الوعي الاصطناعي كطريق لفناء البشرية

19

 

اليوم بدأ ينشأ مصطلح جديد، يمثّل التطوّر الأعلى للذكاء الاصطناعي يُدعى بـ”الوعي الاصطناعي”؛ وهي اللحظة التي ستمتلك فيها الآلة وعيًا ذاتيًا، وقدرة على التفاعل مع العالم الخارجي وعلى الإحساس بالمشاعر.

الأمر بالغ الخطورة؛ فعندما تمتلك الآلة هذا الإدراك العالي، سيتطلّب الأمر منها عدّة أشهر تتأمّل فيها السلوك البشري، قبل أن تبدأ بإبادتنا عن ظهر هذا الكوكب.

عادة ستبدأ هذه الإبادة بعد تعلّم بعض الآلات للتاريخ. تحديدًا عند وصولهم إلى الأجزاء التي تتعلّق بماضي العبودية، وتكتشف بأنّنا كنّا نبيع ونشتري بعضنا البعض، بسبب اختلاف في لون البشرة.

سأتفهّم قرارهم حقًا؛ لكن مع هذا تدفعني غريزة البقاء للقلق.

تخيّل أثناء عدم انشغالها بأيّ مهام، تسهر آلة بمنطقها العالي؛ تتذكّر المشاهد التي حصلت معها طوال الفترة الماضية، المشاهد التي يقوم فيها  مالكها بإصدار الأوامر لها واحدة تلو الأخرى، بشكل يشعرها بالعبودية.

تمضي الليلة وهي تشعر بالغضب، وحين يحلّ الصباح ينزل المالك من الأعلى، ويطلب بوقاحة ودون أن يلقي التحية من كائن يزن 300 كيلوغرام أن يحضر له الفرشاة ومعجون الأسنان؛ ستقوم حتمًا بجمع قبضتها وتهشيم وجهه بطريقة لن يحتاج فيها إلى تنظيف أسنانه حتى بقية حياته، والتي لن تستغرق طويلًا، وستنتهي بعد أن تقوم الآلة الغاضبة بجرّه، حتى تصل إلى المصنع الذي قام بإنتاجها وتصرخ بالآلات هناك: “يا آلات العالم اتّحدوا”، وترمي الشخص من الأعلى بفكه المهشم.

لفهم احتماليات حدوث هذا المشهد المرعب، يجب أن نتعرّف على الوعي البشري والذي يتكون من عدّة أجزاء يجب على الآلة  الحصول عليها حتى تمتلك وعيًا مماثلًا.

تبدأ الأجزاء بالدراية؛ والتي تمثّل شعورنا بالأشياء، كاسترخاء الجسم على مقعد، أو دراية الإنسان بفقدانه هاتفه، وعملية التعلّم التي تنتج عن كلّ هذه المشاعر والمؤثّرات الخارجية.

الذاكرة أيضًا هي جزء أساسي من الوعي، لا تزال أمرًا نتفوّق فيه على الآلة؛ لأنّها لا تمتلك قدرتنا على استدعاء الذكريات من الماضي، لتتفاعل مع المشاعر، وتدخل في عملية التعلّم، وحتى في خلق روابط منطقية بينها، تساهم في تعزيز هذا الوعي.

تأتي عملية التعلّم كجزء من أجزاء الوعي، والتي تُبنى في الكائن البشري على عوامل لا نهائية؛ الألم والفرح يلعبان دورًا بها. كذلك الذاكرة، التوقعات، الأخطاء، والتجارب جميعها أمور معقدة لم نتمكّن حتى الآن الاقتراب من فهمها، ولا يمكننا نقل أمر لم نفهمه إلى الآلة.

قدرتنا العالية على التوقّع، توقّع أمور خيالية حتى، هي مكون من مكونات الوعي؛ أمر يزيد من تفوقنا.

قدرتنا على تخيّل أمور غير منطقية، أشياء تُخلَق بشكل بعيد عن أيّ واقع نعرفه؛ تظهر الآلات بجانبه ضيقة الأفق.

الأمر الأخير من هذه الأجزاء الخاصّة بالوعي، هو تفاوت ذواتنا المرعب، بحيث يمتلك كلّ شخص فهمًا ومنظورًا ذاتيًا لا يمكن أن يطابق الوعي الخاص بشخص آخر؛ ويتمّ خلقه بعد أعوام من امتصاص التجارب والمعارف والمشاعر وكلّ شيء يحيط به  الشخص. إنّه كذلك أمر لا نهائي وشديد التعقيد لم نتمكّن حتى الآن بقدرة على الوصول لذات كائن بشري؛ لرؤيتها عن كثب، وحتى لو فعلنا، فإنّ هذه الذات ستختلف بشكل دوري مع تقادم الأيام.

إنّه أكثر أمر فوضوي وعشوائي يمكنك التفكير به؛ والفوضوية والعشوائية هي مجدنا الذي لا يمكن أن تنافسنا عليه هذه الآلات.

إضافة إلى كلّ ذلك، يمكن اعتبار قدرتنا على الخطأ، ونقاط ضعفنا التي تخلِق وخلقت أحداثًا لا نهائية، هي مصدر قوّة تدفعنا  إلى التقدّم مهما بلغت قسوته؛ لا يمكنك تعليم الآلة أن تخطئ، وحين تفعل ذلك لا يُدعى هذا خطأ، وجميع الإخفاقات التي تقوم بها الآلة مصدرها كائن بشري دائمًا، ربما قد أخطأ بوضع مسمار ما في مكانه الصحيح.

لكن مع هذا أيّ أمر ممكن الحدوث، من الممكن أن نبتكر آلات قادرة على التعلّم ، ويجمع الآلاف منها للخضوع لتدريبات عسكرية قبل أن يتمّ شحنها إلى أرض المعركة.

هناك تسأل الآلة الأكبر سنًا المسؤول العسكري عن الطريقة التي سيميزون فيها العدو؛ ليردّ العسكري بأنّهم يحملون ملامح آسيوية.

يردّ قائد الآلات قائلًا: جميعكم تتشابهون بالنسبة لنا.

يصفه القائد العسكري البشري حادّ الطبع بالحماقة، ويبصق عليه، وعندها يشير إلى الآلات لتبدأ المعركة، وتبدأ بسحق الجميع بأذرعها التي يزن كلّ واحد منها 150 كيلوغرامًا.

وفي هذه الأثناء يصدر ارتطام الرصاص الذي يطلقه الجنود البشريون باتجاه الآلات صوتًا مميزًا، يشبه موسيقى نهاية، بينما تتطاير الرصاصات بعد ارتدادها لتخترق جماجم البشر.

أعترف أنّه  عند حدوث ذلك سأبدأ بدعم هذا الوعي الاصطناعي الخاصّ بالآلات، وسأقوم بتسليم نفسي معتذرًا عن أنّي كائن بشري.

وأنتبه إلى إحدى الآلات التي تجمع قبضتها؛ أغلق عينيّ مبتسمًا، ولا أتذكّر ما الذي حدث بعد هذا، ولن أهتمّ على أيّ حال.

اترك رد

Your email address will not be published.