الذكاء الاصطناعي يغزو حياتنا

9

مالك العثامنة

أفتح هاتفي الجوال على تطبيق خاص بمحطة وقود معينة في مدينتنا التي نعيش بها، وبكبسة ناعمة على الشاشة أعطي الأمر عبر الهاتف لمضخة الوقود بأن تبدأ بالتعبئة ويتم خصم المبلغ مباشرة بعد الانتهاء من حسابي البنكي فوراً.

القصة تجاوزت معجزة حجز تذاكر السفر مباشرة من خلال شاشة الهاتف، أو دفع فواتير الكهرباء والماء عبر تطبيق البنك، فأنت هنا أمام حوار إلكتروني مباشر بين الأشياء..بين هاتف أصم ومضخة وقود صماء، وأنا بينهما لا دور لي إلا فتح غطاء فتحة الوقود، لا أكثر، وربما قريباً ستكون المضخات نفسها روبوتية قادرة على إنجاز عملية تعبئة الوقود برمتها.

أرعبني المشهد، رغم أنه يوحي بدلالات الراحة ويعكس سهولة الحياة عبر الذكاء الصناعي، وهناك إعلانات بدأت تظهر عن ثلاجات جديدة وحديثة وذكية، تعطيك نسبة الحموضة في المخزون فيها، أو نواقص معينة يمكن للثلاجة أن تزودك بقائمتها عبر هاتفك الذكي وأنت في المتجر تتسوق! الأدوات في المطبخ تتحول إلى ذكاء اصطناعي قد يحدد لك في يوم قريب ذائقتك اليومية في الطعام ضمن معايير صحية مرتبطة بجهاز ترتديه كساعة يحدد ما يحتاجه جسمك من معادن وفيتامينات، وهاتفك يلتقط ما تقوله ليحولها إلى إعلانات فورية سريعة أمام عينيك. هل قلت «هاتف»؟

وظيفة الهاتف في الاتصال مع باقي البشر هي أقل الخدمات فعليا التي يوفرها هذا الأملس الناعم المستقر في راحة يدك ولا يفارقك!! هو الآن عالم من الأشياء الذكية التي تتواصل مع بعضها البعض وأحيانا من دون وساطة بشرية، لم يعد أحد يستطيع الاستغناء عن هاتفه الذكي لفترة طويلة في اليوم، بعض التطبيقات الحديثة تم تصميمها لترافقنا ونحن نائمون أيضاً! إنه عصر إنترنت الأشياء.

قبل فترة وجيزة، أخبرتني طبيبة العائلة في بلجيكا أنه لا داعي لأن أحضر شخصيا للعيادة، يكفي أن أرسل لها نتيجة المختبر، وهي سترسل لي بريداً إلكترونياً بوصفة الدواء اللازم، وإن لزم الأمر تشخيصاً طبياً سريرياً، فالإيميل بيننا لتخبرني عن موعد مناسب للحضور..هكذا قالت الطبيبة فأشفقت على السقوط المدوي لشطر بيت أبي الطيب المتنبي حين يقول واصفاً الأسد في مشيه: (فكأنه آس يجس عليلا)، بعد عشرين سنة من اليوم، لن أجد أي طريقة لشرح البلاغة في الصورة الشعرية أمام ابنتي التي ربما حينها ستجس نبضها ونبضي بسوار ذكي يلف معصمي ويرسل النتيجة فوراً عبر الأثير الإلكتروني إلى طبيب ما قد يكون مقيماً في قارة أخرى.

حتى المختبر الطبي، أقرأ في تقارير صحفية أنه تم اختزاله في حقائب صغيرة بحيث يمكن للناس أن يجروا تحليلات معينة في بيوتهم عبر أجهزة ذكية تقوم بسحب الدم أو أي عينة أخرى وتحلل وترسل النتيجة إلى الطبيب. إنه عصر إنترنت الأشياء. يتحدثون عن تطبيق ذكي عبر حاسب أكثر ذكاءً، يمكن وصله بسيارات حديثة وذكية قادمة إلى السوق قريباً، وهذا التطبيق يفحص لك السيارة فنياً ويرسل تقريره إلى الجهات المعنية التي سترسل لك الترخيص الفني وما عليك إلا أن تلمس الشاشة لدفع الرسوم والضريبة! إنه عصر إنترنت الأشياء أما الإنسان، فلا بواكي له.

 

اترك رد

Your email address will not be published.