الذكاء الاصطناعي قادم لا محالة

25

علي قاسم

الآلات الخارقة ستنتشر عام 2047.. والذكاء الاصطناعي سيتفوق علينا بحلول عام 2060. والأهم من ذلك من المتوقع بحلول عام 2030 أن يضيف الذكاء الاصطناعي 15 تريليون دولار إلى الاقتصاد العالمي.. فماذا أعددنا له؟

الكارثة ليست كارثة إلى أن تقع. هذا هو المنطق الذي تتعامل معه حكومات دول العالم الثالث، ومن ضمنها معظم الدول العربية، عندما يتعلق الأمر بالتخطيط لمشكلة مستقبلية. الأفراد أيضا في تلك الدول على دين حكامهم، قدريون يؤمنون أن لن يصيبهم إلا ما كتب لهم. يصرفون ما في الجيب ليأتي ما في الغيب. لا يشغلهم آتي العيش، طالما أن الكارثة لم تحل بعد.

عقلية ريعية موروثة، تنتظر هطول المطر وترتهن لأسعار النفط والغاز، لذلك غالبا ما تقع شعوب المنطقة في أزمات لا تجد لها حلا.

سياسة الابتهال والتضرع
أخطر ما يميز ثورة الذكاء الاصطناعي هو السرعة. لا وقت للانتظار. عليك أن تتحرك دائما. توقف قليلا لتخسر السباق

لنأخذ أزمة الغذاء وارتفاع الأسعار مؤخرا بسبب جائحة كورونا ومن بعدها الحرب في أوكرانيا؛ فجأة اكتشفت الحكومات، ومعها شعوب المنطقة، أن مخازن الحبوب خاوية، وأنها تستهلك ما لا تنتج. مشكلة لن تنفع معها صلاة استسقاء ولا ابتهال ولا تضرع.

أمرنا أن نعقلها ونتوكل. اكتفينا بالتوكل ونسينا أن نعقلها. وأمرنا أن نسعى في مناكبها. فاخترنا التسول والسعي في أروقة المنظمات الدولية وانتظار مساعدات، ما هي إلا فتات تتصدق علينا به الدول الثرية من حين إلى آخر.

إن كان هذا ما أصابنا في أمننا الغذائي، ونحن يفترض بنا أن نكون دولا زراعية؛ ماذا ننتظر مستقبلا والعالم يشهد قفزة تكنولوجية نقف خارجها على مسافة سنين ضوئية. كل ما شاهدناه وخبرناه بالماضي مقارنة معها مجرد قطرة. فهل نحن مستعدون للطوفان؟

على رأس هذه الثورة التكنولوجية يقف الذكاء الاصطناعي. وما يحدث من تجارب في بلاد من نسميهم الـ”كُفّار” لتطوير نماذج محاكاة للغة وتعلم الآلة وتعزيز الذاكرة البشرية من خلال شرائح ذكية وأعضاء صناعية، هو حقيقة واقعة الآن. أو على الأقل ليس بيننا وبينه سوى بضع تمرات نقول لها بخ.. بخ. ندخل بعدها جنة الذكاء الاصطناعي أو نصلى جحيمه.

بالطبع، الشعوب التي طالما أجادت الإساءة لنفسها، ونحن من ضمنها، ستصلى جحيم الثورة التكنولوجية.

الآلات الخارقة ستنتشر من حولنا خلال 25 عاما، وفق دراسة نشرتها مجلة هارفارد بيزنيس ريفيو، والذكاء الاصطناعي سيتفوق علينا بحلول عام 2060، والأهم من ذلك من المتوقع بحلول عام 2030 أن يضيف الذكاء الاصطناعي 15 تريليون دولار إلى الاقتصاد العالمي، بينما نحصي الملاليم التي تبقت في جيوبنا وخزائن بنوكنا.

الذكاء الاصطناعي قادم لا محالة، ومعه مخاوف شتى مرتبطة بفرص التوظيف التي باتت تختفي بشكل متسارع، حيث تحل الأتمتة مكان البشر. حتى في ساحات الحروب تميل الكفة لصالح الذكاء الاصطناعي. فماذا أعددنا له؟

غيبوبة مطلقة
الولوج في عصر الذكاء الاصطناعي يتطلب أكثر من هاتف ذكي وخط للإنترنت
التهديد لا يطال بعض الوظائف فقط، كما زعمت العديد من التقارير السابقة، فمع اعتماد الشركات والمصانع والجهات المختلفة بشكل متزايد على الآلات المدعومة بالذكاء الاصطناعي الذي يعمل بدقة وإنتاجية أعلى من البشر، أصبحت هناك توقعات بفقدان الملايين لوظائفهم. ليس ذلك فحسب، بل تناولت تقارير أخرى استخدام الذكاء الاصطناعي فى تطوير روبوتات قاتلة يمكنها التفكير ومواجهة البشر فى المستقبل والقضاء عليهم، مرورا بسيطرة هذا الذكاء الاصطناعي على شبكات الإنترنت، وبالتالي السيطرة على العالم أجمع.

اليوم لدى الـ”كُفّار” روبوتات قادرة على هزيمة البشر في المعارك، وأخرى تمتلك القدرة على تفسير المشاعر وإجراء حوارات كاملة مع البشر. وهناك روبوتات مصممة لمساعدة مرضى الزهايمر (الخرف). وروبوتات قادرة على التمييز بين 20 مكونا مختلفا في الطعام وتقديم معلومات عن قيمتها الغذائية وعدد السعرات الحرارية، وهل تصدقوا أنها قادرة على إعداد أكثر من ألف نوع من السلطات ولا يتطلب الأمر منها سوى 60 ثانية لإعداد الطبق.

