محمد الهادي: فوائد الذكاء الاصطناعي لا تمنع وجود أخطار وجودية أكثر تنجم عنه

18

AI بالعربي – متابعات

كتاب الخبير التكنولوجي محمد الهادي يسعى للإلمام بأبعاد الذكاء الاصطناعي ومدى تأثيره المتنامي على التنمية والنمو الاقتصادي والأمن الوطني ويطرح اسئلة حول امكانية خضوع تكنولوجيا الحاضر والمستقبل للصراع الدولي بين القوي والضعيف.

موجةٌ من التغيُّرات أحدثت انقلابًا هائلًا في عالَم اليوم، أزمةٌ صحيَّةٌ كشفت جوانب أخرى من حياة البشرية، وأظهرت إبداعاتٍ بشريةً أثارت الكثير من الجدال حولها، أبرزها تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، التي ظهرت وفرضت نفسها بقوة على عالَم اليوم وأصبحـت أمرًا واقعًا بل حتميًّا، وقـد أدرك العـالم أنْ لا مناصَ من التعامل معها، وهذا الكتاب “الذكاء الاصطناعي معالمه وتطبيقاته وتأثيراته التنموية والمجتمعية” الصادر عن الدار المصرية اللبنانية للخبير التكنولوجي د.محمد محمد الهادي الأستاذ بقسم الكمبيوتر الآلي ونظم المعلومات بأكاديمية السادات، يسعى للإلمام بأبعاد الذكاء الاصطناعي، ومدى تأثيره المتنامي على التنمية والنمو الاقتصادي والأمن الوطني.
يطرح الهادي أسئلةً عديدةً تراود إنسان العصر حول تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي أحقيقةٌ هي أم خيالٌ كما تصوره الأفلام والقصص؟ ما انعكاساتُها على اقتصاديات الدول؟ وكيف تؤثر على الوظائف وسوق العمل، هل يحل الذكاء الاصطناعي محلَّ الذكاء البشري على الدوام.. وما دور تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تقديم الرعاية الصحية هل حقًّا يساعد في إمكانية التنبؤ بالأمراض الحادَّة ومنع حدوث النوبات المفاجئة؟! وكيف أسهمت في خدمات التعليم والنقل والزراعة بل وعلوم اللغة؟. وما السياسات التي ستتبعها الدول للتعامل مع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي باعتبارها تكنولوجيا الحاضر والمستقبل؟ هل ستصبح استغلالًا سياسيًّا وتخضع للصراع الدولي بين القوي والضعيف؟ وكيف سيتم تنظيم استخدامها مِن قِبل الأفراد والمؤسسات؟.
هذه الأسئلة وغيرها الكثير يعرِضها الهادي في عشرة فصول أساسية بنظرة علمية واقعية تكشف الحقائق وتنير البصائر، وتوثق معالم التقدم الحادث في الذكاء الاصطناعي وتوقعات تطويراته الجوهرية المستقبلية. وذلك انطلاقا من استعراض المشهد التكنولوجي الحديث ومدى ارتباطه بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، ثم خلفية ومفاهيم الذكاء الاصطناعي وعوامل تطويره وتحدياته وفرصه المتاحة، مرورا بدور الذكاء الاصطناعي في الصناعات والأعمال، والمنظمات المعبأة والمعززة له، وتأثير وجود تكنولوجياته على بزوغ الثورة الصناعية الرابعة والتحول المجتمعي، وانتهاء بوضع ركائز استراتيجية قومية تدعم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي كركيزة للتنمية الشامة والأمن الوطني.

 هل يحل الذكاء الاصطناعي محلَّ الذكاء البشري على الدوام؟
هل يحل الذكاء الاصطناعي محلَّ الذكاء البشري على الدوام؟

