنظمات وحتى الأفراد من خلال تجميعها وتحليلها واستخلاص أبرز معطياتها وما ينفع فيها.

للبيانات وعلمها في عصرنا الحالي دور جوهري في عملية اتخاذ القرار، فالعملية المنهجية لعلم البيانات ترتكز على إتمام عدد من المراحل الأساسية تبدأ بتحديد المشكلة والبحث فيها، ثم وضع الفرضية لتجربتها واستخلاص معطياتها للوصول للنتيجة النهائية التي تساعد حتماً لاتخاذ القرار التطويري أو التصحيحي المراد الوصول إليه. وينسحب ذلك علينا نحن الأفراد والشباب، فأخذ قرار مصيري مثل اختيار التخصص الجامعي الذي سيكون له التأثير الحاسم على مستقبل الفرد ومصيره لا يمكن أن يتخذ بشكل عاطفي أو بناءً على نصيحة مجهولة المعطيات غير مبنية على أبسط بيانات سوق العمل في الوقت الحالي.

للبيانات اليوم قيمة ضخمة حول العالم خصوصًا مع تعدد وسائل توليدها وتدفقها سواء عن طريق المعاينة الشخصية التقليدية، أو عن طريق الإنترنت من خلال البريد الإلكتروني، والشبكات الاجتماعية، والتجارة الإلكترونية، وغيرها من الطرق المستخدمة بالهاتف المحمول وأجهزة الكمبيوتر.

يقدر معهد ماكنزي العالمي أن للبيانات وتحليلاتها القدرة على توليد ما قيمته 9.5 تريليون إلى 15.4 تريليون دولار سنويًا إذا ما تم تضمينها على نطاق واسع، وقد تبلغ قيمة القطاعين العام والاجتماعي من ذلك النطاق ما يقدر بـ1.2 تريليون دولار. لذا فإن جميع الجهات الأهلية والحكومية باتت تحتاج للبيانات ومعالجتها لتطوير عملية اتخاذ القرار المناسبة لديها بما يسمح لها المضي في التوجهات المستقبلية الأكثر وضوحًا وديمومة، إذ إن استشراف المستقبل بات أكثر سهولة من خلال تعاون البيانات والذكاء الاصطناعي.

وعلى المستوى الوطني وتحت قيادة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم، وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى رئيس مجلس الوزراء، يمكننا ملاحظة اهتمام مملكة البحرين المتصاعد بهذا المجال من خلال عدد المبادرات المتميزة التي أطلقت مؤخرًا ومنها تطبيق مستشفى الملك حمد الجامعي نظامًا آليًا للأرشفة السحابية، وكذلك إدراج علوم البيانات والبيانات الضخمة ضمن تخصصات جامعة البحرين، وأيضًا إطلاق بوابة ترابط وهي أكبر منصة للمصرفية المفتوحة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كما قامت حكومة البحرين بإنشاء هيئة حماية البيانات الشخصية على أن تتولى وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف المهام والصلاحيات المقررة لها إلى حين رصد الاعتماد المالي للهيئة في الميزانية العامة للدولة وصدور المرسوم بتشكيل مجلس الإدارة.

ومن جانب آخر فقد حلت مملكة البحرين في المرتبة الأولى عالميًا ضمن مؤشرات الإنترنت الشامل والصادر عن شركة ميتا «فيسبوك» والذي أجرته Economist Impact، وشملت المؤشرات السياسة الوطنية للإدماج الإلكتروني للإناث، وتقييم مواد العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات STEM، بالإضافة إلى سياسات البيانات المفتوحة والتشريعات المرتبطة بالخصوصية.

من كل ذلك نستنتج أهمية البيانات للتطور في مختلف المجالات وقدرتها على توليد المبالغ الضخمة الداعمة للاقتصاد حين يتم استغلالها بشكل ممنهج وصحيح، علماً بأن للبحرين جهودًا جبارة في ذلك ولكن لايزال الطريق طويلًا إذ إن على جميع الجهات في المملكة سواء في القطاعين العام أو الخاص الاهتمام بهذا المجال وتطويره لمواكبة الدول المتقدمة اقتصادياً ولتحقيق رؤى البلد المستقبلية تحت قيادتها الحكيمة.