يحدث كل هذا بينما نحن في غيبوبة مطلقة، نجاهد لتأمين رغيف الخبز لشعوب باتت مهددة بالمجاعات؛ شعوب ثلاثة أرباعها يلجأ للعطارين والمشعوذين والدجالين بحثا عن علاج لأمراض يعانون منها، أو مشاكل عاطفية يبحثون عن حلول لها.

ولكن، لماذا نستعد لثورة يحدثها الذكاء الاصطناعي؟ أليس اليوم أشبه بالبارحة. سبق أن نجونا من ارتدادات الثورة الصناعية التي بدأت في بريطانيا في ثمانينات القرن الثامن عشر، وسننجو اليوم أيضا.

في الواقع نحن لم ننج، بل خيل لنا. بعد أن تحولنا إلى مستعمرات تزود الدول الصناعية، وفي مقدمتها بريطانيا، بالمواد الأولية، خاصة القطن عصب صناعة الغزل والنسيج وعصب الثورة الصناعية. ومع اكتشاف النفط عام 1927 في العراق (حقل كركوك) تحولنا إلى مزود لهذه المادة التي أحدثت ثورة داخل ثورة ممهدة لاختراع المحرك الانفجاري.

مئة عام تقريبا مرت منذ اكتشاف النفط في حقل كركوك، اقتصر دورنا خلال هذه الأعوام على إشباع نهم الصناعة الغربية لمادة الذهب الأسود؛ اكتفت دولنا خلالها بلعب دور المزود للخامات والمستهلك للصناعات الغربية، وانتهت خلالها محاولات يتيمة لبعض الدول الانتماء إلى نادي الدول الصناعية إلى فشل كبير. نذكر من بينها مصر والجزائر.

بين ثورتين
Thumbnail
نظرة إلى الوراء تكفي لندرك أننا فشلنا في الانتماء إلى الثورة الصناعية، واكتفينا بدور طفيلي مستهلك لا منتج.

إذا كان هذا قد حدث مع الثورة الصناعية، هناك أكثر من سبب للخوف من أن يتكرر حدوثه مع الثورة التكنولوجية التي بدأت ملامحها ترتسم.

هناك خلاف كبير بين الثورة الصناعية وبين الثورة المرتقبة للذكاء الاصطناعي. كيف؟

الثورة الصناعية حصلت داخل المعامل وورش العمل، لتتحول هذه إلى مصانع كبيرة تستعين بالدرجة الأولى بالآلة بدلا للجهد العضلي، وتسللت بعدها إلى باقي مناحي الحياة ببطء وهدوء لم تصاحبه أي صدمات. مع الذكاء الاصطناعي نحن في مواجهة انقلاب ثوري في كل ركن من أركان الحياة بدأنا نلاحظ آثاره على كل شيء من حولنا.

أخطر ما يميز الثورة الذكية الحالية هو السرعة التي تتم فيها الاكتشافات. لا وقت للانتظار. عليك أن تتحرك دائما. توقف قليلا لتخسر السباق. ليس هذا فقط، عليك أيضا أن تسبق الآخرين في قراءة المستقبل. وهما ميزتان يفتقدهما العالم الثالث.

نظرة إلى الوراء تكفي لندرك أننا فشلنا في الانتماء إلى الثورة الصناعية واكتفينا بدور طفيلي مستهلك لا منتج

الولوج في عصر الذكاء الاصطناعي يتطلب أكثر من هاتف ذكي وكمبيوتر محمول وخط للإنترنت. ما نفتقده هو البيئة الصالحة للعمل والإبداع، وهي بيئة تتطلب مساحة من الحرية في التعامل مع البيانات تخشاها حكوماتنا، وتتفنن في وضع العقبات والعوائق في طريقها. هل يوجد بيننا من لا يشكو من ضعف سرعة الإنترنت وانقطاعها مثلا. يضاف إلى ذلك عامل الرقابة. عدو الإبداع الفردي الذي تتقنه حكوماتنا.

إلى جانب الجهود التي تبذلها الحكومات، تلعب المساهمة الفردية دورا حاسما في تطوير تكنولوجيا المعلومات. وهنا لن تكفي فقط المعرفة، الأهم منها إمكانية استثمار هذه المعرفة وتوظيفها. وهو أمر يكاد أن يكون من المحرمات في مجتمعاتنا.

إن ظننتم أن في الأمر مبالغة وإغراقا في التشاؤم، دعونا نلقي نظرة على ما يحدث.

من اليمن إلى موريتانيا.. دول تكافح الجوع بينما هي مورطة في صراعات داخلية، بعضها سياسي وبعضها الآخر اجتماعي واقتصادي. الاستثناء الوحيد دولتان، هما دولة الإمارات العربية المتحدة والسعودية، اللتان قررتا التصالح مع الماضي والانحياز للمستقبل، والعمل بجد لدخول عصر الذكاء الاصطناعي.

وجاء تصدر دولة الإمارات مؤخرا لقائمة الدول العربية في مؤشر الاقتصاد الرقمي للدورة الثالثة على التوالي، ليعكس الرؤية الاستباقية والجريئة للقيادة الإماراتية في تصميم خططها وأنظمتها لتحقيق الاستفادة القصوى من الثورة الصناعية الرابعة ولبناء عماد مستقبل اقتصادها وترسيخ أسس التنمية المستدامة.

عدا ذلك، الصورة قاتمة.. لا شيء يدعو للتفاؤل. الطوفان قادم والقارب مخروق.

اترك رد

Your email address will not be published.