يرى الهادي أنه مع كميات المعلومات الضخمة المتوفرة، يمكن للفجوة بين البيانات المتاحة والبيانات الأمثل أن تعزز مع تعلم الآلة والذكاء الاصطناعي. وعند التساؤل لماذا ذلك؟ فإنه ببساطة لا توجد طريقة لدى الناس لفهم وفرة كميات البيانات المجمعة في التحول الرقمي الحادث. كما يمكن أيضا أن يدير الناس كلمات رئيسية “مفتاحة” قليلة ذات مرة، أما عند استخدام الذكاء الاصطناعي فيصبح ممكنا إدارة مئات الآلاف من الكلمات الرئيسية، بينما يمكن أن يعالج أيضا ملايين التفاعلات في الدقيقة الواحدة.
وقد قدرت إحدى الشركات أن استخدام تحليلات النص لتعريف المشكلات التي تواجهها في مدى الأربع والعشرين ساعة عند استخدامها الذكاء الاصطناعي، بينما كانت تستغرق منها أسابيع عديدة للتعريف وتعامل العاملين معها. وعلى ذلك فإن استغراق وقت أقل في تعريف المشكلات إلى جانب العمل على المهام الإدارية يعني أن إدارة خدمة العملاء صار لها وقت أكثر لكي يقضي في إطار طبيعة علاقات العملاء وتحسين خبرة المستخدم. ويمثل هذا التوجه قوة الذكاء الاصطناعي، ولماذا يكون ذا طبيعة حرجة لأي شركة تستثمر الذكاء الرقمي في مهامها.
ويلفت إلى أنه توجد ثلاث مراحل أساسية في الرحلة التي يمكن أن تتبعها المنظمات تجاه تحقيق الاستفادة الكاملة من الذكاء الاصطناعي، المرحلة الأولى يطلق الذكاء المدعوم، حيث تسخر المنظمات برامج على نطاق واسع، إلى جانب قوة السحابة في المداخل المبنية على اتخاذ القرارات المدفوعة بالبيانات. المرحلة الثانية تتمثل في طليعة ذكاء الأعمال الحديث، حيث إن منظمات الأعمال التي تعمل بالفعل تجاه مرحلة الذكاء المعزز، المتمثل في قدرات تعليم الآلة ذات الطبقات أو على قمة نظم إدارة المعلومات تتوافر لكي تعزز كفايات البشر التحليلية. المرحلة الثالثة: في السنوات المستقبلية القادمة سوف تتقدم منظمات الأعمال المختلفة تجاه الذكاء الاصطناعي الذي تكون فيه العمليات مرقمة وأكبر للدرجة الممكن أن تستخدم فيها الروبوتات الآلية مما يجعل العمليات ذات تشغيل آلي مستقل.
ويتابع الهادي أن هذه الرحلة من الذكاء الاصطناعي المعزز الذاتي المستقل آليا تعتبر جزءا من اتجاه خاص يرتبط بتحول المنظمات ذاتها إلى نطاق منظمات معززة ومدفوعة بالذكاء الاصطناعي. وهذا الاتجاه يكون أيضا عن الالتزام المستدام لإعادة تصميم محور النظم والعمليات واستراتيجيات الأعمال حول الذكاء الاصطناعي وإمكانياته. والغاية النهائية لكل ذلك تتمثل في منظمة معبأة ومعززة بالذكاء الاصطناعي التي يتعامل البشر والآلات معا في إطار النظم والتطبيقات الرقمية المصممة لتسخير الرؤى المدفوعة بالبيانات.
ويلاحظ أن كثير من تهديدات الأمن التي تواجه منظمات اليوم تكون ذات أبعاد منسقة بواسطة محركات الذكاء الاصطناعي التي تنوب عن الجهات التي تستغل في إطار الأمن. إلا أن البحوث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي أدت لإمكانية كثير من الشركات نشر تطبيقات ذكاء اصطناعي تعمل على قياس استباقي ضد التهديدات المحتملة مع تسريع الكشف والاستجابة لتلك التهديدات إلى جانب التخلص منها. وقد عززت الحوسبة المعرفية القدرة على معالجة البيانات في الوقت الحقيقي وخاصة ما يتعلق بالبيانات غير المهيكلة مثل الوثائق والأشكال والملفات والأوديو والفيديو من خلال تطبيقات الذكاء الاصطناعي الذي يمكن ـ من خلال تعلم الآلة ـ من تبني كشف التهديدات والاستجابة آليا كتقرير تهديد تطور تهديد جديد.
ويؤكد الهادي أن نظم اكتشاف التهديدات المبنية على القواعد والخبرة التقليدية كانت فعالة بسبب أنها قد تبحث التهديدات المعروفة التي تمثل عددا صغيرا من التهديدات السيبرانية، أما في إطار بيئة يمكنها بث تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة التي تكون مبنية على الخبرة المكتسبة من التهديدات المألوفة سابقا، فيمكنها كشف تهديدات عديدة متطورة جديدة. وعلى ذلك فإن منظمة اليوم الحالي التي قد تملك تحت تصرفها كميات ضخمة من البيانات الداخلية والخارجية يمكنها من خلال استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي أن تقدم رؤى تتصل بنقاط ضعف النظام وإمكانية التهديدات الخارجية، وعند معالجة كمبية البيانات الضخمة في نمط وقتي من خلال قوة العمل الممكنة، أي أنه من خلال أساليب المراقبة وغير المراقبة، إلى جانب مساندة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي المتاحة وقواعد البيانات البيانية ومعالجة اللغة الطبيعية يمكن أن تعزز المنظمة طبقة نموذج التهديد في تأكيد رؤيتها للتهديدات المعروفة وغير المعروفة. ويتحقق ذلك بواسطة إمكانية إنشاء انذارات أكثر لأحداث الأمن التي تسهل استجابة فعالة من قبل المستخدمين في المنظمة.
ويرى أنه لتطوير مسار مستقبل الذكاء الاصطناعي لأي دولة يجب البدء بتحذير أنه على الرغم من المزايا والفوائد الجمة الممكن جنيها من تطبيق واستيعاب الذكاء الاصطناعي، فإن هناك أخطارا وجودية أكثر تنجم عنه تؤثر على المجتمع المحلي والمواطنين. هذا على الرغم من أن في مقدرة الذكاء الاجتماعي مساعدة البشر لعمل خطوات رئيسية في مخاطبة التحديات الرئيسية التي قد يتعرض لها المجتمع والمواطنون.
وعلى ذلك يوجد اعتماد كبير على كيفية إدارة التحول لحقبة استخدام نظم وتطبيقات الذكاء الاصطناعي. وحتى يمكن تحقيق وعد الذكاء الاصطناعي كعامل إنتاج رئيسي جديد في مقدرته تحفيز النمو الاقتصادي، صار لازاما على أصحاب المصلحة المعنيين أن يكونوا جاهزين فكريا وتكنولوجيا وسياسيا وأخلاقيا واجتماعيا لمخاطبة التحديات التي قد تظهر عندما يصبح الذكاء الاصطناعي أكثر تكاملا في الحياة اليومية للمواطنين. لذلك صار من المهم لأي دولة أن تقوم بتطوير مسار مستقبل الذكاء الاصطناعي بها والذي يتضمن: إعداد الجيل التالي لمستقبل الذكاء الاصطناعي ـ تشجيع التنظيم المقوي والمعزز ـ الدعوة إلى مدونة أي ميثاق للذكاء الاصطناعي ـ معالجة آثار إعادة التوزيع.
ويكشف الهادي عن أن التأثير الاقتصادي للذكاء الاصطناعي من المرجح أن يكون كبيرا، مقارنة مع التكنولوجيات الأخرى الخاصة بالأغراض العامة على مدى التاريخ حيث صار يعتبر عامل إنتاج رئيسيا جديدا. ومع ذلك فإن أرباح إنتاجية الذكاء الاصطناعي يتكاثر بخطى سريعة بمرور الوقت، لذلك فإن فوائد الاستثمار التمهيدية قد لا تكون مرئية بصورة واضحة في المدى الآني القصير. وفي الوقت نفسه يوجد خطر من اتساع فجوة الذكاء الاصطناعي التي يمكن أن تظهر بين أولئك الذين يتحركون بسرعة للاستفادة من هذه التكنولوجيات واحتضان تطبيقها، وأولئك الذين لا يتبنون تطبيقها، وأيضا بين العاملين الذين لديهم المهارات وتطبيق الطلبات المتكلبة في حقبة الذكاء الاصطناعي وأولئك الذين لا يفعلون ذلك. كما أن فوائد الذكاء الاصطناعي من المرجح أن توزع بشكل متكافئ، عندما لم يكن تطوير ونشر هذه التكنولوجيات المتطورة غير متداولة بفعالية، مما قد يعمق من عدم المساواة ويؤدي لتأجيج الصراعات المحتملة داخل المجتمعات. على ذلك يجب الصبر والتفكير الاستراتيجي طويل المدى المتطلب عندئذ.
ويخلص إن تقدير إمكانية الذكاء الاصطناعي الاقتصادية لكل دولة تكون من خلال: خط الأساس الذي يعرض ويبين معدل النمو الاقتصادي السنوي المتوقع تحت الافتراضات الخاصة بالمستقبل؛ والذكاء الاصطناعي الذي يعرض ويبين النمو الاقتصادي المتوقع يتم بمجرد امتصاص واستيعاب الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد الوطني، حيث قد يستغرق ذلك وقتا لتأثير التكنولوجيا الجديدة لقيمة نمو الذكاء الاقتصادي خلال مدد معينة لملاحظة النمو الاقتصادي فيها تلك الفترة. وبذلك يصبح للذكاء الاصطناعي القدرة ورفع انتاجية العمل التي قد تصل للضعف في بعض الدول المستخدم فيها الذكاء الاصطناعي بالفعل. هذا الارتفاع في إنتاجية العمل لن يدفع بواسطة ساعات عمل أطول لكن بواسطة تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي الإبداعية التي تمكن الناس من استخدام وقتهم بفعالية أكبر. كما أن إنتاجية العمل هذه سوف تزيد في مضاعفة الاقتصاد الوطني. وبينما تتنوع المكاسب الاقتصادية من دولة لأخرى فإن مدى قدرة الذكاء الاصطناعي التوجيهية سوف تتجاوز التفاوتات الإقليمية والهيكلية وتمكن من قفزات سريعة في إنتاجية العمل. وبصفة إجمالية من المتوقع أن يطلق الذكاء الاصطناعي فوائد ملحوظة عبر الدولة المطبقة والمستوعبة له، مما يؤدي للنمو الاقتصادي المتوقع، وإعادة تفسير الوضع الطبيعي الجديدة الذي يرتبط بفترة نمو اقتصادي عالية وطويلة الأمد.

اترك رد

Your email address will not be published.